في مرحلة التأسيس حين كان عبد الكبير حدان مندوبا لفرع الشعلة باليوسفية، كان للراحل الأستاذ الجامعي مختار بنعبدلاوي لقاء فكريا تحت سقف فرع جمعية الشعلة للتربية والثقافة بمدينة اليوسفية، حيث ألقى محاضرة موسومة بـ "مفهوم المواطنة وإشكالية المجتمع المدني" بدار الشباب الأمل / اليوسفية بتاريخ 25 دجنبر 1999. وبعد مرور 25 سنة على هذا الحدث الفكري المتميز، وتكريما ووفاء لروحه وعطاءاته الفكرية تتقاسم جريدة "أنفاس بريس" نص المحاضرة التي تابعها جمهور غفير حينئذ من نساء ورجال التعليم، إلى جانب شباب المدينة وثلة من الإعلاميين والمبدعين والمثقفين والفنانين.
استهل الراحل مختاربنعبدلاوي محاضرته مؤكدا بقوله: "أود القول أنني لا أدعي مطلقا حمل وامتلاك حقيقة ومعرفة نهائية، تجعلني متمكنا من الإحاطة الشاملة به ـ موضوع المحاضرة ـ أو قادرا على تقديم حلول وإجابات شافية للأسئلة" وتابع موضحا بقوله: "ولا أظن أصلا أن مهمتي هنا إعطاء إجابات وتصورات جاهزة". حيث أكد على أن "العصر الذي كان ينظر فيه إلى المحاضر على أنه يمتلك المعرفة وإلى المستمعين إليه على أنهم إنما يأتون لكي يستمدونها منه، قد مات وانتهى"
وعن تواجده تحت سقف فرع جمعية الشعلة بمدينة اليوسفية أشار إلى أنه سيعرض "أرضية مركزة وسريعة لتكون منطلقا لنقاش يتميز بالتوسع والخصوبة والوعي" مشددا على مهمته التواصلية بقوله: "إن مهمتي هنا هي استعراض الإشكالات، وطرح القضايا، وتقديم تعريفات مبسطة للمفاهيم المرتبطة بالموضوع".
واستطرد قائلا: "انطلاقا من هذا المجهود المتواضع نحاول جميعا نسج خيوط الحوار، وتبادل الرأي فيما بيننا حول ما يقتضيه المستقبل الذي نتطلع إليه لوطننا، مستقبل نريد ونتمنى للإنسان أن يكون فيه هو موقع البؤرة والمركز، سواء كان هذا الإنسان مواطنا بسيطا، امرأة أو رجلا، كبيرا أو صغيرا، واعيا بعلمه وتجربته...حلمنا بوطن ديمقراطي يحتضن جميع أبنائه، هو حلم بوطن عادل يحترم الجميع ويعاملهم معاملة تنبني على المساواة في الحقوق والواجبات، وانطلاقا من هذه الآمال والأحلام ومما يقتضيه العصر والتحديات التي تقف أمامنا نريد أن نفكر ونتساءل سويا".
بنعبدلاوي يفكك إشكالية "ما المقصود بمفهوم المجتمع المدني؟"
لمحاولة تعريف "مفهوم المجتمع المدني" أكد المحاضر ضيف فرع جمعية الشعلة للتربية والثقافة بمدينة اليوسفية قائلا: "يجب القول أن هذا المفهوم ولد أصلا بالغرب، ونشأ وتطور فيه، ولا يمكننا تعريفه إلا من خلال شروط ولادته ونشأته وتطوره، وما ينبغي التنبه إليه هو أن المضامين التي يتضمنها ويحتويها هذا المفهوم كانت تتميز وتتطور بتغير وتطور المجتمعات الغربية التي تداول فيها وفي أزمنتها، فما كان يعنى به في العصر اليوناني ليس هو بالضرورة ما يقصد به في العصر البيزنطي أو الروماني"
انطلاقا من هذا المدخل التاريخي شدد مختار بنعبدلاوي على أن المقصود من المفهوم القديم يعني حسب قوله: "تحدثوا عن مفهوم المجتمع المدني وعنوا به مجتمع المدينة/الدولة، مثل مدينة أثينا أو مدينة روما، ولم يكن يقصد به كل السكان المقيمين داخل المدينة، بل تم الإقتصار في معناه على نخبة معينة، وهي التي كانت تتمتع بالحقوق والواجبات، وهكذا فقد كان مفهوما نخبويا ارستقراطيا"
وبخصوص حضور مفهوم المجتمع المدني في ثقافة المجتمعات العربية القديمة فيرى المحاضر بأنه "كان منعدما تقريبا" على اعتبار ـ حسب قوله: "أن المجتمعات العربية القديمة كانت في الأساس بدوية دائمة الإنتقال والإرتحال، ولم يكن بالإمكان الحديث عن وجود اختمار لمفهوم المجتمع المدني في مجتمعات بدوية لا تتمتع بالاستقرار في مكان معين".
يتبع