منذ سقوط نظام بشار الأسد في سوريا في الثامن من ديسمبر الجاري، والمخاوف تزداد في قصر المرادية، بسبب العلاقات القوية التي جمعته بنظام الأسد على مدى سنوات الثورة السورية التي قتلت ما لا يقل عن مليون سوري وشردت نحو 13 مليون سوري بين نازح ولاجئ في أرض الله الواسعة.
مازال الجزائريون ومعهم السوريون وبقية العرب وأحرار العالم يذكرون جيدا جلسة مجلس الأمن الدولي التي عُقدت في 3 ديسمبر الجاري، حيث أعرب المندوب الجزائري، عمار بن جامع، عن موقف بلاده من الأزمة السورية، وأكد رفض الجزائر القاطع لأي محاولات لتقسيم سوريا، مشددًا على ضرورة التوصل إلى حل سياسي يحافظ على وحدة وسيادة البلاد. كما حذر من مخاطر عودة الإرهاب، داعيًا إلى اعتماد الحوار الشامل بين السوريين، بدعم من المجتمع الدولي، كوسيلة وحيدة للخروج من الأزمة.
في نفس السياق، أشار بن جامع إلى أن التصعيد في سوريا يُذكر بهشاشة الوضع هناك، مؤكدًا على أهمية التنسيق لمكافحة الإرهاب. كما أعرب عن قلق الجزائر البالغ إزاء التوغلات العسكرية الإسرائيلية في سوريا، معتبرًا أنها تزيد من تعقيد الوضع وتعرقل جهود التسوية السلمية.
وكانت قيادة النظام الجزائري تختفي وراء ما تسميه بضرورة احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، ودعم الحلول السياسية التي تضمن وحدة وسلامة الأراضي السورية. بينما يعرف الجميع أن العلاقات الوطيدة التي جمعت بين النظامين السوري والجزائري كانت أكبر بكثير من ذلك، ولطالما سعت القيادة الجزائرية لإعادة عضوية النظام السوري في جامعة الدول العربية.. ووصل بها الحد حد إغلاق أبواب الجزائر أمام اللاجئين السوريين الفارين من نيران البراميل المتفجرة.
أما الآن وقد سقط النظام السوري وفر بشار الأسد إلى موسكو، فإن هذا الحدث يحمل دروسًا متعددة يمكن لقادة الجزائر تعلمها.
من أهم الدروس التي يجب تعلمها هو أهمية الاستماع إلى مطالب الشعب والعمل على تحقيق إصلاحات جذرية قبل تفاقم الأوضاع. فالقمع العنيف والتجاهل يؤديان إلى تراكم الاحتقان الذي قد ينفجر بشكل مدمر، والحراك الذي عصف ببوتفليقة ورموز عهده دليل واقعي على ذلك.
المثال السوري يبرز كيف أن القمع المفرط يمكن أن يؤدي إلى استقطاب المجتمع، وتحويل الاحتجاجات السلمية إلى صراع شامل، لا سيما في ظل غياب مؤسسات سياسية وسيطة بين الدولة والمحتجين.
ومن الدروس الأساسية التي يجب تعلمها من الحالة السورية هو أن النظام الذي يرفض التغيير والإصلاح يصبح عرضة للسقوط عند مواجهة أزمات كبيرة. أما إذا عملت الأنظمة على تحديث نفسها من الداخل وتطوير آليات الحكم، فإنها تقلل من احتمالية حدوث اضطرابات كبرى.
قادة الجزائر، العقلاء منهم، يمكنهم الاستفادة من هذا الدرس من خلال تعزيز الوحدة الوطنية، وإعطاء الأولوية للمصالحة بين مكونات المجتمع المختلفة، وتجنب سياسات قد تؤدي إلى تفاقم الانقسامات الداخلية.
وعلينا أن نتذكر أيضا أن الأزمات الاقتصادية كانت عاملًا رئيسيًا في تصعيد الاحتجاجات في عدة دول. أما الجزائر، التي تعتمد بشكل كبير على النفط والغاز، فإنها يجب أن تعمل على تنويع اقتصادها وتوفير فرص عمل للمواطنين، لتقليل السخط الشعبي الناتج عن الظروف المعيشية، وهذا السيناريو يبدو صعبا إن لم يكن مستحيلا إذا لم يتهم التمهيد له بمناخ سياسي شفاف يستطيع فيه الشعب أن ينتخب قيادة يحاسبها بصندوق الاقتراع وليس بالقوة العسكرية أو الانقلابات.
إن الأنظمة التي تعتمد على شخص واحد أو مجموعة صغيرة، كما هي في الجزائر التي تتصارع فيها الأجنحة على اقتسام ثروة البلاد، تبقى ضعيفة أمام التحديات الكبرى. يمكن لقادة الجزائر أن يتعلموا أهمية بناء مؤسسات قوية تضمن استمرارية الدولة بغض النظر عن الأفراد.
الدرس الأساسي من المثال السوري وقبله باقي دول الربيع العربي هو أن التغيير حتمي، والأنظمة التي تتكيف معه بمرونة وتحترم تطلعات شعوبها تكون أكثر قدرة على البقاء والاستمرار. وأن العمل على تحقيق العدالة الاجتماعية، والإصلاح السياسي، وتعزيز الوحدة الوطنية هي الضمانات الأساسية لاستقرار أي نظام في وجه التحديات، وهي تحديات لا يبدو أن قادة النظام الجزائري الحاليين قادرين على اجتراح تجربة تصالحية توافقية بعيدا عن الضغوط الدولية..
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن نظام الأسد قد سقط على الرغم من إسناد روسيا وإيران له على مدى سنوات الثورة السورية، فكيف بنظام الجزائر وقد أصبح معزولا ليس فقط من جيرانه ولم يبق له منهم إلا انقلابي واحد حنث اليمين يوم أقسم على احترام الدستور قبل أن ينقلب على الدستور وعلى البرلمان الذي أتى به، ويلقي برئيس البرلمان في غياهب السجو.. وإنما أيضا فقط تحالفاته القديمة سواء مع فرنسا الاستعمارية أو روسيا وريثة الاتحاد السوفييتي المنهار.. أليس من بين حكام الجزائر رجل رشيد؟
كريم مولاي، خبير أمني جزائري