كان يوم السبت 26 أكتوبر 2024 يوم اختتام في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، يعني يوم توزيع الجوائز على الفائزين، يعني اليوم الذي يكرم فيه المرء أو يهان، صحيح أن المرء المبدع لا يهان وليس هناك منطق النجاح والرسوب في المجال الإبداعي، فالإبداع أسمى من ذلك والمبدع الحقيقي لا يُقيَّم والجوائز تبقى مجرد حافز وتشجيع ودعاية أيضا للإبداع عموما، أقول هذا بدافع المنطق وما يجب أن يكون، لكن في قرارة نفسي أشعر بالإحباط، وبالأسف من بعض الظلم والحيف الذي حصل على بعض الأعمال وبالتالي على مبدعيها، والظلم مهانة وإهانة تنتقص من مجهود هذا واجتهاد ذاك، الدنيا دوارة اليوم تَمتحِن وغدا تُمتحَن، اليوم أنت في لجنة تحكيم، وغدا أنت أمامها، وما اقترفته من ظلم قد يُقترف عليك، إذ ذاك لا داعي للبكاء ولا للشكوى، لا أحب جو البكائيات هذا وخصوصا على الأطلال، فما وقع قد وقع، لكن وكما يقولون الصمت جُبن، والساكت عن الحق شيطان أخرس، وأنا لا أحب أن أكون جبانا ولا شيطانا، ولا يهمني هذا المخرج أو ذاك الممثل بقدرما يهمني إبداعهم وما حققوه من إضافة، قد لا أكتبُ عما حصل ويحصل ولن أنتقده أصلا، فأنا بعيد جدا عن هذا المجال في بلادنا، جغرافيا على الأقل، ولا أنتظر منه ولا أبحث فيه عن مصلحة، وقد يكفيني التحاقي بقبيلة المطبلين والمتملقين حتى أتخلص من صداع الرأس هذا.
على كلٍّ، أنا لا أومن بنظرية المؤامرات وليس من الضروري أن تكون هناك مؤامرة على هذا أو ذاك، وحتى أصفي النية لنتركها سوء تقدير، ظلم غير مقصود، نرجسية مفرطة، مواءمات ليست في محلها، تغليب العلاقات والمصالح، شطط في استعمال السلطة... لن أتكلم عن كل الظلم ''غير مقصود'' الذي لحق بالكثير من الأعمال المشاركة - أتكلم عن الأعمال الروائية الطويلة - لكن الظلم والحيف الأكبر أجده استبد بفيلم ''التدريب الاخير'' للمخرج ياسين فنان، الذي لم أتخيل إلى حد الآن لماذا خرج من هذا العرس الذي حولوه الى عزاء للأسف، خالي الوفاض دون إنجاز يذكر، وهو من أجمل الأفلام المعروضة إن لم يكن أجملها، لم أتصور كيف لهم كل هذه الجرأة في تقبير عمل أعجب به الكل وكتب عنه كثيرون.
هل هناك حسابات لانعرفها؟ ربما... هل نحن لانفهم، فقط أعضاء اللجنة هم الذين يفهمون؟ ربما... أنا لا أعرف المخرج ولاتربطني أية علاقة بصناعه، لكن لابد من قول الحق وتبني كل نقطة ضوء أشرقت في سينمانا، الفيلم جميل وممتع ومتكامل إبداعيا، فأين الخطأ إذن؟ أنا شخصيا استمتعت به كما استمتع به كثيرون، وصفقت لصناعه، وأتأسف لأنه لم يحصل على اعتراف واحد من اللجنة الموقرة تقر باجتهاد واضح وبيِّن لأصحابه، تشجعهم على الاستمرارية ومتابعة الابداع، ظلم ما بعد ظلم يحبط المبدع ويشجع الفاشل.
أتأسف له من كل قلبي ولصناعه وأطالبهم بأن لا يقفوا عند هذا الحد وأن لايتأثروا بما حصل، وأن يتابعوا عملهم واجتهادهم ليس ضدا فيمن مارس عليهم هذا الحيف، فهم أكبر من ذلك، بل من أجل السينما والإبداع الحقيقي الخالي من كل الشوائب، وفي النهاية أقول كما قلتُ أعلاه الدنيا دوارة، اليوم تَمتحِن وغدا تُمتحَن، اليوم أنت في لجنة تحكيم، وغدا أنت أمامها، وسنذكرك إذ ذاك بما حصل البارح في هذا التاريخ بالذات 26 أكتوبر 2024.