الجمعة 20 سبتمبر 2024
مجتمع

عباس: من منصة التتويج الأولمبي إلى غسيل الكلى

عباس: من منصة التتويج الأولمبي إلى غسيل الكلى الدكتور أنور شرقاوي(يمينا) والبروفيسور إدريس القباج
قصة مستوحاة من أحداث حقيقية
 
كان عباس، البالغ من العمر 62 عامًا، ذات يوم أسطورة حية.
فائز بالميدالية الأولمبية في الماراثون، كان يجسد القوة، التحمل، والتفوق.
ذكريات انتصاراته كانت لا تزال تجري في شوارع مدينته الأم، الجديدة.
في هذه المدينة، كان اسمه يُذكر بإعجاب وهمس.
كانت خطواته الطويلة والمتناسقة رمزًا لعصر مضى.
 
ولكن اليوم، عندما نظر إلى انعكاس صورته في المرآة، لم يستطع هذا الرجل الذي كان في يوم ما لا يُقهر، إلا أن يرى آثار الزمن والإهمال.
قبل سبع سنوات، في سن الخامسة والخمسين، تم تشخيص إصابته بمرض ارتفاع ضغط الدم HTA.
في ذلك الوقت، لم يأخذ عباس هذا الخبر على محمل الجد. قال لنفسه: "أنا رياضي، قلبي صلب كالصخر. إنها مرحلة عابرة."
 
ولكن الواقع، الذي لا يعرف التسامح، لا يهتم بأوهام البشر.
استمر عباس في حياته كما لو أن شيئًا لم يكن، دون أن يهتم بالأدوية التي وُصفت له، ودون اتباع توصيات طبيبه بشأن تغيير نظامه الغذائي أو تقليل الجهد البدني الشاق.
كان يفضل العيش في الماضي، يتغذى على أمجاد الزمن الغابر، بدلاً من مواجهة الحاضر الذي كان يطارده.
 
مرت السنوات، ولم يشعر عباس بعواقب حقيقية لهذا الارتفاع في ضغط الدم.
حتى جاء اليوم، في سن الستين، حيث كشف تحليل بيولوجي بسيط، أُجري عند تجديد رخصة قيادته، عن مفاجآت غير متوقعة.
كان هذا التحليل، الذي كان بالنسبة له مجرد إجراء شكلي، يشير إلى علامات لم يعد بالإمكان تجاهلها.
كانت نسبة الكرياتينين في دمه، وهو مؤشر رئيسي لوظائف الكلى، مرتفعة بشكل مقلق.
ثم كانت هناك تلك الاكتشافات المثيرة للقلق، مثل وجود الألبومين في البول.
لم يتأخر الحكم كثيرًا: كليتاه، تلك الأعضاء الصامتة النبيلة التي دعمت جسده لعقود، بدأت تُظهر علامات واضحة على الفشل.
جالسًا في مكتب طبيبه، شعر عباس بثقل الكلمات ينهال عليه كالسندان.
همس الطبيب بينما كان يراجع النتائج: "وظائف الكلى متضررة. إذا لم تأخذ ارتفاع ضغط الدم على محمل الجد الآن، عباس، فإن خطر الفشل الكلوي كبير. إنه سباق ضد الزمن."
 
سباق ضد الزمن... هذه الكلمات كانت تتردد بحدة في ذهن الماراثوني السابق.
لقد قضى حياته في الجري، وتجاوز حدود نفسه، وتحدي الزمن. لكن هذه المرة، كان الخصم غير مرئي ولا يرحم.
لم يكن هذا مجرد سباق للفوز بميدالية، بل كان معركة للبقاء على قيد الحياة.
 
عاد عباس إلى منزله في ذلك اليوم وهو يشعر بمرارة في حلقه.
رؤية ميدالياته، التي كانت معروضة بفخر في غرفة جلوسه، كانت له بمثابة طعنة في القلب.
كانت تمثل وقتًا كان يتحكم فيه بكل ألياف جسده، يدفع نفسه إلى أقصى الحدود، ويعتقد بسذاجة أنه لا يُقهر.
لكنه الآن أدرك أنه لم يعد ذلك الشاب البطل. لقد أصبح رجلاً في الثانية والستين من عمره، جسده، الذي أرهقته سنوات الإهمال، كان الآن يطالب بالثمن.
 
استقر في قلبه خوف جديد، خوف لم يعرفه من قبل على مضمار السباق.
خوف خفي من المجهول، من هذا الفشل الكلوي الذي كان يلوح في الأفق، مستعدًا للضرب إذا لم يتم فعل شيء.
الأيام التي تلت كانت مليئة بالشكوك. وجد عباس نفسه يعيد التفكير في كل لحظة تجاهل فيها إشارات جسده، كل موعد طبي فوته، كل نصيحة من صديق أو طبيب رفض الاستماع إليها.
 
كان الوقت قد حان لمواجهة هذا السباق الجديد، لكن هذه المرة كانت القواعد مختلفة.
لم يعد الأمر يتعلق بالتحمل البدني، بل بإدارة دقيقة لصحته، وهي مهمة لا تقل صعوبة عن تدريباته السابقة.
الأشهر الأولى بعد التشخيص كانت صعبة.
كان على عباس أن يتعلم كيفية تغيير نمط حياته.
بدأ أخيرًا في تناول أدويته للسيطرة على ارتفاع ضغط الدم، غير نظامه الغذائي، وفرض على نفسه فترات راحة في حياة لم تكن تعرف الهدوء من قبل.
لكن أكثر من ذلك، كان عليه أن يتعلم من جديد كيف يصغي لجسده، ليس كأداة أداء، ولكن كهيكل هش يتطلب الرعاية والاهتمام.
 
رغم خطورة وضعه، لم يتخل عباس عن روح الماراثوني التي بداخله.
كان يعلم أنه لم يعد بإمكانه الجري كما كان، لكنه وجد سباقًا جديدًا ليخوضه: سباق لإطالة وتحسين جودة حياته.
ورغم أن أيام المجد الأولمبي كانت خلفه، إلا أنه أدرك أن هذه المعركة الجديدة، رغم أنها أكثر هدوءًا وصمتًا، لا تقل بطولة.
أصبحت زياراته المنتظمة إلى الطبيب بمثابة نوع جديد من خط النهاية الذي يجب تجاوزه، وأصبحت مستويات الكرياتينين شكلاً جديدًا من المؤقت الذي يجب التغلب عليه.
كل تحسن، مهما كان طفيفًا، كان بمثابة انتصار له.
 
لقد فهم أنه، كما هو الحال في الرياضة، فإن الانتصار لا يتعلق دائمًا بالفوز الفوري، ولكن بالصمود، الجهد المستمر، والإصرار.
عباس، الذي أصبح الآن أكثر حكمة ووعيًا بحدوده، وجد في النهاية توازنًا جديدًا.
كان يعلم أن الطريق ما زالت طويلة، لكنه لم يعد وحيدًا في مواجهة هذه المحنة.
لقد استعاد جزءًا من نفسه كان يعتقد أنه فقده: الرجل الذي لا يستسلم أبدًا، بغض النظر عن العقبات.
وهكذا، حتى في سن الثانية والستين، استمر عباس في السباق، هذه المرة ليس من أجل المجد، بل من أجل الحياة ذاتها.
الدكتورأنور شرقاوي مع البروفيسورإدريس القباج، رئيس الجمعية المغربية لأمراض الكلى