الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

محمد عزيز الوكيلي: معاقبة الموراديا فرنسا بإصدار قانون "تجريم الاستعمار"!!

محمد عزيز الوكيلي: معاقبة الموراديا فرنسا بإصدار قانون "تجريم الاستعمار"!! محمد عزيز الوكيلي
حاولتُ الكتابة في موضوع مخالف "ولكنهم" لم يسمحوا لي بذلك، فمعذرة عن هذه العودة الاضطرارية إلى جيران الشرق المثيرين دائماً للبهجة!!
 
طلعت جريدة "الشرور"، عفوا، "الشروق" الجزائرية، وهي نموذج للإعلام الجزائري الحامل عن جدارة واستحقاق لوصف: "صحافة بو دورو"، طلعت علينا بما سمّته "لائحة للعقوبات" التي ستطبقها الجزائر في حق فرنسا، أو يمكن أن تتخذها في حقها، وكأنها قادرة فعلا على فرض عقوبات على ماماها البيولوجية!!
 
العجيب أنها جعلت من بين تلك العقوبات، المخيفة والمرعبة (!!!) الدعوة إلى اجتماع برلماني بغرض إصدار نص قانوني "يُجَرِّم ممارسات الاستعمار الفرنسي"، على اختلاف أنواعها وأشكالها، وربما المطالبة بعد ذلك بإصلاح ما أفسده ذلك الاستعمار، مثل تعويض المتضررين من التجارب النووية التي أجرتها فرنسا في ستينات القرن الماضي... وبالمناسبة، فالمناطق التي أجرت فرنسا فيها تلك التجارب كانت مغربية مائة في المائة، وبالتالي فهي مما سرقته فرنسا وضمته عنوة "لمقاطعتها السابقة لما وراء البحار"، وبالمناسبة أيضاً، والمناسبة شرط كما يقول المناطقة، فالمغفور له، جلالة الملك محمد الخامس، هو وحده مَن كان يحتج على تلك التجارب لدى فرنسا نفسها، وفي المحافل الدولية، ولدى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، بينما كانت الجزائر، حديثة العهد آنئذٍ بتقرير مصيرها، تتفرج وتلعب دور البكماء الصماء، ربما لأنها لم تكن تدري ما كان ينبغي عليها عمله، في وقت كان المغرب يكد فيه ويجتهد ليُنشئ لها أنويتها الإدارية الأولى، ويُكوّنَ ويُؤهِّلَ لها أطر سُلطاتها المختلفة، بما فيها الأجهزة الأمنية والمخابراتية، التي كانت تشرف على تأسيسها وتقعيدها وهيكلتها وتمكينها من بنياتها الأساسية الأولى أطرٌ مغربيةٌ راكمت من الخبرات والتجارب ما كان يؤهلها للعب ذلك الدور  الإنساني والأخلاقي النبيل... ومع مَن ياحسرة!!
 
حسناً... تدّعي الجزائر إذن، والآن، أنها "ستُجَرِّمُ الممارسات الفرنسية الاستعمارية"، وقد كانت قبل أقل من أسبوعين ترى في فرنسا قدوتها المثلى ونموذجها المفضل، بدليل غراميات الرئيسين تبون وماكرون، التي لم تستطع رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني أن تخفي انبهارَها بها، واندهاشَها منها في إبانها، وأثناء تجلياتها العجيبة تحت سماء روما بالذات... فهل فكّر حكام الجزائر أنّ من بين ممارسات الاستعمار الفرنسي، المجرَّمة شرعاً وقانوناً، استيلاءَها على أراضٍ مغربية وتونسية وليبية ومالية ونيجرية وضمها بالجملة إلى رقعة جزائرية لم تكن جغرافيتُها عند وصول "فرنسا شارل العاشر" إليها تتعدى خُمُس او سُدُس مساحتها الحالية، بعد ذلك الضم الفرنسي الفاضح؟!!
 
أم أن حكام المراديا لم يحسبوا بغبائهم المعهود حساب هذا المُعطى التاريخي، الاستعماري، المعلوم لدى جميع المؤرخين والدارسين والمتتبعين، والأكثر من ذلك لدى كل أعضاء الهيئات والمنظمات الدولية والأممية والعالمية، الساهرة على ضبط  وتوثيق العلاقات بين الدول والأمم، والمختصة منها، بشكل خاص، برسم الخرائط الجغرافية والجيوسياسية لجميع أعضاء المنتظم الدولي، المعترف بهم لدى الأمم المتحدة، سواء قبل ميلاد الجزائر، التي كانت مجرد مقاطعة فرنسية إفريقية، لما وراء حوض المتوسط، أو بعد نشأتها المشوَّهة، والتي عَلِقَتْ برِدائها "القانوني الدولي" خِرَقٌ وأسمالٌ مختلفةُ الألوان من بقايا مسروقات مغربية وتونسية وليبية وغيرها كما سبقت الإشارة؟!
 
هل سيجد النظام الجزائري الشجاعة والجرأة وهو يطالب فرنسا الاستعمارية، كما يسميها الآن من فرط صدمته وغضبه من الموقف الفرنسي المشرّف إزاء قضية وحدتنا الترابية، بتصحيح ممارساتها القديمة وجبر أضرارها والتعويض عنها؟!
 
هل سيجد الشجاعة للتخلي عن فضيحة التمسك بالحدود "الموروثة عن الاستعمار"، بوصف هذه الحدود بعضاً من تلك الممارسات المطلوب تصحيحُها وتدارُكُها بالجبر والتعويض؟!
 
هل سيُطالبون فرنسا أيضاً بالتعويض المادي والمالي عن الأضرار المزمنة لتجاربها النووية في الصحراء؟!
 
وإذا فعلوا ذلك، فمن سيحِقّ له الاستفادة من ذلك التعويض، سكان المناطق المتضررة من المغاربة، الذين لم تُسلَب منهم تلك الأراضي إلا قُبَيْل تقرير مصير الجزائر لتصير "دولةً" ببضع سنوات؟!
 
 أم ستؤول تلك التعويضات، إن هي أُقِرَّتْ فعلا، إلى حسابات الكابرانات وأبنائهم المصرفية في فرنسا بالذات، وفي أبناك بعض الجَنّات الضريبية المشتهرة بتبييض أموال مجرمي المال العام في مختلف بقاع الدنيا، كبعض دويلات وجزر أمريكا اللاتينية؟!
 
وعلى افتراض أن هذا المسار الأسطوري، لهذه الفَوْرَة الجزائرية المزعومة، ولهذا الاستيقاظ الفُجائي للضمير المعربد لدى عجزة الموراديا، يمكن أن يتحقق فعلاً على أرض الواقع الجزائري الملتبس، فهل يستطيع الجزائريون فعلا أن يُمْلوا قيد شعرة من الإرادة على أسيادهم في الإليزي، الذين لا يساوي لديهم الحاكم الجزائري الفعلي، "غير السعيد شنقريحة" أكثر مما يساويه حارسٌ عاديٌّ من حراس بوابات الجمهورية الخامسة، بدليل الخوذة التي ألبسها أحد الوزراء الفرنسيين المغمورين لحاكم الجزائر الأول ذاك، لدى زيارته الأخيرة لباريس، نكاية في عجرفته الفارغة والزائفة وكأنه يقول له بلساننا المغربي الدارج: "هذا ما كاتسوَى عندنا"؟!
من يجيب على هذه الأسئلة بلا ببغائية؟!!
 
 
 
محمد عزيز الوكيلي/ إطار تربوي