على بعد 62 سنة من الولادة نظمت جمعية هيئة المحامين بالمغرب لقاءا وطنيا بمسرح محمد الخامس بالرباط يوم السبت 21 شتنبر 2024 في جو وظروف وطنية ودولية تغيرت عن زمن الولادة ب 180 درجة، وجاء هذا اللقاء التعبوي بهدف دق ناقوس الخطر المرتبط بمشاريع قوانين الحكومات المتعاقبة، والتي مست في الصميم كيان ومبادئ المحاماة وشروط المحاكمة العادلة والحقوق والحريات المنصوص عليها في دستور المملكة والاتفاقات الدولية التي صادق عليها المغرب، وأصبحت جزء من قانونه الوطني بما لها من أولوية في التطبيق على القانون الداخلي.
إن جمعية هيئات المحامين بالمغرب التي أسست من طرف الأوائل بهدف ضمان التغيير والانتقال السلس للمحاماة من الفرنسيين إلى المغاربة، والتي عايشت مرحلة سنوات الرصاص، ووقفت أثناءها كمعبر عن الضمير الجمعي المهني في وجه السلطة لضمان المحاكمة العادلة، مطالبة اليوم بالدفاع عن المبادئ التي أنشأت من أجلها من جهة، ومقاربة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية للجسم المهني الذي أضحى بدوره، أسوة بالمجتمع الشامل ضحية المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، التي حالت دون ضمان التواجد والبقاء الفعلي للطبقة الوسطى بالمجتمع، والتي كانت المحاماة جزء منها وقاطرة لها.
إن جمعية هيئات المحامين بالمغرب بعد هذا اللقاء وبعد الرسائل التي تضمنتها خطاباتها وخطابات شركائها بالجسم المهني وتبعا لخطورة مشاريع القوانين المعدة من طرف الحكومات المتعاقبة والمتغيرات الكمية والتي رفعت عدد المحامين بالمغرب إلى أكتر من 18 ألف محام ومحامية، مطالبة اليوم للاستماع لصوت المحامي الشاب ابن مغرب التسعينات من القرن الماضي وبداية القرن الحالي والذي لا يعرف، ولا علاقة له بسنوات الرصاص، أو مكانة المحامي الفرنسي في المجتمع، بل يبحث كغيره من المغاربة، أي مغاربة اليوم، عن كسرة خبز، ويخاف مثلهم أشد الخوف من قوارب الموت ومن الغد المجهول، أو من "بكرا" على حد قول الإخوة المصريين.
إن محامي مغرب اليوم يرفع كغيره من المحامين بمختلف بقاع العالم شعارات حقوق الإنسان، بالقدر الذي يبحث فيه عن المعيش اليومي مكرسا في مطالب اجتماعية من دخل يضمن كرامته وتأمين إجباري تضامني تعاضدي قائم على التآزر بين المحامي ذو الدخل، والمحامي الذي يعيش الهشاشة وتقاعد وتكافل اجتماعي، وأداء الدولة لواجب المساعدة القضائية والعمل على تطبيق التزاماتها الدولية في محاربة الفساد باعتباره المدخل للعدالة والإنصاف.
إن التحول في أداء جمعية هيئات المحامين بالمغرب وتساؤلات وخطابات لقاءها الوطني وانتظارات أطياف مرتدي الجبة السوداء والأسرة الحقوقية المغربية، سوف ينعكس لامحالة على أشغال مكتبها وأشغال مجالس هيئات المحامين بالمغرب في الأيام المقبلة، فالشباب المهني يصر على ركوب رياح الحراك الاجتماعي والذي يعتبر من منظوره الطريق الوحيد للحيلولة دون القضاء على كرامته وعلى مبادئ المهنة، وشروط المحاكمة العادلة والحد من ارتفاع وتيرة الفساد والمسؤولين المهنيين لازال لديهم الأمل في المتغيرات السياسية، وإمكانية فتح باب الحوار بخصوص مشاريع القوانين والحفاظ على التأمين التعاضدي، وبين هذا وذاك الأيام المقبلة سوف تجيب عن مآل مفاهيم الحق والحرية، للتضامن المهني، المحاكمة العادلة، الولوج المستنير للعدالة، دولة الحق والقانون، الطبقة الوسطى، جمعية هيئات المحامين بالمغرب، المبادئ الأساسية للأمم المتحدة بشأن دور المحامين بالمغرب.
د. محمد أمغار/ محام بهيئة الدارالبيضاء