أعتقد أن هناك العزلة التي تعيشها الجزائر سياسيا. فهناك منطلقات تنطلق منها الجزائر وتعطي لها نتائج عكسية على المستوى الدّيبلوماسي. هذه المنطلقات تنطلق على قدسية القانون الدّولي، وهي قواعد غير قابلة للتّأويل، وقواعد ثابتة، قواعد لا يمكن النّقاش فيها يؤكّدها سعي الجزائر الدّائم نحو ما هو قضائي، وليس الارتباط بالاتحاد الأوروبّي وبمحكمته الذي يشكّل نموذجا من هذا النّسق. هذا المنطلق ليس كافيا لتحليل وقراءة الأزمات على المستوى الدّولي، والرّؤية القانونية الصّرفة هي رؤية قاصر.
المنطلق الثّاني ذات رؤية أبوية فوقية، تتعامل مع دول محيطة، سبّب لها الكثير من المشاكل مع دول الجوار، وليس فقط مع المغرب. هناك نوعان من الجوار مع الجزائر: نوع خانق يستجيب بطريقة مالية لما تريده الجزائر، ونوع يحاول أن يكون "مقاوما"، له رؤية ذاتية للإشكالات التي تقع على المستوى الدّولي.
لذلك، فأنا أعتقد أنه من النّاحية العمليّة، فإنّ الجزائر تتعامل بهذا الأسلوب حتّى مع دول قوية، فحينما تضع اقتراحات في مجلس الأمن تتمثّل نفسها كأنّها الولايات المتّحدة الأمريكية أو روسيا، وتضع اقتراحات، و«تغضب» لأنّه ليس هناك تجاوب من قبل القوى. وهذا أمر يدلّ على أن هذه الأبويّة توظّفها وتستعملها الجزائر مع دول أخرى، التي تحار في هذه التّصرفات التي تقدم عليها الجزائر، وهي ليست دولة بهذا العظمة التي تتوهّمها، ويمكن أن تصرّف هذا على المستوى الاجتماعي الداخلي، بل وصل بها الأمر إلى أن تصدّر العظمة التي تدّعيها حتى مع نفسها للخارج. وهذا يحتاج لقراءات.
لذلك فهذه العزلة واضحة جدّا، فليس هناك صوت واحد ضدّ 14 صوتا، لذلك فضّلت الجزائر الهروب إلى الأمام وأنها لن تصوّت. ومقترح الّتقسيم كما أكّد على ذلك السّفير المغربي مقترح للهروب إلى الأمام، وليس لإيجاد حلّ. والجزائر ليست لها الشّجاعة، لأن يكون هناك حلّ سياسيّ في مقابل الحكم الذّاتي الذي يضعه المغرب.
فالجزائر لا تستطيع فعل ذلك، لا تريد الحلول السّياسيّة، بل تريد الحلول القانونية الصّرفة الجامدة التي ليست لها روح، وهي بذلك تريد استمرار الأزمة على صيغتها الحالية، لأنّها تعتقد بأنّ ذلك سيضمن لها على الأقلّ إمكانية مراجعة هذا الوضع بأساليب كما تريد أن تفعل اليوم، وبأن تستقطب بعض المجموعات السّياسية في المنطقة المغاربية.
ما يحدث من معاكسة وحدة تراب المغرب، والعزلة التي تعرفها الجزائرعربيا وقاريا ودوليّا يجب أن يعزّز من قبل المغرب بما يسمى بـ «الضّربة القاضية»، بمعنى يجب أن تكون هناك سيّاسة هجومية نافعة ومخرّبة لكلّ محاولات الجزائر التي تريد أن تعيد بناء منظومتها الديبلوماسية على حساب المغرب. وهذا العمل يجب أن يكون آنيا وسريعا ومحكما من قبل المغرب.
خالد الشّيات، أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدّولية بجامعة محمد الأول بوجدة