الجمعة 22 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

العمراني: أوكرانيا، بايدن: الصواريخ البعيدة المدى واللعب بالنار قرب مخزن البارود

العمراني: أوكرانيا، بايدن: الصواريخ البعيدة المدى واللعب بالنار قرب مخزن البارود عبد الرحمان العمراني
تناقلت قصاصات الأنباء العالمية منذ يومين، خبرا مثيرا للغاية مر في صمت في زحمة الأحداث والاضطرابات الدولية،مع أن هذا الخبر خطير للغاية، وبكل المقاييس، ويعيد إلى الأذهان أسوأ لحظات الحرب الباردة التي سبقت ورافقت أزمة الصواريخ الكوبية.

يقول الخبر إن الرئيس بايدن قام في خطوة مفاجئة ومحملة بالمخاطر،ولما يبق على إقامته في المبنى البيضاوي سوى بضعة أسابيع، باعلان سماحه باستخدام الصواريخ الأمريكية الصنع، البعيدة المدى long range missiles من طرف أوكرانيا لضرب أهداف عميقة داخل التراب الروسي، صواريخ يصل مداها الى مائة وثمانين ميلا.

القرار إياه (الذي تم التلويح به في شتنبر 2024 وبقي في طور التهديد فقط، بعد رد الفعل الروسي الصارم)، الذي يعاد تسخينه بإعلانه مجددا يشكل تحولا خطيرا في مجرى الحرب، ويهدد بمضاعفات لا يمكن التنبؤ بمداها، بعد أن عبرت روسيا سابقا عبر تصريحات الرئيس بوتن ووزير الخارجية لافروف وممثل روسيا في الامم المتحدة أن مثل هذه الخطوة، لو حصلت، فستقرأها روسيا بأنها، بكل بساطة، إعلان حرب مباشرة من طرف الولايات المتحدة عليها تستلزم وقتها الرد المناسب.

والداعي إلى هذا الفهم وفق إفادات من خبراء عسكريين وأمنيين واستخباراتيين أمريكيين سابقين متقاعدين؛استدعاهم صاحب بودكاست عمل سابقا في قناة "الفوكس نيوز" (البرنامج المعروف ب juge napolitano)، الداعي هذا الفهم الروسي أن برنامج الصواريخ البعيدة المدى التي ظل زيلينسكي يطالب الأمريكيين باستخدامها، هي صواريخ مسيرة من ألفها الى يائها وبكل معداتها التكنولوجية من طرف التقنيين الأمريكيين، وبالتالي فإن استخدامها معناه اقتحام وإقحام مباشر للقوات والخبراء الأمريكيين في مجرى الحرب.

هذا الخبر وهذا الأمر يكشف عددا من الحقائق ويطرح جملة من الأسئلة.

أولا: من بين الحقائق أن بايدن والحزب الديمقراطي بشكل عام اليوم، هو فعلا حزب الحرب party of war، كما أصبح يسميه لا فقط خصومه ومنتقدوه من خارج صفوفه ، بل شرائح من داخله ترفض هذا التوجه،وكذا متتبعون إعلاميون وأكاديميون ومسؤولون سابقون في مراكز قرار حساسة.

ثانيا: أن الجيل الذي يتولى داخل الجزب الديموقراطي التخطيط للسياسة الخارجية والأمنية والعسكرية في الولايات المتحدة، لا زال - عقائديا وفكريا - هو نفس جيل الحرب الباردة، بكل ركائزها ومفاهيمها ومزاجها ،(وزير الخارجية الأمريكي بلينكن ظل لأسابيع يرفض حتى المحادثة الهاتفية مع سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي)، هو مثال بين عن مزاج الحرب الباردة.

أما جهة الأسئلة المقلقة فهي تبتدئ من السؤال الكبير: لماذا اتخاذ هذا القرار في هذا الوقت الميت من صلاحية رئيس فقد حزبه الانتخابات الرئاسية بفارق كبير سواء على مستوى المجمع الانتخابي أو على مستوى التصويت الشعبي popular vote، وفقد الأغلبية في مجلس الشيوخ ومجلس النواب وباقي ما يسمي هنالك في اللغة الدستورية أذرع السلطة branches of power ؟

بعبارة أخرى، في وقت تزحزحت تحت أقدام الحزب الديموقراطي كل عناصر المشروعية الديموقراطية لاتخاذ قرار على هذا الحجم من الخطورة سواء بالنسبة لأمريكا أو بالنسبة للعالم؟

هل يراد من هذا القرار تلغيم الأجواء أمام الرئيس الجديد المنتخب الذي لا توافق توجهاته في الملف الأوكراني توجهات فريق بايدن /بلينكن /بيلوزي، وباقي الأقطاب في الحزب الديموقراطي، علما أن ترامب صرح مرارا وفي كل المناسبات قبل الحملة الانتخابية وأثناءها وبعد الفوز، أنه لن يسمح باستثمار مزيد من المخصصات المالية والوقت في هذا النزاع؟

هل يتعلق الأمر كما يرى بعض المحللين، بمجرد لعبة تمارسها الإدارة المنتهية ولايتها، وهي التي تعرف أن الأمور في هذا النزاع حسمت عسكريا منذ أسابيع وأشهر في غير صالح ما رتبه الحلف الاطلسي من ترتيبات، وبالتالي يكون الهدف من التلويح بالقرار إفهام زيلينسكي بأن امريكا قامت بكل ما هو ممكن، ولكن الواقع أصعب مما تصورتموه وأنتم تطلبون المساعدة؟

هل يكون الدافع وراء هذه الخطوة نوع من عدم المبالاة أو الاستهانة أو عدم تصديق حقيقة التهديد برد الفعل الذي قد تتخذه روسيا في حالة إقدام الجانب الأوكراني بهذه الخطوة الخطيرة وغير المسبوقة لحد الآن في مجريات النزاع؟

كيفما كان الحال فإن إعلان ذلك القرار في هذه المرحلة من مجريات الحرب، وفي هذه الظرفية السياسية في أمريكا،حيث فريق يتهيأ للمغادرة وآخر من توجه آخر مناقض يستعد للدخول، إن اتخاذ قرار من هذا الحجم والنوع والخطورة هو لعب بالنار أمام مخزن البارود.