كعادتها، التي سيظل نظام "العرايا" الجزائري وفياً لها الوفاءَ كلَّه (وصف العرايا من إبداع معارضهم هشام عبود)، تستمر جارتُنا الشرقية في إنتاج الغرائب والعجائب الدالة على جهلها الرهيب بالتاريخ والجغرافيا، وبالسياسة والدبلوماسيا، وبالمناسبة أيضاً، جهلها المدقع لقواعد القانون الدولي وأحكامه، كما توثق لكل ذلك مراحيضُها الإعلامية بكل أريحية... فكيف ذلك؟!
قبل نحو ثمانٍ وأربعين ساعة، خرج المرحاض الإعلامي الجزائري، الحامل لإسم "الشروق"، بمقال يشبه غَثَيان سُكارَى آخر الليل، جاء
فيه أن مدينة "مليلية
الإسبانية"، نَعَم "مليلية الإسبانية"، تُعاني من حصار اقتصادي مخزني، جعل دولة الجزائر تدرس إمكانيات إقامة علاقات تجارية وتبادلية مع هذه "الحاضرة الإسبانية" لفك الحصار عنها، وأنّ سلطات هذه المدينة أبدت بالمناسبة استعدادَها لإقامة هذا النوع من العلاقات، الأشبه بممارسة السِّفاح بين باغيَتَيْن، دون إيلاء أدنى التفات لِما يشكّله ذلك من انتهاك لحرمة بلد شقيق جار، ومِن مفارقات سيضحك منها العالم، كل العالم، كعادته كلما تعلق الأمر بتدبير جزائري لأي ملف من الملفات، نذكر منها على الأقل مفارقتين اثنتين:
الأولى:
أن حكام الجزائر، الذين يتكلم مرحاض "الشروق" باسمهم، يَعلمون تمام العلم أن مليلية ليست إسبانية تاريخاً وواقعاً، وأنها لم تخرج أبدا من قائمة المَطالب المغربية، الرسمية والحيوية، المتعلقة باستكمال تحرير ما تبقى من التراب المغربي في ذمة الاستعمار الإسباني.
بل إن حكام الجزائر، وإعلام الصرف الصحي التابع لهم، سبق لهم أن نشروا تصريحات ومقالات حول الموضوع ذاته، ولكنها مُناقِضة، يؤاخذان فيها المغرب على كونه فضّل تقديم مطلب استرجاع صحرائه الغربية ولفت النظر إلى صحرائه الشرقية على مطلب تحريره لسبتة ومليلية، ووصفوه بالتخلي عن هاتين المدينتين والتعامل معهما بإهمال لا يليق بتوجهاته التحريرية والوحدوية "المزعومة"، على حد تعبيرهم!!
وبطبيعة الحال، فحكام الجزائر لم تأخذهم الغيرة على ما تبقى من مدننا وثغورنا تحت الاستعمار الإسباني، بقدر ما كانوا، وما زالوا، يحاولون جهد المستطاع إبعاد المغرب عن بسط وترسيخ سيادته على أقاليمه الجنوبية والمطالبة بأقاليمه الشرقية التي ضمتها فرنسا لحديقتها الخلفية، ولذلك ظلّوا يُمَنّون النفس بتركيز انشغالات المغرب على التنازع مع إسبانيا، والدخول معها في تَدافُع مستديم يخدم أغراضهم الدنيئة، ويفتح أمامهم فرصاً أوسع لتنفيذ مخططاتهم التوسعية الفاضحة، والتي يمكن اختزالها في الاستحواذ على جزء أو أجزاء من صحرائنا الجنوبية الغربية والوصول من خلالها إلى الأطلسي، وإحكام الحصار حولنا وفصلنا عن امتدادنا الإفريقي، الطبيعي والتاريخي!!
المفارقة الثانية:
أن الجزائر، التي تتشدق بالدفاع عن الشعوب المستعمَرة والتواقة إلى تحرير أراضيها واستكمال وحدتها الوطنية والترابية، لا تجد أي حرج، ولا تُخالجها أيُّ ذرةٍ من حَياءٍ وهي تصف المدينة المغربية السليبة بالإسبانية، وتُبدي رغبتها في فك الحصار المغربي عنها، حتى وهي تعلم أن ذلك الحصار مقصود من لدن المغاربة، وأنه شكل من أشكال ليّ الذراع الإسباني للقبول بتحرير المدينتين والجلاء عنهما، بعد أن تتحولا بفضل الحصار المفروض عليهما إلى عِبئين ثقيلين يستهلكان أموالا طائلة من خزينة الدولة الإسبانية من أجل حمايتهما، والذود عنهما، دون أن تستطيعا تحقيق ما كانتا تحققانه من الأرباح المهولة قبل فرض الحصار عليهما، ساعة كانتا مركزين للتجارة الموازية، الموصوفة تجاوزا بالتهريب المعيشي، وخاصةً بعد أن هربت منهما بسبب الحصار استثماراتٌ إسبانية وأجنبية واسعة، في الصناعة والتجارة والخدمات، كانت منتجاتُها موجهةً في مجملها للأسواق المغربية!!
الجزائر هنا، وكما يرى الأشقاءُ والأصدقاءُ ذلك في مجموع بقاع المعمور، تتنكر لذاتها، ولتاريخها، ولشُهدائها، المستمرين في التناسل داخل قبورهم، لينتقلوا من بضعة آلاف، إلى المليون بلسان المرحوم جمال عبد الناصر، ثم إلى المليون ونصف بلسان المرحوم هواري بومدين، ثم إلى الخمسة ملايين بلسان تبون في عهدته الأولى، والآن إلى ستة ملايين وثلاثمائة وستين بلسان نفس الرئيس الدمية بمناسبة عهدته الثانية، وليس من المستبعد أن تصير أعدادُهم أضعافاً مُضاعَفةً بعد الذي قاله السي عبد المجيد تبون نفسُه بعظمة لسانه، في أحد تصريحاته الأخيرة والمثيرة للرثاء، بأن فرنسا "دخلت إلى الجزائر سنة 1830 فوجدت فيها أربعين مليون نسمة، فلما غادرتها سنة 1962 لم تترك فيها سوى تسعة ملايين"... مما يجعلنا بإزاء 31 مليون شهيد (!!!) قال هذا بلسانه وهو موثَّق بالصوت والصورة... ولله الأمر من قبل ومن بعد!!
إنّ الجزائر، التي تتغنَّى بالدفاع عن فلسطين ظالمة أو مظلومة، وتدّعي الخوف على مصير "الشعب الصحراوي" المفترَى عليه أكثر من خوفه على ذاته، وتتظاهر أمام العالم بالدفاع عن المستضعَفين والمستعمَرين (بالفتح) في كل بقاع الدنيا، وفاءً لشهدائها الخالدين المخلّدين، تُسقِط الآن عباءَتَها، وتَكشِفُ عن عورتها أمام الملأ كما تفعل فنانات "الستريبتيز"، وهي تقول بالفم المليان إن مدينة مليلية المحتلة حاضرةٌ إسبانية، وإنها تعاني من الحصار الاقتصادي والأمني على يد المخزن المغربي، ثم تزيد على ذلك بعرض خدماتها على المدينة السليبة لإخراجها من تلك الضائقة... فبأي منطق أو معيارٍ نقرأ هذه الحالة المَرَضية المستعصية؟!!
ويبقى هناك شيء آخر، يغيب عن أذهان سُكارى الموراديا ومُعربِديها، ويكرّس كما هو الحال دائماً جهلَهم المطبَق بكل ما يُمت للسياسة والقانون الدولي والدبلوماسيا بِصِلة، وهو أن مليلية ليست دولة حتى يتسنى للجزائر أن تعقد معها أي اتفاق أو شراكة تفك عنها الحصار المغربي القائم، وإنما هي جزء من كيان متمتع بالصفة القانونية للحكم الذاتي، وأنّ أي اتفاق خارجي لهذا الكيان ينبغي أن يتم عن طريق السلطة المركزية للدولة الإسبانية في مدريد... وفي نهاية مطاف هذه الوضعية القانونية، الغائبة عن فهم وإدراك حكام الجزائر المسطولين، فإن السلطة الإسبانية في مدريد لن تسمح بأي تعامل من هذا النوع بين منظومة الحكم الذاتي في مليلية من جهة، وبين نظام جزائري دخل مع الحكومة الإسبانية في نزاع لا ينتهي لارتباطه بالموقف الإسباني السيادي من ملف وحدتنا الترابية، وقد ازداد طينُ هذا النزاع بلةً وتفاقُماً، بسبب الفوضى التي ارتكبتها مؤخَّراً مخابراتُ عبلة عند محاولتها اختطاف المعارض الجزائري هشام عبود من داخل التراب الإسباني، وهو ما يشكّل سلوكاً لامشروعاً وعدائياً في نظر القانون الدولي، لا ريب أن إسبانيا لن تتركَه يَمرَّ مرورَ الكرام... والأيام القليلة المقبلة كفيلةً بالإتيان بالجديد في هذه النازلة!!!
قبل نحو ثمانٍ وأربعين ساعة، خرج المرحاض الإعلامي الجزائري، الحامل لإسم "الشروق"، بمقال يشبه غَثَيان سُكارَى آخر الليل، جاء
فيه أن مدينة "مليلية
الإسبانية"، نَعَم "مليلية الإسبانية"، تُعاني من حصار اقتصادي مخزني، جعل دولة الجزائر تدرس إمكانيات إقامة علاقات تجارية وتبادلية مع هذه "الحاضرة الإسبانية" لفك الحصار عنها، وأنّ سلطات هذه المدينة أبدت بالمناسبة استعدادَها لإقامة هذا النوع من العلاقات، الأشبه بممارسة السِّفاح بين باغيَتَيْن، دون إيلاء أدنى التفات لِما يشكّله ذلك من انتهاك لحرمة بلد شقيق جار، ومِن مفارقات سيضحك منها العالم، كل العالم، كعادته كلما تعلق الأمر بتدبير جزائري لأي ملف من الملفات، نذكر منها على الأقل مفارقتين اثنتين:
الأولى:
أن حكام الجزائر، الذين يتكلم مرحاض "الشروق" باسمهم، يَعلمون تمام العلم أن مليلية ليست إسبانية تاريخاً وواقعاً، وأنها لم تخرج أبدا من قائمة المَطالب المغربية، الرسمية والحيوية، المتعلقة باستكمال تحرير ما تبقى من التراب المغربي في ذمة الاستعمار الإسباني.
بل إن حكام الجزائر، وإعلام الصرف الصحي التابع لهم، سبق لهم أن نشروا تصريحات ومقالات حول الموضوع ذاته، ولكنها مُناقِضة، يؤاخذان فيها المغرب على كونه فضّل تقديم مطلب استرجاع صحرائه الغربية ولفت النظر إلى صحرائه الشرقية على مطلب تحريره لسبتة ومليلية، ووصفوه بالتخلي عن هاتين المدينتين والتعامل معهما بإهمال لا يليق بتوجهاته التحريرية والوحدوية "المزعومة"، على حد تعبيرهم!!
وبطبيعة الحال، فحكام الجزائر لم تأخذهم الغيرة على ما تبقى من مدننا وثغورنا تحت الاستعمار الإسباني، بقدر ما كانوا، وما زالوا، يحاولون جهد المستطاع إبعاد المغرب عن بسط وترسيخ سيادته على أقاليمه الجنوبية والمطالبة بأقاليمه الشرقية التي ضمتها فرنسا لحديقتها الخلفية، ولذلك ظلّوا يُمَنّون النفس بتركيز انشغالات المغرب على التنازع مع إسبانيا، والدخول معها في تَدافُع مستديم يخدم أغراضهم الدنيئة، ويفتح أمامهم فرصاً أوسع لتنفيذ مخططاتهم التوسعية الفاضحة، والتي يمكن اختزالها في الاستحواذ على جزء أو أجزاء من صحرائنا الجنوبية الغربية والوصول من خلالها إلى الأطلسي، وإحكام الحصار حولنا وفصلنا عن امتدادنا الإفريقي، الطبيعي والتاريخي!!
المفارقة الثانية:
أن الجزائر، التي تتشدق بالدفاع عن الشعوب المستعمَرة والتواقة إلى تحرير أراضيها واستكمال وحدتها الوطنية والترابية، لا تجد أي حرج، ولا تُخالجها أيُّ ذرةٍ من حَياءٍ وهي تصف المدينة المغربية السليبة بالإسبانية، وتُبدي رغبتها في فك الحصار المغربي عنها، حتى وهي تعلم أن ذلك الحصار مقصود من لدن المغاربة، وأنه شكل من أشكال ليّ الذراع الإسباني للقبول بتحرير المدينتين والجلاء عنهما، بعد أن تتحولا بفضل الحصار المفروض عليهما إلى عِبئين ثقيلين يستهلكان أموالا طائلة من خزينة الدولة الإسبانية من أجل حمايتهما، والذود عنهما، دون أن تستطيعا تحقيق ما كانتا تحققانه من الأرباح المهولة قبل فرض الحصار عليهما، ساعة كانتا مركزين للتجارة الموازية، الموصوفة تجاوزا بالتهريب المعيشي، وخاصةً بعد أن هربت منهما بسبب الحصار استثماراتٌ إسبانية وأجنبية واسعة، في الصناعة والتجارة والخدمات، كانت منتجاتُها موجهةً في مجملها للأسواق المغربية!!
الجزائر هنا، وكما يرى الأشقاءُ والأصدقاءُ ذلك في مجموع بقاع المعمور، تتنكر لذاتها، ولتاريخها، ولشُهدائها، المستمرين في التناسل داخل قبورهم، لينتقلوا من بضعة آلاف، إلى المليون بلسان المرحوم جمال عبد الناصر، ثم إلى المليون ونصف بلسان المرحوم هواري بومدين، ثم إلى الخمسة ملايين بلسان تبون في عهدته الأولى، والآن إلى ستة ملايين وثلاثمائة وستين بلسان نفس الرئيس الدمية بمناسبة عهدته الثانية، وليس من المستبعد أن تصير أعدادُهم أضعافاً مُضاعَفةً بعد الذي قاله السي عبد المجيد تبون نفسُه بعظمة لسانه، في أحد تصريحاته الأخيرة والمثيرة للرثاء، بأن فرنسا "دخلت إلى الجزائر سنة 1830 فوجدت فيها أربعين مليون نسمة، فلما غادرتها سنة 1962 لم تترك فيها سوى تسعة ملايين"... مما يجعلنا بإزاء 31 مليون شهيد (!!!) قال هذا بلسانه وهو موثَّق بالصوت والصورة... ولله الأمر من قبل ومن بعد!!
إنّ الجزائر، التي تتغنَّى بالدفاع عن فلسطين ظالمة أو مظلومة، وتدّعي الخوف على مصير "الشعب الصحراوي" المفترَى عليه أكثر من خوفه على ذاته، وتتظاهر أمام العالم بالدفاع عن المستضعَفين والمستعمَرين (بالفتح) في كل بقاع الدنيا، وفاءً لشهدائها الخالدين المخلّدين، تُسقِط الآن عباءَتَها، وتَكشِفُ عن عورتها أمام الملأ كما تفعل فنانات "الستريبتيز"، وهي تقول بالفم المليان إن مدينة مليلية المحتلة حاضرةٌ إسبانية، وإنها تعاني من الحصار الاقتصادي والأمني على يد المخزن المغربي، ثم تزيد على ذلك بعرض خدماتها على المدينة السليبة لإخراجها من تلك الضائقة... فبأي منطق أو معيارٍ نقرأ هذه الحالة المَرَضية المستعصية؟!!
ويبقى هناك شيء آخر، يغيب عن أذهان سُكارى الموراديا ومُعربِديها، ويكرّس كما هو الحال دائماً جهلَهم المطبَق بكل ما يُمت للسياسة والقانون الدولي والدبلوماسيا بِصِلة، وهو أن مليلية ليست دولة حتى يتسنى للجزائر أن تعقد معها أي اتفاق أو شراكة تفك عنها الحصار المغربي القائم، وإنما هي جزء من كيان متمتع بالصفة القانونية للحكم الذاتي، وأنّ أي اتفاق خارجي لهذا الكيان ينبغي أن يتم عن طريق السلطة المركزية للدولة الإسبانية في مدريد... وفي نهاية مطاف هذه الوضعية القانونية، الغائبة عن فهم وإدراك حكام الجزائر المسطولين، فإن السلطة الإسبانية في مدريد لن تسمح بأي تعامل من هذا النوع بين منظومة الحكم الذاتي في مليلية من جهة، وبين نظام جزائري دخل مع الحكومة الإسبانية في نزاع لا ينتهي لارتباطه بالموقف الإسباني السيادي من ملف وحدتنا الترابية، وقد ازداد طينُ هذا النزاع بلةً وتفاقُماً، بسبب الفوضى التي ارتكبتها مؤخَّراً مخابراتُ عبلة عند محاولتها اختطاف المعارض الجزائري هشام عبود من داخل التراب الإسباني، وهو ما يشكّل سلوكاً لامشروعاً وعدائياً في نظر القانون الدولي، لا ريب أن إسبانيا لن تتركَه يَمرَّ مرورَ الكرام... والأيام القليلة المقبلة كفيلةً بالإتيان بالجديد في هذه النازلة!!!
محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي