الجمعة 7 فبراير 2025
خارج الحدود

خطة ترامب لضم غزة وتهجير سكانها هي استمرار للإبادة الجماعية الإسرائيلية-الأمريكية

خطة ترامب لضم غزة وتهجير سكانها هي استمرار للإبادة الجماعية الإسرائيلية-الأمريكية دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو
بينما لا يزال الشعب الفلسطيني في قطاع غزة يعاني من العواقب المدمرة للهجمة العسكرية وحملة الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة لفترة تزيد عن 15 شهرًا، والتي تلاها فرض وقف إطلاق نار هش، كشف رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب في 4 فبراير 2025 عن خطة التهجير القسري الجماعي للفلسطينيين والفلسطينيات من غزة.
 
وفي مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أعلن ترامب عن خطة أمريكية للاستيلاء على قطاع غزة، قائلًا: “سوف نمتلكه… وسنفعل ما هو ضروري”، واصفًا غزة بأنها “موقع هدم” لا ينبغي أن “يمرّ بعملية إعادة بناء”. وذهب ترامب إلى حدّ التساؤل: “لماذا سيرغب [الفلسطينيون] في العودة؟ ذلك المكان كان جحيمًا… لا أحد يمكنه العيش هناك”، مُلمّحًا إلى أن الفلسطينيين لن يعودوا إلى غزة لأنهم “لم يعيشوا سوى الموت والدمار”، متجاهلًا بشكل متعمد حقيقة أن دولة الاحتلال، بدعم أمريكي، هي التي دمرت غزة عبر إبادة جماعية وحشية جرت على مرأى من العالم. يدعي ترامب أن خطته للتهجير القسري تهدف، من بين أمور أخرى، إلى “إنهاء الموت والدمار وسوء الحظ… [إلى مكان] لن يتعرضوا فيه لإطلاق النار والقتل والتدمير”، وذلك عقب محادثات بين الإدارة الأمريكية وكل من مصر والأردن، بشأن إمكانية استيعاب الفلسطينيين من غزة.
 
نرفض كمؤسسات مجتمع مدني وحقوق إنسان فلسطينية بشدة هذه الخطة التي ترقى إلى التهجير القسري للفلسطينيات والفلسطينيين. إذ بدلًا من دعم جهود إعادة الإعمار على نطاق واسع لتعويض ما دمرته آلة الإبادة الجماعية الإسرائيلية، أعلنت الإدارة الأمريكية مشاركتها المباشرة والواضحة في الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، باعتبارها أحدث حلقة في نكبة الشعب الفلسطيني المستمرة والهادفة إلى تفتيت وتدمير الشعب وإنكار حقه غير القابل للتصرف في تقرير مصيره والعودة. وكان قد وعد برلمانيون إسرائيليون سابقًا معبرين عن نواياهم بالقول: “نكبة غزة 2023، هكذا ستنتهي الأمور”.
 
وقد جاء إعلان خطة الترحيل القسري لترامب بمرافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي صدر بحقه مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية. ومع ذلك، مكّنت الدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية نتنياهو من السفر إلى الولايات المتحدة عبر أجوائها، بما في ذلك فرنسا وإيطاليا واليونان، في انتهاك صارخ لالتزاماتها الدولية، حيث أكدوا مسبقًا أنهم سيمنحون نتنياهو الحصانة في حال دخوله إقليمهم، ما يُشكّل تهديدًا لنظام العدالة الدولية.
 
ورغم وقف إطلاق النارالمؤقت، لم تتوقف الإبادة الجماعية الإسرائيلية بحق الفلسطينيين والفلسطينيات. فقد فرضت دولة الاحتلال ظروفًا معيشية تهدف إلى التدمير المادي للفلسطينيين في غزة، مما أدى إلى استمرار المعاناة والموت والمرض في ظل حصار خانق مستمر منذ 17 عامًا. بالإضافة إلى ذلك، فإن استهداف دولة الاحتلال لوكالة الأونروا، وإعلان ترامب إنهاء كل أشكال الدعم للوكالة يفاقم من تدمير الشعب الفلسطيني، ويضمن استمرار الإبادة الجماعية بحقهم.
 
إضافةً إلى ذلك، فإن خطة ترامب للاستيلاء على غزة وتهجير جميع الفلسطينيين إلى الدول المجاورة تتجاوز كل الخطوط الحمراء التي حددها القانون الدولي. وإذا تم تنفيذها، فسترقى هذه الخطة إلى جريمة الإبادة الجماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وفقًا لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فضلًا عن كونها عملًا دولياً غير مشروع من جريمة العدوان المحظور بموجب المادة 2(4) من ميثاق الأمم المتحدة، باعتباره محاولة لضمّ الأراضي بالقوة. كما تتجاهل هذه الخطة العديد من قرارات الأمم المتحدة، بما في ذلك قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 (الصادر في 11 ديسمبر 1948)، والذي يؤكد على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، وقرار مجلس الأمن رقم 2334 للعام (2016) الذي يطالب دولة الاحتلال بوقف جميع أنشطتها الاستيطانية في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية.
 
وفي المؤتمر الصحفي ذاته، أكد ترامب أن إدارته تناقش إمكانية توسيع السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، ما يدلّ على أن خطته لا تقتصر على غزة فقط، بل تمتد إلى كامل الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك الضفة الغربية عبر الضمّ الرسمي. ويحدث ذلك في الوقت الذي تنفذ فيه قوات الاحتلال الإسرائيلي هجوماً عسكرياً مستمراً على شمال الضفة الغربية بإعمال أساليب تشابه تلك التي استخدمها في غزة.
 
بالإضافة إلى ذلك، فإن قرارات ترامب الأخيرة بالانسحاب من منظمة الصحة العالمية (WHO)، واتفاقية باريس للمناخ، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، تُظهر بوضوح أن الولايات المتحدة تسعى إلى تفكيك النظام القانوني الدولي القائم، واستبداله بمنطق “السلام عبر القوة”، وهو الخطاب ذاته الذي يكرره المسؤولون الإسرائيليون، مثل بتسلئيل سموتريتش، والذي يواصل المخطط الذي عرضه رئيس الوزراء نتنياهو في الجمعية العامة للأمم المتحدة تحت شعار “محاربة القوى التي تهدد السلام”، خصوصًا أولئك الذين يعارضون إعادة تشكيل دولة الاحتلال للشرق الأوسط، وخطتها لإنشاء ممر بري بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط، لتأمين خطوط الطاقة وغيرها من المصالح الجيوسياسية.
 
تؤكد المؤسسات الفلسطينية أن الخطة الوحيدة التي ينبغي أن تكون مطروحة بعد وقف إطلاق النار هي تلك التي تضمن للشعب الفلسطيني ممارسة حقوقه في تقرير المصير والعودة. ويشمل ذلك حق الفلسطينيات والفلسطينيين في غزة في اختيار مستقبلهم، والبقاء في أرضهم، وإعادة بنائها. إن اقتراح ترامب بالتهجير القسري لإنهاء الموت والدمار في غزة يكشف تواطؤ الإدارة الأمريكية ومشاركتها المباشرة في الإبادة الجماعية، فضلًا عن كونه انتهاكًا صارخًا لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، واستمرارًا لنكبته. وبناء عليه، نحذر من تشكيل إدارة ترامب تهديدًا خطيرًا ليس فقط على الشعب الفلسطيني وحده، بل على البشرية أجمع. 
 
ويؤكد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في غزة على أن:
 “نتنياهو، الذي استقبله رئيس الولايات المتحدة، هو مطلوب للعدالة لارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية من قبل المحكمة الجنائية الدولية. وبدلًا من تسليمه للعدالة الدولية، يحاول ترامب تنفيذ مخططه الإبادي الذي يهدف إلى تهجير الشعب الفلسطيني، وهو ما لم يقبله أجدادنا لعقود، ولن يقبله هذا الجيل. رغم الدمار والإبادة وانعدام مقومات الحياة، لن يقبل الفلسطينيين والفلسطينيات أبدًا أن يتم اقتلاعهم من أرضهم.”
 
وقد صرح زميلنا في شمال غزة بأن:
“تصريحات ترامب لا قيمة لها ولا وزن. كيف يمكن لشخص مثلي، وقف ثابتًا في شمال غزة ورفض أوامر الإخلاء المتكررة، رغم العواقب الصعبة التي عايشتها أنا وعائلتي، بما في ذلك الإبادة الجماعية، والتهجير، والموت، والجوع، والحصار، قبول أن يتم تهجيرنا قسرًا خارج غزة؟ إن تصريحات ترامب تعزز تمسكنا وحبنا للأرض. من هو ليقرر مصير ومستقبل شعب كامل ويكرر نكبة عام 1948؟ لقد قدم شعبنا تضحيات عظيمة من أجل أرضه ونحن ما زلنا صامدين على أرضنا رغم محاولات التهجير القسري والدمار الهائل الذي يحيط بنا. سنظل متمسكين بأرضنا مهما كان الثمن الذي سندفعه غالياً، ولن نقبل بأي خطط لإعادة التوطين تؤثر على حقوقنا المشروعة ووحدتنا السياسية والجغرافية.”
 
تدعو مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني المجتمع الدولي والدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى:
ندعو الولايات المتحدة الأمريكية إلى التراجع عن خطتها لتهجير الفلسطينيين والفلسطينيات قسرًا من غزة، ورفض أي محاولات من دولة الاحتلال لضم الضفة الغربية بشكل رسمي؛
 
ضمان تمكين الفلسطينيين من ممارسة حقهم في العودة إلى ما تبقى من منازلهم في غزة بأمان وحماية وكرامة، وضمان توفير المأوى والطعام والرعاية الطبية للفلسطينيين المهجرين في الأراضي الفلسطينية المحتلة؛
 
ضمان توفير جميع الدعم المادي واللوجستي والمالي والاجتماعي المطلوب للفلسطينيين في غزة بشكل فوري ودون عوائق؛
 
إدانة علنية لاستخدام العقوبات لتقويض المحكمة الجنائية الدولية، وتفكيك الأونروا؛
مطالبة الدول الأوروبية باتخاذ إجراءات لتنفيذ نظام الحظر الأوروبي للحماية ضد العقوبات الأمريكية على المحكمة الجنائية الدولية؛
 
التعاون الكامل مع المحكمة الجنائية الدولية، وتنفيذ أوامر الاعتقال للقبض على رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت؛ وتوسيع التهم لتشمل الاستيطان والإبادة الجماعية؛
 
إجبار دولة الاحتلال على التراجع عن تشريعاتها التي تحظر الأونروا، وحث الولايات المتحدة على إعادة تمويل الأونروا؛
 
التدخل في الرأي الاستشاري للأونروا أمام محكمة العدل الدولية؛ والتدخل في قضية الإبادة الجماعية المرفوعة من قبل جنوب أفريقيا ضد دولة الاحتلال؛
 
معالجة الأسباب الجذرية للإبادة الجماعية، من خلال تفكيك النظام الاستعماري الاستيطاني الصهيوني الإسرائيلي القائم على نظام الفصل العنصري (الأبارتهيد) وإنهاء الاحتلال غير القانوني؛
 
فرض عقوبات، بما في ذلك حظر ثنائي على الأسلحة، يشمل جميع الأسلحة، المصارف، العقوبات المالية، الاقتصادية، التجارية والدبلوماسية على دولة الاحتلال، بما في ذلك إنهاء جميع صفقات الغاز مع دولة الاحتلال باستخدام الأنابيب الموجودة في المياه الإقليمية لفلسطين قبالة غزة؛
 
ندعو الحركات الاجتماعية، والمجموعات الناشطة، وأصحاب الضمير المتضامنة مع فلسطين إلى استخدام جميع الوسائل المتاحة لوقف مخططات الرئيس ترامب الاستعمارية والتي تعمل على استمرار جريمة الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني.
 
عن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان