الجمعة 22 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

خالد الشّيات: الجزائر تعيش فـي عزلة.. تصدّر العظمة التي تدّعيها حتّى مع نفسها للخارج

خالد الشّيات: الجزائر تعيش فـي عزلة.. تصدّر العظمة التي تدّعيها حتّى مع نفسها للخارج خالد الشّيات
أعتقد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬العزلة‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬الجزائر‭ ‬سياسيا‭. ‬فهناك‭ ‬منطلقات‭ ‬تنطلق‭ ‬منها‭ ‬الجزائر‭ ‬وتعطي‭ ‬لها‭ ‬نتائج‭ ‬عكسية‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدّيبلوماسي‭. ‬هذه‭ ‬المنطلقات‭ ‬تنطلق‭ ‬على‭ ‬قدسية‭ ‬القانون‭ ‬الدّولي،‭ ‬وهي‭ ‬قواعد‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للتّأويل،‭ ‬وقواعد‭ ‬ثابتة،‭ ‬قواعد‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬النّقاش‭ ‬فيها‭ ‬يؤكّدها‭ ‬سعي‭ ‬الجزائر‭ ‬الدّائم‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬قضائي،‭ ‬وليس‭ ‬الارتباط‭ ‬بالاتحاد‭ ‬الأوروبّي‭  ‬وبمحكمته‭ ‬الذي‭ ‬يشكّل‭ ‬نموذجا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النّسق‭. ‬هذا‭ ‬المنطلق‭ ‬ليس‭ ‬كافيا‭ ‬لتحليل‭ ‬وقراءة‭ ‬الأزمات‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدّولي،‭ ‬والرّؤية‭ ‬القانونية‭ ‬الصّرفة‭ ‬هي‭ ‬رؤية‭ ‬قاصر‭.‬

‭ ‬المنطلق‭ ‬الثّاني‭ ‬ذات‭ ‬رؤية‭ ‬أبوية‭ ‬فوقية،‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬محيطة،‭ ‬سبّب‭ ‬لها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المشاكل‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الجوار،‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬مع‭ ‬المغرب‭. ‬هناك‭ ‬نوعان‭ ‬من‭ ‬الجوار‭ ‬مع‭ ‬الجزائر:‭ ‬نوع‭ ‬خانق‭ ‬يستجيب‭ ‬بطريقة‭ ‬مالية‭ ‬لما‭ ‬تريده‭ ‬الجزائر،‭ ‬ونوع‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬"مقاوما"،‭ ‬له‭ ‬رؤية‭ ‬ذاتية‭ ‬للإشكالات‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدّولي‭.‬

لذلك،‭ ‬فأنا‭ ‬أعتقد‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬النّاحية‭ ‬العمليّة،‭ ‬فإنّ‭ ‬الجزائر‭ ‬تتعامل‭ ‬بهذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬حتّى‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬قوية،‭ ‬فحينما‭ ‬تضع‭ ‬اقتراحات‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬تتمثّل‭ ‬نفسها‭ ‬كأنّها‭ ‬الولايات‭ ‬المتّحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬أو‭ ‬روسيا،‭ ‬وتضع‭ ‬اقتراحات،‭ ‬و«تغضب»‭ ‬لأنّه‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬تجاوب‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬القوى‭. ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬يدلّ‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأبويّة‭ ‬توظّفها‭ ‬وتستعملها‭ ‬الجزائر‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬أخرى،‭ ‬التي‭ ‬تحار‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬التّصرفات‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬عليها‭ ‬الجزائر،‭ ‬وهي‭ ‬ليست‭ ‬دولة‭ ‬بهذا‭ ‬العظمة‭ ‬التي‭ ‬تتوهّمها،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تصرّف‭ ‬هذا‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الداخلي،‭ ‬بل‭ ‬وصل‭ ‬بها‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تصدّر‭ ‬العظمة‭ ‬التي‭ ‬تدّعيها‭ ‬حتى‭ ‬مع‭ ‬نفسها‭ ‬للخارج‭. ‬وهذا‭ ‬يحتاج‭ ‬لقراءات‭. ‬
لذلك‭ ‬فهذه‭ ‬العزلة‭ ‬واضحة‭ ‬جدّا،‭ ‬فليس‭ ‬هناك‭ ‬صوت‭ ‬واحد‭ ‬ضدّ‭ ‬14‭ ‬صوتا،‭ ‬لذلك‭ ‬فضّلت‭ ‬الجزائر‭ ‬الهروب‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭ ‬وأنها‭ ‬لن‭ ‬تصوّت‭. ‬ومقترح‭ ‬الّتقسيم‭ ‬كما‭ ‬أكّد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬السّفير‭ ‬المغربي‭ ‬مقترح‭ ‬للهروب‭ ‬إلى‭ ‬الأمام،‭ ‬وليس‭ ‬لإيجاد‭ ‬حلّ‭. ‬والجزائر‭ ‬ليست‭ ‬لها‭ ‬الشّجاعة،‭ ‬لأن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬حلّ‭ ‬سياسيّ‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬الحكم‭ ‬الذّاتي‭ ‬الذي‭ ‬يضعه‭ ‬المغرب‭. ‬

فالجزائر‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬فعل‭ ‬ذلك،‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬الحلول‭ ‬السّياسيّة،‭ ‬بل‭ ‬تريد‭ ‬الحلول‭ ‬القانونية‭ ‬الصّرفة‭ ‬الجامدة‭ ‬التي‭ ‬ليست‭ ‬لها‭ ‬روح،‭ ‬وهي‭ ‬بذلك‭ ‬تريد‭ ‬استمرار‭ ‬الأزمة‭ ‬على‭ ‬صيغتها‭ ‬الحالية،‭ ‬لأنّها‭ ‬تعتقد‭ ‬بأنّ‭ ‬ذلك‭ ‬سيضمن‭ ‬لها‭ ‬على‭ ‬الأقلّ‭ ‬إمكانية‭ ‬مراجعة‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬بأساليب‭ ‬كما‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تفعل‭ ‬اليوم،‭ ‬وبأن‭ ‬تستقطب‭ ‬بعض‭ ‬المجموعات‭ ‬السّياسية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬المغاربية‭.  ‬

ما‭ ‬يحدث‭ ‬من‭ ‬معاكسة‭ ‬وحدة‭ ‬تراب‭ ‬المغرب،‭ ‬والعزلة‭ ‬التي‭ ‬تعرفها‭ ‬الجزائرعربيا‭ ‬وقاريا‭ ‬ودوليّا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يعزّز‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المغرب‭ ‬بما‭ ‬يسمى‭ ‬بـ‭ ‬«الضّربة‭ ‬القاضية»،‭ ‬بمعنى‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬سيّاسة‭ ‬هجومية‭ ‬نافعة‭ ‬ومخرّبة‭ ‬لكلّ‭ ‬محاولات‭ ‬الجزائر‭ ‬التي‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تعيد‭ ‬بناء‭ ‬منظومتها‭ ‬الديبلوماسية‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬المغرب‭. ‬وهذا‭ ‬العمل‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬آنيا‭ ‬وسريعا‭ ‬ومحكما‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المغرب‭.‬
خالد الشّيات، أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدّولية بجامعة محمد الأول بوجدة