أكدت آمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان على أن تجربة الإنصاف والمصالحة، تجربة وطنية مستقلة، تبلورت معالمها في ضوء تفاعل نوعي، وغير مسبوق بين الإرادة العليا للدولة وإرادة المجتمع بكل أطيافه.
وأضافت في كلمة لها،السبت 7 دجنبر 2024، خلال خلال الجلسة الختامية للندوة الدولية حول التجربة المغربية للعدالة الانتقالية، التي احضتنها مجلس النواب:" ها نحن نصل إلى اختتام رحلة امتدت على مدى 20 سنة مكنت كل المغاربة، كيفما كانت آراؤهم وتوجهاتهم، من تملك تاريخهم وقضاياهم ذات الصلة بالديمقراطية وحقوق الانسان، ومن اكتشاف قوتهم في مواجهة انتهاكات جسيمة وتحديد الإطار المعياري للقطع معها مع انطلاق تجربة الحقيقة والإنصاف والمصالحة".
وأفادت المتحدثة ذاتها أن تقرير الأممي المرجعي، حدد سمات، ومحددات تنطبق بشكل كلي على تجربة هيئة الانصاف والمصالحة، من الناحية المعيارية، يمكن أن نجملها فيما يلي:
- التجربة المغربية جرت في ظل استمرارية الدولة وبإرادة من أعلى سلطة في البلاد، وتفاعل خلاق مع الديناميات المجتمعية، والضحايا.
- قراءة وتحليل التجربة المغربية وفق سياقها الخاص، وما ميزه من تفاعل بين إرادة الدولة، والمجتمع كانت من أجل تعزيز الانتقال الديموقراطي، ولم تكن معنية ببناء السلم الأهلي الناجم عن صراع إثني أو عقدي.
- اعتبرت الهيئة الدولة مسؤولة عما جرى من انتهاكات لحقوق الإنسان، باعتبارها مسؤولة عن حماية المواطنين واعمال نظرية المخاطر. وفي السياق ذاته، أكدت آمنة بوعياش أن هذا الاختيار، وفر إطارا لـ :
✓ وضع تصور واضح ومنسجم للتعويض الجزافي وجبر الضرر لكل الضحايا، انطلاقا من مسؤولية الدولة.
✓ تعويض الضحايا وذوي حقوقهم في الأحداث والوقائع المنسوبة لمجموعات غير دولتية، كما هو الأمر بالنسبة لضحايا وذوي الحقوق الصراعات الحزبية التي اندلعت عشية استقلال المغرب.
✓ إعمال نهج مبتكر لتعويض ضحايا النزاع الإقليمي في الصحراء، سواء أولئك الذين تم اعتقالهم وتعذيبهم من طرف جبهة البوليساريو أو بعض المدنيين الذين اختطفوا من التراب الوطني في سياق النزاع الإقليمي المسلح حول الصحراء المغربية.
وزادت قائلة، إن تجربة هيئة الانصاف والمصالحة، تميزت بإحداث بنية مؤسسية لمتايعة تنفيذ التوصيات، من خلال تكليف الملك محمد السادس بمناسبة توصله بتقرير الهيئة، المجلس الاستشاري على متابعة تنفيذ التوصيات وطالب في خطابه مختلف السلطات والقطاعات الحكومية بالتعاون مع المجلس لمتابعة التوصيات.
وقالت في هذا الصدد:" لقد تمكنا، فيما يرتبط بكشف الحقيقة، من كشف مصير 803 حالة وإخضاع 75 عينة رفات إلى اختبارات الحمض النووي ADN.
- جبر الضرر في التجربة المغربية
ركزت تجربة هيئة الانصاف والمصالحة في جانب من عملها على تعويض الضحايا، وذوي الحقوق بمبلغ إجمالي يقارب ثلاثة ملايير درهم.
وشمل تعويض جبر الضرر الضحايا وذوي الحقوق أشكالا مختلفة أجملتها رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان في :
✓ تعويض الضحايا.
✓ تعويض ذوي الحقوق.
✓ تعويض الأطفال القاصرين للضحايا .
✓ العودة إلى العمل وتسوية الأوضاع الإدارية والمالية.
✓ الإدماج الاجتماعي، واتخذ الادماج أشكالا مختلفة.
✓ التغطية والتأهيل الصحي
✓ التقاعد التكميلي.
- جبر الضرر الجماعي: تمويل عشرات المشاريع والمبادرات المدنية المحلية ب 13 إقليما، أو عمالة بكلفة مالية اجمالية بلغت تقريبا 160 مليون درهم هذا المفهوم… مفهوم جبر الضرر الجماعي تم اعتماده من أعلى سلطة في البلاد ليتطور لإِعمال مفهوم العدالة المجالية في السياسات الإنمائية، ودمجِ مفهومِ جَبْر الضرر الجماعي في خططنا الإنمائية، ورفع التهميش عن المناطق والمجالات التي لم تستفد من التنمية.
وفي حديثها عن التوصيات، أبرزت بوعياش:
- ينص الدستور المغربي على الحماية الدستورية لحقوق الانسان في مختلف جوانبها وهي المقتضيات المرجعية لبلورة النصوص الجنائية ذات الصلة. لن ادخل في التفاصيل، يمكن استخلاص ان الجانب المعياري تم تنفيذه.
- ومن الناحية الإجرائية لم نسجل أي حالة اختفاء… الحالات المعدودة للتعذيب التي سجلناها اخذت طريقها نحو المسائلة واعمال القانون، ونقوم كآلية وطنية للوقاية من التعذيب بالزيارات المفاجئة لكل مراكز التعذيب حيث قمنا بأكثر من 164 زيارة وتقديم تقارير بخصوصها .
- مراجعة قانون المجلس الوطني لحقوق الانسان كآلية دستورية غير قضائية لحماية الحقوق والحريات وضمان استقلاليتها السياسية والمالية وان كانت المؤسسات الوطنية تحدث من طرف الدول الا ان تقييمها يتم من طرف المفوضية السامية لحقوق الانسان للأمم المتحدة.
- التنصيص بالدستور على استقلالية القضاء وتوسيع التمثيلية بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية للتداول واتخاذ القرارات ذات الصلة واعتماد نيابة عامة مستقلة عن السلطة التنفيذية.
وعرجت المتحدثة ذاتها الى حفظ الذاكرة، معتبرة إياه ورشا لإكرام الضحايا وتملك الماضي، مع أفق استشراف المستقبل.
وقالت في هذا الإطار:"فلسفتنا لحفظ الذاكرة كانت بحد ذاتها متعددة الأبعاد، لم تقف حصرا على الفضاء، بل تجاوزت في بعض محطاتها مفهوم الفضاء، والمكان والماضي.
وأعلنت على أن بعض هذه الفضاءات التي ستفتتح قريبا، ستوفر خدمات سوسيو-اجتماعية وأنشطة مدرة للدخل لشباب ونساء المناطق القروية المجاورة، مثل فضاء تازمامارت، فضلا عن ترميم فضاءات الذاكرة وأمكنة ترقد فيها أرواح الضحايا بسلام، تليق بذاكرتهم.
وزادت قائلة:" اخترنا أن نحتفي بالذاكرة والماضي المشترك بالتحافة والمتاحف، مثل متحف الحسيمة الذي سنفتتحه قريبا استراتيجية حفظ الذاكرة تضمنت أيضا دعم إصدارات الذاكرة ومبادرات المجتمع المدني وإحداث وحدة خاصة لحفظ الذاكرة والتاريخ، تهتم بالقضايا التي أثيرت في هذه الندوة مثل التعليم والمناهج التعليمية".
وأضافت :"أود في هذا الإطار أن أشير إلى واحدة من المقومات الأساسية لتجربتنا تمثلت فيما يطلق عليه بأدب السجون... إصدارات، وسير وروايات وشهادات عن الماضي، كتبت بالمغرب، طبعت بالمغرب ونشرت بالمغرب، دون أي رقابة أو قيد ورش حفظ الذاكرة، ورش متواصل، اشتغالنا عليها يركز على تحويل الفضاءات إلى فضاءات ذاكرة وحياة.
وفي السياق ذاته، أبرزت بوعياش أن التجربة المغربية، أبرزت قدرة المجتمع المغربي لأخذ مصيره بيده وإعماله لتحولات سياسية واقتصادية، واجتماعية، وثقافية عميقة لبلد يعرف من هو وإلى أين يتجه.
وقالت :" ما كان لنا أن ننجح في هذه التحولات لولا تضحيات وشجاعة دولة ومجتمع، مما يعكس النضج الذي يتم به معالجة القضايا المجتمعية واعتمادها على مقاربة مؤسسة للتحولات، تتميز بمشاركة الجميع وعلى إيجاد التوافقات الممكنة"، مشددة أن هذا المسار، وهذه المقاربة مكنت المملكة المغربية من رئاسة المجلس الدولي لحقوق الإنسان... في اعتراف دولي وأممي لهذا المسار.
وفي إشارة لواحدة من أبرز مقومات التجربة المغربية، أكدت بوعياش أنها "لحظات عشناها كثيرة، ومؤثرة للحقيقة خلال جلسات الاستماع العمومية، حيث جاءت نساء، ورجال للحكي، والبوح في لحظة إنصات وإدراك مجتمعي... لا شك أنهم اليوم جميعا مرتاحون لما تم تحقيقه، وعلى محياهم ابتسامة... ألمهم وآلامهم لم تعد لها مكان في مغرب اليوم، والتزامنا التزامن دائم لحفظ ذاكرتهم وذكراهم".