قليلون، هم الباحثون والدارسون والمتتبعون الذين تسلّلوا من أَسْطُحِ ومَظاهرِ ما يقع حولنا، نحن المغاربة، إلى أعماق الأشياء والأحداث وخباياها الأكثر احتجاباً وامتناعاً، ففَطِنوا إلى ما يجري تحت السطوح من التفاعلات والتغيُّرات، التي يصل مداها إلى ثقافاتِ أوروبا بِرُمَّتها، ومفاهيمِها وسلوكاتِها، مُحدِثةً فيها تَحوُّلات ما كانت تخطر ببال أحد من العالمين قبل هذه السنوات الثلاث الأخيرة... فكيف ذلك؟!
قبل السنوات الثلاث المُنَوَّهِ عنها، كانت فرنسا تَنظر إلى مستعمراتها الإفريقية السابقة مِنْ عَلٍ، وتتعامل معها بنوع من الاستعلاء لا يتناسب بتاتاً مع قِيَمِ الثورة الفرنسية ومبادئها المتمحورة حول شعار "الحرية والمساواة والأخوة"، الذي مَطْرَقَ الفرنسيون به رؤوسَنا منذ أواخر القرن الثامن عشر (1789)، وحشروه حشراً مُبْرِحاً في أدمغتنا وفي فكرنا ونحن بَعدُ في بدايات سنواتنا الدراسية، الثانوية، حتى بتنا لا نذكر فرنسا إلا ومعها ذلك الشعار المزيَّن بالمَخْمَل، والذي كنا نَستعيده في لاوَعْيِنا الجَمْعيّ ونتمنّى أن يكون لنا ما يُشبِهه أو يُماثِله في حياتنا ومَعيشِنا اليومي، كما لدى الفرنسيين، بل كنا نَغبِط هؤلاء على رفعهم لذلك الشعار غِبْطةً هي أقرب إلى مشاعر الغيرة والحسد!!
لكننا، حين كَبِرنا، وحين تنوّعت مَدارِكُنا النظرية والعملية، تبيّن لنا أن فرنسا عامَلَتْنا، ومعنا كل شعوب إفريقيا الفرانكوفونية، بكل ما يُناقض ذلك الشعار ويُحَوِّله إلى ما يشبه بسمة النفاق الصفراء الباهتة والباردة، بل إلى نوع من الخُبث قرأناه فيما فعلته فرنسا الاستعمارية في خيراتنا، وعلى الخصوص، في قُوانا الوطنية التي كانت متشبعةً بالشعار الفرنسيّ الثوريّ ذاتِه، وانتبهنا إلى أن الدولة الفرنسية كانت هي ذاتُها متنكِّرةً لمبادئها وقِيَمِها، التي قامت عليها ثورةٌ مثاليةٌ ما فتئت تقدّمها وتُسَوِّقُها للعالَم كقُدوةٍ صالحةٍ للاقتداء!!
فعلاً... كانت فرنسا فيما قبل السنوات الثلاث الأخيرة سحينةَ فكرِها الاستعماري، وكانت تبدو مِن جرّاء ذلك مُصابةً بالسكيزوفرينيا أو الازدواج المَرَضي للشخصية، في السلوك والأخلاق، وهي تُخاطِب مستعمراتِها السابقة، فتَفرِض عليها عُملتَها المالية الهجينة، "الفرنك سيفا"، وتُجبِرُها، وعددُها يُناهز ثلاثَ عشرةَ دولةً، على تغذية الخزينة الفرنسية برقم فلكي يُصيب أعتَى الأدمغة بالدَّوار (500 مليار أورو سنوياً)، وتَفرِض عليها فضلاً عن ذلك تَوَجُّهاتٍ سياسيةً واقتصاديةً تُبقي الحالَ على ما هي عليه من الابتزاز، والنهب، واللصوصية المُقَنَّعة، في ظل صمت دولي بلغ إلى أقصى درجات الريبة والمُحاباة!!
هذه الدولة الفرنسية، بتلك الثقافة الفِصامية المزدوِجة، وجدت نفسها في أيام الناس هذه، مُجْبَرةً على تليين مواقفها، بل على طأطأة رأسها أمام دبلوماسيا مغربية عرفت كيف تُروّض الديكَ الفرنسيّ، وتُرغمه على احترام الدجاج الإفريقي إن كان له طُموحٌ إلى رؤية كتاكيته وهو بعدُ حَيٌّ يُرزَق، مع الاعتذار عن هذه الصورة المَجازية المَرِحة والمُلتبسة!!
هذه "الفرنسا"، وقبلها إسبانيا وألمانيا، وستأتي بعدها أُخريات، وجدت ذواتِها مُرغَمةً على مراجعة ثقافاتها بالرجوع إلى أسُس تلك الثقافات وثوابِتِها، ليس فقط في تَعامُلها مع الزّخم الدبلوماسي المغربي، بل أيضاّ، وبتحصيل الحاصل، في تَعامُلِها مع البلدان الإفريقية بالجُملة، والذهاب برفقتها صوب فضاءات تَشارُكيةٍ جديدةٍ يَسودُ فيها شعار "رابح رابح"، الذي كانت المملكة المفربية الشريفة سبّاقةً إلى رفعه بمجرد عودتها لبيتها الإفريقي سنة 2017، مُحدِثةً فيه، بذلك، انقلاباتٍ سياسيةً ودبلوماسيةَ استوعبتها أوروبا بكل مكوّناتها، وأنصتت إليها كما ينبغي أن يكون الإنصات الإيجابيُّ والمُتَفهِّم، كما لم يكن ذلك متاحاً مِن قبلُ ولا في الأحلام!!
نعم... نستطيع أن نقولَ هذا ونؤكّدَه، ونعيدَ قولَه وتأكيده: إن المغرب استطاع بحِنكة مَلِكِه، وديناميكيَةِ دبلوماسِيَتِه، وحصافةِ قِواهُ الناعمة، أن يُكْرِهَ فرنسا، ويُكرِهَ أوروبا بقدها وقديدها، على مراجعة مفاهيمها ومَواقفها أثناء مٌخاطبتها للأفارقة، وأثناء تَعامُلها معهم، من الآن فصاعداً!!
فلْيُسجِّلِ التاريخُ الإنساني هذا الإنجازَ المغربيَّ الأصيلَ، وغيرَ المسبوقِ، بكل ما يستحقه من الفخر والاعتزاز... ولا ريب أنّ البقيةَ الآتيةَ ستكون أعظمَ لا محالة!!!
قبل السنوات الثلاث المُنَوَّهِ عنها، كانت فرنسا تَنظر إلى مستعمراتها الإفريقية السابقة مِنْ عَلٍ، وتتعامل معها بنوع من الاستعلاء لا يتناسب بتاتاً مع قِيَمِ الثورة الفرنسية ومبادئها المتمحورة حول شعار "الحرية والمساواة والأخوة"، الذي مَطْرَقَ الفرنسيون به رؤوسَنا منذ أواخر القرن الثامن عشر (1789)، وحشروه حشراً مُبْرِحاً في أدمغتنا وفي فكرنا ونحن بَعدُ في بدايات سنواتنا الدراسية، الثانوية، حتى بتنا لا نذكر فرنسا إلا ومعها ذلك الشعار المزيَّن بالمَخْمَل، والذي كنا نَستعيده في لاوَعْيِنا الجَمْعيّ ونتمنّى أن يكون لنا ما يُشبِهه أو يُماثِله في حياتنا ومَعيشِنا اليومي، كما لدى الفرنسيين، بل كنا نَغبِط هؤلاء على رفعهم لذلك الشعار غِبْطةً هي أقرب إلى مشاعر الغيرة والحسد!!
لكننا، حين كَبِرنا، وحين تنوّعت مَدارِكُنا النظرية والعملية، تبيّن لنا أن فرنسا عامَلَتْنا، ومعنا كل شعوب إفريقيا الفرانكوفونية، بكل ما يُناقض ذلك الشعار ويُحَوِّله إلى ما يشبه بسمة النفاق الصفراء الباهتة والباردة، بل إلى نوع من الخُبث قرأناه فيما فعلته فرنسا الاستعمارية في خيراتنا، وعلى الخصوص، في قُوانا الوطنية التي كانت متشبعةً بالشعار الفرنسيّ الثوريّ ذاتِه، وانتبهنا إلى أن الدولة الفرنسية كانت هي ذاتُها متنكِّرةً لمبادئها وقِيَمِها، التي قامت عليها ثورةٌ مثاليةٌ ما فتئت تقدّمها وتُسَوِّقُها للعالَم كقُدوةٍ صالحةٍ للاقتداء!!
فعلاً... كانت فرنسا فيما قبل السنوات الثلاث الأخيرة سحينةَ فكرِها الاستعماري، وكانت تبدو مِن جرّاء ذلك مُصابةً بالسكيزوفرينيا أو الازدواج المَرَضي للشخصية، في السلوك والأخلاق، وهي تُخاطِب مستعمراتِها السابقة، فتَفرِض عليها عُملتَها المالية الهجينة، "الفرنك سيفا"، وتُجبِرُها، وعددُها يُناهز ثلاثَ عشرةَ دولةً، على تغذية الخزينة الفرنسية برقم فلكي يُصيب أعتَى الأدمغة بالدَّوار (500 مليار أورو سنوياً)، وتَفرِض عليها فضلاً عن ذلك تَوَجُّهاتٍ سياسيةً واقتصاديةً تُبقي الحالَ على ما هي عليه من الابتزاز، والنهب، واللصوصية المُقَنَّعة، في ظل صمت دولي بلغ إلى أقصى درجات الريبة والمُحاباة!!
هذه الدولة الفرنسية، بتلك الثقافة الفِصامية المزدوِجة، وجدت نفسها في أيام الناس هذه، مُجْبَرةً على تليين مواقفها، بل على طأطأة رأسها أمام دبلوماسيا مغربية عرفت كيف تُروّض الديكَ الفرنسيّ، وتُرغمه على احترام الدجاج الإفريقي إن كان له طُموحٌ إلى رؤية كتاكيته وهو بعدُ حَيٌّ يُرزَق، مع الاعتذار عن هذه الصورة المَجازية المَرِحة والمُلتبسة!!
هذه "الفرنسا"، وقبلها إسبانيا وألمانيا، وستأتي بعدها أُخريات، وجدت ذواتِها مُرغَمةً على مراجعة ثقافاتها بالرجوع إلى أسُس تلك الثقافات وثوابِتِها، ليس فقط في تَعامُلها مع الزّخم الدبلوماسي المغربي، بل أيضاّ، وبتحصيل الحاصل، في تَعامُلِها مع البلدان الإفريقية بالجُملة، والذهاب برفقتها صوب فضاءات تَشارُكيةٍ جديدةٍ يَسودُ فيها شعار "رابح رابح"، الذي كانت المملكة المفربية الشريفة سبّاقةً إلى رفعه بمجرد عودتها لبيتها الإفريقي سنة 2017، مُحدِثةً فيه، بذلك، انقلاباتٍ سياسيةً ودبلوماسيةَ استوعبتها أوروبا بكل مكوّناتها، وأنصتت إليها كما ينبغي أن يكون الإنصات الإيجابيُّ والمُتَفهِّم، كما لم يكن ذلك متاحاً مِن قبلُ ولا في الأحلام!!
نعم... نستطيع أن نقولَ هذا ونؤكّدَه، ونعيدَ قولَه وتأكيده: إن المغرب استطاع بحِنكة مَلِكِه، وديناميكيَةِ دبلوماسِيَتِه، وحصافةِ قِواهُ الناعمة، أن يُكْرِهَ فرنسا، ويُكرِهَ أوروبا بقدها وقديدها، على مراجعة مفاهيمها ومَواقفها أثناء مٌخاطبتها للأفارقة، وأثناء تَعامُلها معهم، من الآن فصاعداً!!
فلْيُسجِّلِ التاريخُ الإنساني هذا الإنجازَ المغربيَّ الأصيلَ، وغيرَ المسبوقِ، بكل ما يستحقه من الفخر والاعتزاز... ولا ريب أنّ البقيةَ الآتيةَ ستكون أعظمَ لا محالة!!!
محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي