الاثنين 17 فبراير 2025
فن وثقافة

"جدران الرمل" سيكودراما حول انتفاضة مخيمات تندوف

"جدران الرمل" سيكودراما حول انتفاضة مخيمات تندوف مشهد من المسرحية
عاد المؤلف يوسف التويجر والمخرج هشام إبراهيمي إلى انتفاضة تندوف ليسلطا الضوء على المجتمع المغربي من خلال تجارب نسائية، مركزين على الآلام النفسية وتبعاتها الاجتماعية على الفرد والمجموعة عبر تصوير عالم السجون والصراعات السياسية والاجتماعية التي تلقي بثقلها على المجتمع، شعارهما في ذلك أن الفن قادر على التثقيف والتغيير والتوعية. 

العرض المسرحي “جدران الرمل” إنتاج جديد لفرقة “إسباس للثقافة والفنون”، التي استطاعت منذ تأسيسها في مدينة السمارة عام 2014 أن ترسم لنفسها مسارا مختلفا في الساحة الثقافية المغربية، ويرتكز نشاطها على دمج الثقافة بالفن المسرحي مع التركيز على القضايا الوطنية وتوسيع رقعة المسرح في المغرب وخلق نهضة ثقافية جنوب المملكة، إلى جانب تقديم تكوين أكاديمي يساهم في بناء مواهب فنية محلية. وهذه الرؤية الطموحة جعلت الفرقة في طليعة الجهات التي تستخدم المسرح كأداة تعبير عن قضايا مجتمعية ووطنية عميقة. 

ويجسد عرض “جدران الرمل”، الذي أنتج عام 2024 بدعم من وزارة الثقافة والشباب والتواصل، تجربة فريدة جديدة، من خلال النص المسرحي الذي كتبه يوسف التويجر ويحمل طابعا سياسيا مهما، إذ يسرد حكاية أربع نساء محكومات بالإعدام داخل زنزانة ضيقة، حيث يتناول من خلالهن الأبعاد النفسية والإنسانية لشخصياته التي عاشت ظروفا قاسية خلال أحداث انتفاضة تندوف عام 1988.

وعبر هذا النص يفتح المؤلف نافذة على معاناة فردية وجماعية تعكس هشاشة الإنسان في مواجهة الظلم والقهر يعيشها الممثلون على خشبة المسرح. وتعتبر الشخصيات النسائية في العرض عنصرا محوريا، حيث جسدت كل واحدة منهن جزءا من تلك المعاناة المتشابكة مع أمل التحرر، إذ يبرز المخرج كيف أن السجون على الرغم من قسوتها تكون مكانا للتأمل وإعادة اكتشاف الذات، لكن لا يغفل النص الجانب السياسي للصراع، حيث يشير إلى أزمات الحرية والعدالة والانتهاكات الإنسانية التي تقع في سياقات القهر والاستبداد. 

واجتهد مخرج العمل هشام إبراهيمي في توظيف السينوغرافيا لإثراء النص المسرحي، كما استعان العرض بإسقاط دائري يمثل القمر، حيث أضاف هذا العنصر البصري أبعادا جمالية ووظيفية للنص، ومن خلال الدمج بين المشاهد المسرحية وهذه الرؤية الإبداعية خرج العرض عن الإطار التقليدي، ليصبح تجربة تجمع بين المسرح والجمهور معا، وهذا يجعل خشبة المسرح ذات طابع حداثي. 

ويترجم العرض المسرحي التحولات التي تعيشها الشخصيات على المستوى النفسي والاجتماعي، ويسهم في تعزيز الهوية الثقافية المغربية من خلال طرح  قضايا ذات بعد وطني وإنساني، كما يمثل العرض امتدادا لرؤية فرقة “إسباس للثقافة والفنون” في إنتاج أعمال تتجاوز الترفيه إلى خلق وعي مجتمعي وسياسي يعكس التزام الفرقة بتطوير قدرات أعضائها من خلال برامج تكوين أكاديمي يساهم في بناء جيل جديد من المبدعين. 

ويبرز “جدران الرمل” قدرة الفن على مواجهة الثغرات الثقافية، ويعيد الاعتبار لمسرح الجنوب المغربي كمنصة إبداعية تواكب تطلعات المجتمع، ومن خلال هذا الإنتاج تؤكد الفرقة على أهمية إعادة توجيه الأنظار نحو المناطق المهمشة ثقافيا لإبراز إمكانياتها الفنية والإبداعية. 

ويمثل العمل دعوة إلى التأمل في قضايا الإنسان والمجتمع، ويؤكد على دور المسرح كأداة للتغيير والوعي، وهو شهادة حية على إمكانية أن يكون الفن مساحة للتعبير عن القضايا الكبرى ويساهم في بناء جسور بين مختلف فئات المجتمع، بينما يضع المشاهد أمام تساؤلات مهمة حول العدالة والحرية والقهر، ويدعوه إلى التفكير في كيفية تحويل التجارب الإنسانية المؤلمة إلى مصدر للإبداع والتغيير، وتجربة تثير في النفس رغبة في فهم أعمق للواقع والذات. 
ويمكن القول إن هذا العرض يمثل خطوة إضافية في مسيرة المسرح المغربي، إذ يقدم تجربة إبداعية تجمع بين الفن والتثقيف.
 
ويذكر أن المسرحية من بطولة كل من نيهة برك، النجاة اختيار، علياء طوير وحنان الخاديري. وفرقة “إسباس للثقافة والفنون” هي فضاء شبابي ثقافي تأسس منذ ست سنوات تحت لواء جمعية “إسباس للثقافة والفنون” بمدينة السمارة. يرتكز نشاط هذا الفضاء على أربعة أعمدة أساسية تتمثل في إدماج الثقافة في خدمة القضية الوطنية، والترويج للأعمال المسرحية على المستوى الوطني، وخلق دينامية ثقافية بجنوب المغرب، والتكوين الفني لدعم المواهب الشابة. 

استهلت الجمعية أنشطتها بمشروع التكوينات المسرحية الذي أسهم في وضع قاعدة صلبة لهذا الفضاء، حيث تم تنظيم دورات تكوينية استقطبت خبرات من خريجي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، من بينهم أمين غوادة وعادل أبا تراب وعلياء الطوير. 

وبدأت الفرقة مسيرتها الفنية بإنتاج عرضها المسرحي الأول بعنوان “خلاكة” سنة 2018، بالشراكة مع مسرح محمد الخامس، وقام أمين غوادة بإخراج العرض بينما كان النص من تأليف يوسف التويجر، وحقق هذا العمل حراكا ثقافيا وفنيا ملحوظا بالأقاليم الجنوبية وعلى المستوى الوطني بالمغرب. 

في سنة 2022 عادت الفرقة بعمل جديد بعنوان “العائد”، وهو نص آخر من تأليف يوسف التويجر، تولى إخراجه محمد فرحي، تم إنتاج هذا العرض بدعم من وزارة الثقافة والشباب والتواصل. عُرض العمل في سبع جهات مغربية وشارك في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح بتطوان، حيث حصد ثلاث جوائز مهمة، هي جائزة النص التي كانت من نصيب يوسف التويجر، جائزة التشخيص (ذكور) التي نالها يوسف التاهم مناصفة، وجائزة الأمل التي كانت من نصيب صراح الألمعي. 

وصارت الفرقة نموذجا رائدا في تكوين الشباب والترويج للفن المسرحي وإحياء الحراك الثقافي بالأقاليم الجنوبية، ومن خلال أعمالها المتجددة تؤكد الفرقة التزامها برسالتها الثقافية والوطنية، كإبراز لمكانتها على الساحة الفنية المغربية مع النصوص والأفكار المطروحة. 

ومخرج “جدران الرمل” هشام إبراهيمي هو ممثل جمع بين التكوين الأكاديمي والتجربة العملية. تخرج من المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، وأصبح أستاذا متخصصا في المسرح والارتجال بمحترف الفنون الدرامية بالرباط، ويساهم في تأسيس العصبة المغربية للارتجال وهي أول عصبة من نوعها في المغرب، وهذا يبين اهتمامه بتطوير الفنون الدرامية. 

وشارك إبراهيمي في أكثر من 60 عملا موزعا بين المسرح والسينما والتلفزيون، متنقلا بين إنتاج أعمال فنية مغربية وأجنبية. كما عمل إلى جانب ممثلين عالميين مثل طومي لي جونز، كاترين دونوف، جمال دبوز ومونيكا بيلوتشي. وتميزت بعض أعماله بحضور قوي في المهرجانات، مثل “خيول الحظ”، “ضفائر”، “عبروا في صمت”، “علي زاوا”، ومسلسل “قبر الحياة” والعديد من الأفلام السينمائية. 
 

عبد الرحيم الشافعي/ ناقد سينمائي مغربي