أعادت واقعة زيارة اللبناني "قاسم حدرج"، المُقرَّب من «حزب لله»، لمخيمات تندوف، حقيقة استعانة دولة «الكابرانات» و«دمى البوليساريو» بالوصفات الشيعية من أجل لي ذراع المغرب، إذ استقبل من طرف قادة الانفصاليين استقبال غلاة الأنصار لأحد الأئمة الاثني عشر. وما زاد الطين بلة هو أن «قاسم حدرج»، وهو أحد «غربان حروب حزب لله»، قال: «أتشرف أن تقبلوني كمقاوم صحراوي إلى جانبكم، وإن كانت يدكم قاصرة فيدي موجودة استخدموها، وإن كان صوتكم قاصر فصوتي سيصدح في سماء لبنان دعما لهذه القضية، وأُعيّن نفسي سفيرا لهذه القضية أمثلكم في كل المحافل».
وفي يونيو 2024، احتضنت مدينة بيروت اللبنانية ندوة نظمتها جمعية مقربة من «حزب لله» تدعى «ممثلية جبهة البوليساريو في المشرق العربي»، إلى جانب حزب قومي يدعى «الحزب السوري القومي الاجتماعي»، شارك فيها مأجورون داعمون للانفصال في الصحراء بقوة المال الجزائري الذي يحاول تفجير الموقف العربي من نزاع الصحراء، وافتكاكه من وحدة الموقف والقرار، والتأثير على الهيئات السياسية والمؤسسات المدنية المعارضة للأنظمة العربية.
الواقعتان تثبتان معا الارتباط الوثيق لجبهة البوليساريو بميلشيات حزب لله الذي يريد أن «يبتكر» حربا بالوكالة، على واجهات مختلفة، عسكريا وسياسيا وإعلاميا، ضد المغرب في الصحراء، كما تثبتان أن أجهزة الاستخبارات المغربية متيقظة لما تنسجه الأجهزة العسكرية الجزائرية من مؤامرات انفصالية دنيئة، وتكشفان أن الرباط لم «تخترع» اتهام جنود حسن نصر لله بتقديم دعم عسكري ولوجستيكي لـجبهة البوليساريو بتنسيق إيراني و«إسناد» جزائري فاضح وآثم، وأنها تستند في فضحها للمؤامرة على حقائق دامغة لا يرقى الشك إليها.
ويعكس اهتمام حزب لله «المدعوم من إيران» بجبهة البوليساريو، تطورا خطيرا من شأنه أن يخلط الأوراق في منطقة شمال إفريقيا، بل في إفريقيا برمتها، خاصة أن حزب لله ما هو إلا ورقة إيرانية للتغلغل في القارة السمراء عبر بوابة «جماعة إرهابية» مدعومة من دولة الكابرانات. وليس أدل على ذلك من انكشاف أجندة طهران بأبعادها السياسية والطائفية والإقليمية، وإصرارها على التحول إلى رقم في معادلة التوتر بين المغرب والجزائر، خاصة أنها تعول على حليفها الاستراتيجي «حزب لله» من أجل تدريب ميليشيات مسلحة لترسيخ وجودها في إفريقيا، مثلما فعلت جماعة فاغنر الروسية التي كرست وجودها في ليبيا، وفي دول الساحل وغرب إفريقيا. فقد أكدت تقارير إعلامية استقبال قادة البوليساريو، في الآونة الأخيرة، لميليشيات تابعة لحزب لله والحرس الثوري الايراني، حيث حلت بالمخيمات لتعزيز الدعم العسكري واللوجستيكي والسياسي للانفصاليين. إذ كشفت التقارير نفسها أن البوليساريو تلقت معدات عسكرية موجهة لإطلاق حرب لا هوادة فيها ضد أهداف مغربية، بما في ذلك المسيرات الحربية والصواريخ المضادة للطائرات والقذائف المضادة للدبابات ووسائل اتصالات عسكرية متطورة.
ومن هنا يتضح أن الأدلة المغربية على تورط حزب لله وإيران لا تعوزها الوثوقية، إذ كان وزير الخارجية ناصر بوريطة قد أعلن، قبل أكثر من 6 سنوات (ماي 2018) أن المغرب قطع علاقاته مع طهران بعد تأكده بالحجة والبرهان من ثبوت تورط سفارة إيران بالجزائر في استعمال حزب لله لدعم جبهة البوليساريو ماليا ولوجستيكيا وعسكريا.
ضباط وأسلحة إيرانية
واتهم المغرب حزب لله بتدريب مقاتلي البوليساريو على حرب العصابات وإرسال أسلحة إلى الجبهة، بما فيها تلك المضادة للطائرات من طراز "سام 9" و"ستريلا"، وذلك في مارس 2017، بعد اعتقال الرباط لقاسم محمد تاج الدين، الواجهة المالية لحزب لله، ومدير شركات كثيرة تابعة للحزب في إفريقيا، وتسليمه لواشنطن بعد أن صدرت بحقه مذكرة اعتقال دولية، لورود اسمه ضمن لائحة الإرهاب الخاصة بوزارة العدل الأمريكية. (انظر كرونولوجيا في ص: 06).
وأضاف بوريطة في مقابلة أجراها مع أسبوعية «جون أفريك»، عقب إعلان قطع العلاقات مع إيران، أن بعض الاجتماعات بين البوليساريو و«حزب لله» عقدت في «مكان سري» بالجزائر العاصمة، تعرفه أجهزة الأمن الجزائرية. واتهم السفارة الإيرانية بالجزائر العاصمة بكونها كانت حلقة الوصل التي تربط بين حزب لله والجزائر والبوليساريو عبر مستشارها الثقافي أمير الموسوي.
وأكد بوريطة أن قادة ميدانيين في حزب لله أبرزهم حيدر صبحي حديد، المسؤول عن العمليات الخارجية في الحزب؛ وعلي موسى دقدوق، المستشار العسكري في التنظيم نفسه؛ والحاج أبو وائل زلزالي، المسؤول عن التكوين العسكري واللوجستيكي، تنقلوا في مناسبات عدة إلى تندوف منذ مارس 2017 من أجل لقاء المسؤولين في البوليساريو، والإشراف على دورات تدريبية للمقاتلين، بدعم كامل من «الكابرانات» الذي تأكدوا على نحو لا لبس فيه أنهم انهزموا هزيمة، ديبلوماسيا وسياسيا، أمام قوة المقترح المغربي واحترافية الديبلوماسية المغربية، فاختاروا تسخير حزب لله والحرس الثوري الإيراني بحثا عن «الحل العسكري» من أجل استنزاف المغرب، وإركاعه، وزعزعة استقراره.
وإذا كانت الجزائر تسخر، منذ ستة عقود، كل طاقاتها المالية والديبلوماسية والعسكرية من أجل دحر المغرب واستنزافه لتحقيق الزعامة الإقليمية وافتكاك منفذ بحري على الواجهة الأطلسية، فإن إيران، التي تسخر ميليشيات حزب لله، تطمح إلى ترسيخ وجودها وتعزيز نفوذها في غرب إفريقيا كقوة بوسعها التدافع مع أمريكا وفرنسا والصين وروسيا وتركيا واليابان على مصادر الثروة في المنطقة. ولهذا حرصت طهران على استغلال التوتر بين المغرب والجزائر من أجل إيجاد قاعدة عسكرية «صلبة» بإمكانها احتواؤها، وأيضا من أجل تأمين تغلغلها في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وهي دول عبرت طهران في مناسبات مختلفة عن رغبتها في تعزيز علاقاتها معها في مجالات متعددة، مثل الاقتصاد والسياسة والصحة والتعليم والابتعاث الطلابي، وهو ما كان قد أكده نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية آنذاك، علي باقري كني.
حزب الله .. اليد القذرة لإيران
وتعول إيران كثيرا على تحريك أذرعها الشيعية في لبنان وسوريا واليمن والبحرين، وحتى في العراق، من أجل كسر الإجماع العربي حول مغربية الصحراء، كما أنها تحاول ابتزاز المغرب، اللاعب الذي يقف أمام تحقيق طموحاتها الدعوية والسياسية والاقتصادية في دول غرب إفريقيا، وإرغامه على التخلي عن منطقة نفوذ الإسلام السني المعتدل، علما أن كل بيانات جامعة الدول العربية تؤكد التزامها الراسخ بوحدة الدول وسلامة أراضيها ورفضها كل أشكال التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول.
ولما تأكدت إيران من إصرار المغرب على صون مصالحه الاستراتيجية بكل ما يملك من قوة، وفي تشريف شراكاته على مختلف الواجهات، وضعت يدها في يد كابرانات شنقريحة ومرتزقة البوليساريو، وتجاوزت لغة التحرش إلى لغة التنفيذ. إذ اختارت أن تنقل كوادرها العسكريين على جناح السرية من طهران إلى الجزائر، ومنها إلى مخيمات الرابوني، من أجل الإشراف عل تدريب ميليشيات لشن هجمات حربية في العمق المغربي. وهذا ما فضحه السفير المغربي عمر هلال أمام الأمم المتحدة، حين اتهم إيران وحزب لله، في أكتوبر 2022، بالتوغل في منطقة شمال أفريقيا، وتدريب وتجهيز جبهة البوليساريو في تندوف بطائرات مسيرة، الأمر الذي من شأنه أن يغير قواعد اللعبة في المنطقة، من الاستقرار إلى الحرب التي لا تهدد ليس مصالح المغرب ودول الجوار، بل تهدد مصالح أوروبا واستقرارها، وخاصة مصالح تلك الدول التي لم تحسم موقفها من مغربية الصحراء، وفضلت الإقامة في المنطقة الرمادية تحت ضغط المعادلات الاستعمارية التي عفا عنها الزمن. ولعل هذا ما انتبه إليه الحلف الأطلسي حين ناقش مقترح بناء درع عسكري على الواجهة الجنوبية للمتوسط بعد تنامي عناصر الاضطراب في منطقة شمال إفريقيا، على غرار جماعة البوليساريو، وبوكو حرام، وجماعة الشباب الإسلامي، وتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، وداعش، وجماعات أخرى تشكّل مصدر اضطراب خطير"، مثل قوات «فاغنر» الروسية، فضلا عن تنامي شبكات الجريمة المنظمة في مجال الاتجار الدولي في المخدرات، وتبييض الأموال والمتاجرة في البشر، وتجارة الأسلحة.
أن الصلة المؤكدة بين «حزب لله» و«البوليساريو»، وتورط كابرانات الجزائر في المؤامرة، لا تدعو فقط إلى التعبير عن القلق، بل إلى بناء استراتيجية دولية مشتركة لكسب النفوذ في المنطقة، من خلال تحييد الجزائر، وإرغامها سياسيا وعسكريا على احترام حسن الجوار، وعلى الالتزام بالخيار السياسي الأممي، وتفكيك تنظيم جماعة البوليساريو وتصنيفه على غرار حزب لله كتنظيم إرهابي، فضلا عن محاصرة تمدد طهران في غرب إقريقيا، ومنع تحويل المنطقة إلى حاضنة للأنشطة الإيرانية التي تزيد من عدم الاستقرار.