إذا اعتمدنا الأرقام المعلنة بخصوص كلفة الفساد بالمغرب، والمحددة في حوالي 5% من الناتج الداخلي الخام، نجد أن المغرب يخسر سنويا حوالي 7 ملايير دولار؛ أي أن الشعب يحرم من اعتماد قدره 70 مليار درهم (7000 مليار سنتيم كل عام!).
والمفجع أن هذا المبلغ يساوي تقريبا 11 مرة ما يخسره المغرب كل عام بسبب مخلفات الكوارث الطبيعية؛ إذ في آخر تقرير للبنك الدولي، نقرأ أن المخاطر الطبيعية (من فيضانات وحرائق وزلازل وغيرها)، تتسبب للمغرب في ضياع 600 مليار سنتيم كل عام، تذهب سدى بفعل ضياع منازل وحقول المواطنين ومنشآتهم وممتلكاتهم ومنقولاتهم ومواشيهم، فضلا عن نسف البنية التحتية والمرافق العمومية بفعل الفيضان أو الزلزال أو الانجراف أو الحرائق، ... إلخ.
اليوم ونحن نعيش على وقع تداعيات ذكرى زلزال الحوز وفيضانات الجنوب الشرقي، وتعذر توفير الأغلفة المالية الكافية للاستجابة بالشكل المطلوب والفوري والعادل لتخفيف الفاجعة عن المتضررين بالمناطق المنكوبة وإعادة إعمار ما دمره الزلزال والفيضان، يحق لكل مواطن أن يتساءل: ترى لو لم يكن المغرب تحت قبضة «البانضية» والمفسدين وآكلي المال العام، كم من ملايير كان سيتم توفيرها بالخزينة العامة لمواجهة كل الطوارئ، وتلبية حاجيات المواطنين، و"يشيط الخير"؟
فإذا دخلنا في متاهة تخيل ما ينبغي أن نحققه للشعب من مرافق وخدمات بفضل هذا المبلغ الباهض الذي ينهبه «الشفارة» كل عام، ويلهفه ناهبو المال العام والفاسدون الكبار في الإدارة والأبناك وبعض شركات القطاع الخاص التي تتحايل في الصفقات العمومية، نجد أن مستشفى كبيرا من طراز هائل يكلف مائة مليار سنتيم، من قبيل مستشفى الشيخ خليفة بالبيضاء أو مستشفى محمد السادس ببوسكورة أو المستشفى الجامعي بطنجة، (أي لو لم يكن الفساد و«تشفارت» بالمغرب، لأمكن توفير مبلغ لبناء 70 مستشفى رائع من حجم مستشفى خليفة كل عام بمختلف مدن المغرب)، وبالتالي لأمكن للمغرب في ظرف 5 سنوات تغطية كافة المدن الكبرى الكبرى والمتوسطة بشبكة هائلة ومتطورة من المستشفيات الكبرى المجهزة بأحدث المعدات والراديو والمختبرات، وبالتالي تقليص مؤشر رداءة القطاع الصحي الذي يتسبب في ترتيب المغرب في أسفل السلم العالمي في التنمية البشرية على المستوى الدولي.
كما أن نفس المبلغ 70 مليار درهم (7 ملايير دولار)، الذي يلهفه «البانضية» و«مافيات» السياسة والإدارة ويحولونه إلى حساباتهم داخل وخارج البلاد كل عام، كان بالإمكان أن يسمح للمغرب ببناء 1.550.000 ألف غرفة جامعية من الطراز العالي الجودة، لإسكان ما بين أكثر من مليوني طالب جامعي دفعة واحدة، بمعدل طالبين أو طالبتين في كل غرفة من حجم 20 متر أو 24 متر (في أوربا، مساحة الغرف لا تتجاوز في الأغلب الأعم 9 أمتار مربعة لكل طالب جامعي). وهذا المؤشر (تردي ظروف التعليم والهدر المدرسي) يتسبب للمغرب كذلك في أن تبقى بلادنا مشوهة ومصنفة في ذيل الترتيب العالمي.
وبما أن المغرب يتوفر على سواحل بطول 3500 كلم تغري الشبكات الدولية للاتجار في المخدرات والاتجار في البشر بشكل يفرض تحديا قويا على المغرب، فإن المبلغ المنهوب كل عام بسبب الفساد كان بالإمكان أن يسمح للمغرب بشراء 4600 سفينة حربية صغيرة أو فرقاطة عسكرية (من حجم ما تنتجه الأوراش البحرية لشركة نافانتيا)، لتعزيز مراقبة سواحلنا ضد تحرشات العصابات الدولية المختصة في الإجرام العابر للقارات.
نفس الشيء يمكن أن ينطبق على واقع الطرق والأنفاق والقناطر والسدود والمنتزهات الحضرية الكبرى وتعميم شبكة الصرف الصحي بكل المراكز الحضرية بالمغرب.
وحسبي هنا الاستشهاد بمثال واحد فقط، ألا وهو الحق في الحدائق وفي المساحات الخضراء بالمدن المغربية، إذ إن المبلغ الذي يخسره المغرب بسبب النهب والفساد كل عام بإمكانه إحداث وتجهيز 120.000.000 متر مربع من المساحات الخضراء؛ أي ما يشكل 12.000 هكتار من الحدائق. بمعنى أن «تشفارت» بالمغرب تحرم المغاربة من إحداث وتجهيز 420 منتزها حضريا كبيرا من حجم «حديقة الجامعة العربية بالدار البيضاء» كل عام (مساحتها 28 هكتارا).
لنتخيل فقط، كيف كان سيكون عليه الوضع في هاته المدن: الفقيه بنصالح، أبي الجعد، تاونات، خريبكة، مكناس، الرحمة، آسفي، اليوسفية، برشيد، السمارة، ميسور، جرسيف، بوعرفة، القصر الكبير، الراشيدية، سلا، إمزورن، زاكورة، أحفير، زغنغن، سيدي بنور، جرادة، تاوريرت، وزان، القنيطرة، البئر الجديد، بوجدور، تاهلة، تازة، برشيد، أولاد تايمة، تنغير، تافراوت، عين تاوجطات، سيدي سليمان، أزمور، تارجيست، قلعة السراغنة، ويسلان، الصخيرات، سوق الأربعاء، بن أحمد، تحناوت، باب برد، كهف النسور، الخميسات، سيدي قاسم، بزو، أفورار، قصبة تادلة، شيشاوة، طاطا، إفني، طانطان، بومية، تالسينت، واللائحة طويلة... لو تم تمتيع سكانها بالخضرة وبالحدائق والمنتزهات وبالساحات الجميلة المهيئة لاستقبال الأطفال واليافعين؟!
لي اليقين أن المغرب بإمكانه حرق المراحل بسرعة والدخول إلى نادي الدول الصاعدة «قولا وفعلا» في ظرف 5 أو 8 أعوام، إذا ما اصطف العقلاء والحكماء بالمغرب في صف واحد لتجفيف المغرب من «البانضية»، و الإعلان عن وضع الفساد في نفس المرتبة مع قضية الوحدة الترابية؛ إذ لا فرق بين الخائن الذي يصطف مع عسكر العصابة في الجزائر ضد وحدتنا الترابية، وبين الخائن الذي اصطف مع الفساد والمفسدين لنهب المال العام.