يسميه "العربجِيون" شرقاً عربياً، ولكن الذي أثبته الواقع العربي انه "شرق أوسط"، وأنّ للعرب فيه نصيباً يسيراً ومرهوناً بإراداتٍ تعلو قراراتُها واختياراتها فوق "شخبطات" الأنظمة العربية، التي يتدارى كلٌّ منها خلف جيرانه الأشقاء بتلك المنطقة حتى لا تدركه أدخنة المعارك الدائرة فيها!!
المهم، أن البداية في ذلك الشرق البائس انطلقت يوم السابع من أكتوبر 2024، بما سماه أبطال ذلك اليوم "طوفاناً للأقصى"، رغم أن الوقائع التي تسارعت في ذلك اليوم والأيام القليلة التي تليه بيّنت بالملموس بأنه لم يكن طوفاناً البتّة، وإنما كان مشهدا أو بالأحرى مشاهد في غاية الغباوة والالتباس من مسرحية للكراكيز كانت تحركها من وراء الستار أيادي الحرس الثوري الإيراني... لماذا بالذات؟ لمنح إسرائيل "المبرر الكافي" للقيام بما قامت به في غزة، ضد الفلسطينيين العزّل ولكن أيضاً، وهنا بيت القصيد، ضد مقاتلي حماس وكتائب القسّام، الذين قر الرأي فيما بين مخابرات الملالي والموساد على إخراجهم من ساحة المعركة والقضاء عليهم قضاءً شبهَ مبرَم، والمرور بعد ذلك للمرحلة الموالية، التي ما زلنا نشهد تَمَظْهُراتِها في الساحة اللبنانية. ولن يعدم الجانب السوري أن ينال نصيبه من الضرب والتنكيل لارتباطه عضوياً بميليشيات حزب الله المرابطة فوق الأراضي السورية.
لقد كانت الخطة الإيرانية الإسرائيلية إذن، وبتوجيه ومباركة من الولايات المتحدة الأمريكية، التي زار بعض مسؤوليها العسكريين والمخابراتيين مدينة طهران للتباحث مع النظام الإيراني جهاراً حول ذات المسألة... أقول، كانت تلك الخطة، وما زالت، تهدف إلى تكريس غسل أيدي الإيرانيين من تنظيمين لم يعد مرغوباً فيهما، هما "حماس" و"حزب الله"!!
والواقع، وكما رأينا جميعاً، فقد وُضِع الختم على منظمة حماس بعد دك غزة ونواحيها وتتويج ذلك باغتيال إسماعيل هنية بتدبير "إيراني/إسرائيلي" واضح القسمات، والآن يجري إكمال المشوار ضد حزب الله، أو "حزب الشيطان" كما يسميه اللبنانيون أنفسهم، الذي تبيّن من خلال الأحداث التي شهدتها الساحة اللبنانية طيلة الأيام التي تلت تفجيرات أجهزة البيجر والتولكي والكي، أن الهجمات ستستمر وتزداد تصاعدا إلى أن يتم القضاء المبرم على قياداته ومقاتليه الأشد شراسة، بمباركة من إيران وبيدقها حسن نصر الله، الذي فر بجلده من لبنان قبل أن تطاله أيدي اللبنانيين الذي انفضح أمره بينهم، حتى صاروا أشد خطورةً على حياته من صواريخ إسرائيل وقذائفها الحارقة، ليس فقط بسبب خيانته لمقاتليه الشيعيين، فهؤلاء لم يتعاطف معهم من اللبنانيين إلا القلّة القليلة، وإنما لأنه كان قد أطلق أيادي زبانيته من مقاتلي "حزب الشيطان" لعيثوا فساداً في شعب لبنان وسورية حتى صاروا أخطر على هذين الشعبين من قوات إسرائيل ذاتها!!
لقد فر بجلده إذن لأنه أحس بالخطر من جهة اللبنانيين قبل غيرهم، حتى بدأ صحافيو لبنان ومحللوه السياسيون يشيرون إليه في كتاباتهم ورسائلهم التواصلية بوصف "حسن الإيراني"، إشارة إلى انقطاع الصلة بينه وبين كل ما له صلة بلبنان، بما في ذلك شيعة هذا البلد المسالم والمنشغل بمتاعبه التي لا تنتهي منذ أن غادر "المارونيون" فيه مقاعد السلطة!!
وكما بدأت الضربات القاتلة ضد حركة حماس بتمثيلية طوفان الأقصى، التي لم ننسَ أن إسرائيل ساهمت في تأثيثها بإفراغها الساحة من الحرس ومن العساكر ومن عناصر المخابرات... إلا من بعض العسس البسطاء، حتى تترك المجال مفتوحاً لاستكمال مشاهد "طوفان الأقصى" المفترَى عليه... ها نحن الآن نعيش مشاهد مماثلة بدأت بتفجيرات أجهزة البيجر وأدوات الاتصال اللاسلكي الأخرى، بهدف تحييد قيادات "حزب الشيطان"، قبل الدخول في مرحلة شبيهة بتلك التي سبقت قبل أحد عشر شهراً في غزة، غير أن الذي يكتوي في هذه المرحلة هو شعب لبنان، الذي ابتلاه قدَرُه باتخاذه من لدن مقاتلي "حزب الشيطان" ذرعاً بشرياً لا شك أن ضحاياه سيكونون بمثل حجم ضحايا غزة أو أكثر!!
والآن، ما الذي تريده إسرائيل بالواضح والصريح؟..
إنها ترغب، بعد القضاء على معظم فلول مقاتلي "حزب الشيطان" وقياداته، أن تجبر دولة لبنان على الدفع بما تبقى منهم إلى ما وراء نهر الليطاني، ثم المرور بعد ذلك مباشرة إلى عملية تجريدهم من السلاح، وتحويلهم إلى متسكّعين متباكين على المجد الآفل بين أزقة بلدات الشمال اللبناني ومقاهيها المستعدة لاستقبالهم بالأحضان نكايةً في هزيمتهم وليس حُبّاً وكرامة!!
إنها ترغب، بعد القضاء على معظم فلول مقاتلي "حزب الشيطان" وقياداته، أن تجبر دولة لبنان على الدفع بما تبقى منهم إلى ما وراء نهر الليطاني، ثم المرور بعد ذلك مباشرة إلى عملية تجريدهم من السلاح، وتحويلهم إلى متسكّعين متباكين على المجد الآفل بين أزقة بلدات الشمال اللبناني ومقاهيها المستعدة لاستقبالهم بالأحضان نكايةً في هزيمتهم وليس حُبّاً وكرامة!!
هل ستنجح إسرائيل في هذا المسعى العسكري المدمّر والدامي؟..
لاشك أنها ستتمكن من تحقيق ذلك في حدوده القصوى، لأنها والحالة على ما هي عليه لن تقبل بأي حل أدنى أو أوسط!!
لاشك أنها ستتمكن من تحقيق ذلك في حدوده القصوى، لأنها والحالة على ما هي عليه لن تقبل بأي حل أدنى أو أوسط!!
هل سيتسنى لإسرائيل أن تُعيد مستوطنيها إلى مستوطناتهم بشمال البلاد، بعد أن تؤمن لهم "مساحات عازلة" شاسعة من الأراضي اللبنانية، حتى لا يصلهم من جهة حدودهم مع لبنان أي أذى في المستقبل؟..
أعتقد أن ذلك سيتحقق هو الآخر كما تحبه الدولة العبرية وتشتهيه... هذا من جهة.
أعتقد أن ذلك سيتحقق هو الآخر كما تحبه الدولة العبرية وتشتهيه... هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، ليس من المغالاة أن نتذكّر، في هذا المقطع من هذا المقال، أن أمريكا وحلف الناتو يتابعان الأحداث متابعة لصيقة وهما على أتم الاستعداد والأهبة للتدخل من أجل أن يتم كل ذلك الذي ذكرناه على الوجه المسطّر والمطلوب...
والأيام كفيلة بتأكيد ذلك أو نفيه!!!