الثلاثاء 22 إبريل 2025
كتاب الرأي

يوسف حميتو: تعديلات مدونة الأسرة وأسئلة منطق الواقع

يوسف حميتو: تعديلات مدونة الأسرة وأسئلة منطق الواقع يوسف حميتو
تأتي تعديلات مدونة الأسرة المغربية 2024 استجابة حضارية متزنة لتحديات الواقع المتغير، في إطار نوع من الاجتهاد والحرص على الالتزام بثوابت الشريعة الإسلامية ومقاصدها العليا في تحقيق العدل والمساواة وصيانة كرامة الإنسان. إن هذه التعديلات تأتي في لحظة فارقة تستوجب رؤية متبصرة تعبر بالمجتمع المغربي من حالة التجاذب بين الخطابات الأيديولوجية المتناقضة -سواء كانت دينية أو علمانية- نحو بناء إطار قانوني يُراعي التوازن بين الأصالة والمعاصرة.
 
لقد أصبح من الضروري أن تُصاغ التشريعات الأسرية في المغرب وفق قراءة واقعية لمتطلبات العصر، تأخذ بعين الاعتبار التطورات الاجتماعية والاقتصادية، وتستهدف تعزيز استقرار الأسرة باعتبارها ركيزة أساسية لبناء المجتمع وتنميته. ومع ذلك، فإن هذا التحديث التشريعي لا ينبغي أن يُقرأ كتنازل عن الثوابت الدينية أو الموروث الثقافي، بل هو تجسيد لمنهج فقهيٍّ أصيل يستجيب لتغيرات الواقع بمرونة وانفتاح بحسب ما تتيحه الشريعة وتستلزمه مساحة الواق، دون إخلال بجوهر القيم الإسلامية التي شكلت الهوية المغربية عبر العصور.
 
وفي الوقت ذاته، ينبغي ألا تفهم هذه التعديلات كانتصار لتيار على تيار، فمجال الاسرة لا يقبل أن يكون ساحة للصراعات، ولا يقبل أن يرهن مستقبل مكوناتها لرؤى ضيقة جدا يعبر عنه تصريح بعض المسؤولين السياسيين الذي يتصرفون بنوع من الشعبوية، وبمنطق الوصاية على الشعب المغربي، بل وعلى اعلى المؤسسات الدستورية في المملكة والتي ما نصب في منصبه إلا ليكون منفذا وخادما لما تفرضه طبيعتها الدينية والسياسية المادية منها والرمزية.
 
يجب أن نعترف أن تعديلات مدونة الأسرة المغربية 2024، تبرز مجموعة من الأسئلة الملحة التي تعكس طبيعة التحديات التي تواجه المجتمع المغربي، وتستدعي تحليلاً عميقاً ورؤية شاملة، منها:
 
1- السؤال التشريعي والفقهي:
- كيف يمكن تحقيق التوازن بين مستجدات الواقع الاجتماعي والاقتصادي ومتطلبات التوافق مع ثوابت الشريعة الإسلامية؟ وما هي الآليات التشريعية والفقهية المناسبة لتفعيل مقاصد الشريعة في قضايا الأسرة دون الوقوع في الجمود أو الانفلات؟
 
2- السؤال الاجتماعي:
- كيف ستؤثر هذه التعديلات على استقرار الأسرة المغربية في ظل التحولات الاجتماعية الكبرى مثل ارتفاع نسب الطلاق، وتأخر سن الزواج، وتغير الأدوار الأسرية؟ وهل تستجيب هذه التعديلات لاحتياجات الشباب المغربي في بناء أسر قادرة على مواجهة تحديات العصر؟
 
3- السؤال السياسي والأيديولوجي:
- كيف يمكن تجاوز الصراعات السياسية والأيديولوجية التي تستغل قضايا الأسرة لتحقيق مكاسب آنية؟ وما هي السبل لإبعاد النقاش التشريعي عن التوظيف الأيديولوجي الذي قد يؤدي إلى استقطاب مجتمعي؟
 
4- السؤال المؤسسي:
- ما هي الأدوار التي يجب أن تضطلع بها المؤسسات الدينية، والقانونية، والاجتماعية، في تأطير التعديلات وضمان تنفيذها بما يحقق أهدافها؟ وكيف يمكن للمجلس العلمي الأعلى والمؤسسات ذات الصلة تقديم الدعم اللازم لهذه التعديلات من منظور فقهي عميق ومتجدد؟
 
5- السؤال الاستشرافي:
- كيف يمكن أن تؤسس هذه التعديلات لمدونة أسرة قابلة للتطور مستقبلاً، بما يراعي التغيرات المتسارعة في بنية المجتمع المغربي؟ وما هي الآليات لضمان استدامة هذه التعديلات وعدم الحاجة إلى مراجعات جذرية مستقبلاً؟
 
6- السؤال المتعلق بالرأي العام والتواصل:
- كيف يمكن إقناع المجتمع المغربي بضرورة هذه التعديلات، خصوصاً في ظل وجود مقاومة من بعض الفئات التي قد ترى فيها تنازلاً عن الهوية الإسلامية؟ وما هي الاستراتيجيات التواصلية الفعالة لتبديد المخاوف وتعزيز الثقة في الإصلاحات؟
 
الإجابة على هذه الأسئلة تتطلب مقاربة شاملة تراعي الأبعاد الفقهية، التشريعية، والاجتماعية، مع الانفتاح على حوار بنّاء يتجاوز الخلافات السياسية والأيديولوجية لصالح مصلحة الأسرة والمجتمع، فلا الحكومة باقية، ولا الأشخاص باقون، إنما الضامن الوحيد هو استدامة صلاح وحياة المجتمع المغربي.
 
يوسف حميتو/ أستاذ جامعي