لم تسجل المحاماة في المغرب استهدافا مكثفا، أكثر مما استهدفت في عهد وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، وهو المحامي طبعا.
في هذا الصدد توصلت جريدة "أنفاس بريس"، بوجهة نظر الأستاذ رشيد أيت بلعربي، المحامي بهيئة القنيطرة، يستعرض فيه الضربات تلو الأخرى، في استهداف لمهنة الدفاع..
في هذا الصدد توصلت جريدة "أنفاس بريس"، بوجهة نظر الأستاذ رشيد أيت بلعربي، المحامي بهيئة القنيطرة، يستعرض فيه الضربات تلو الأخرى، في استهداف لمهنة الدفاع..
" في خمس سنوات فقط، أربع ضربات موجعة لمهنة المحاماة، في انتظار الخامسة لتشييع المحاماة إلى مثواها الأخير.
لقد تلقت مهنة المحاماة في الخمس سنوات الأخيرة اختبارات صعبة نتيجة توالي الضربات من طرف عدد من مؤسسات الدولة. لكن ورغم ذلك استطاعت المهنة بفضل مقاومتها الشرسة أحيانا، والمعتدلة أحيانا أخرى،الخروج إما منتصرة، أو بأقل الخسائر.
لقد تلقت مهنة المحاماة في الخمس سنوات الأخيرة اختبارات صعبة نتيجة توالي الضربات من طرف عدد من مؤسسات الدولة. لكن ورغم ذلك استطاعت المهنة بفضل مقاومتها الشرسة أحيانا، والمعتدلة أحيانا أخرى،الخروج إما منتصرة، أو بأقل الخسائر.
وقد تجسدت هاته الضربات فيما يلي:
- الضربة الأولى: الرفع المجنون من أعداد الناجحين في كل امتحان للحصول على شهادة الأهلية لمزاولة المهنة. فبعدما كان عدد الناجحين يصل بالكاد إلى الألف وافد جديد في كل امتحان، أصبح العدد الآن لا يقل عن أربعة آلاف. ففي فوج 2019 وصل العدد إلى 4700 و في فوجي 2023 وصل العدد إلى أكثر 4600. أي أنه في أربع سنوات فقط التحق حوالي 9300 محام ومحامية، أي ما يوازي العدد الذي استقبلته المحاماة على مدى أكثر من 60 سنة. و هو ما أظهر عجزا كبيرا لدى الهيئات في توفير بنية استقبال لائقة وفي التكوين والتأطير والمراقبة بالنظر لضعف الإمكانيات المادية والبشرية للنهوض بهذا الدور الذي كان إلى أقرب وقت ميسرا. وقد شكل هذا الارتفاع الصاروخي في أعداد الملتحقين بالمهنة تحديات كبرى في فرص العمل المتاحة أمام المحامين وينتظر أن تظهر آثاره السلبية أكثر في المستقبل القريب.
- الضربة الأولى: الرفع المجنون من أعداد الناجحين في كل امتحان للحصول على شهادة الأهلية لمزاولة المهنة. فبعدما كان عدد الناجحين يصل بالكاد إلى الألف وافد جديد في كل امتحان، أصبح العدد الآن لا يقل عن أربعة آلاف. ففي فوج 2019 وصل العدد إلى 4700 و في فوجي 2023 وصل العدد إلى أكثر 4600. أي أنه في أربع سنوات فقط التحق حوالي 9300 محام ومحامية، أي ما يوازي العدد الذي استقبلته المحاماة على مدى أكثر من 60 سنة. و هو ما أظهر عجزا كبيرا لدى الهيئات في توفير بنية استقبال لائقة وفي التكوين والتأطير والمراقبة بالنظر لضعف الإمكانيات المادية والبشرية للنهوض بهذا الدور الذي كان إلى أقرب وقت ميسرا. وقد شكل هذا الارتفاع الصاروخي في أعداد الملتحقين بالمهنة تحديات كبرى في فرص العمل المتاحة أمام المحامين وينتظر أن تظهر آثاره السلبية أكثر في المستقبل القريب.
- الضربة الثانية: شكلت الدورية الثلاثية الموقعة بين وزير العدل ورئيس النيابة العامة والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في دجنبر 2021 التي تم بموجبها منع المحامين من ولوج المحاكم إلا بعد الإدلاء بجواز التلقيح اختبارا حقيقيا لمدى صلابة الجسم المهني للمحاماة. حيث أظهر المحامون والمحاميات عبر ربوع الوطن قوة وشموخ مهنة المحاماة، واختاروا المرابطة أمام أبواب محاكم المملكة حاملين الشعارات المنددة بهذا القرار الجائر لمدة خمسة عشر يوما كاملة على أن يدخلوا صاغرين مطأطئي الرؤوس، أمام موقعي الدورية الثلاثية. وهو ما اضطر هؤلاء إلى التراجع عن مضمون دوريتهم والسماح للمحامين بولوج المحاكم دون قيود. وهي النتيجة التي لم يتم هضمها فكان لها ما بعدها.
- الضربة الثالثة: شكلت هجمة إدارة الضرائب من خلال مشروع قانون المالية لسنة 2023 ثالث أقوى الضربات والتي كان هدفها محاولة تفقير المحامين، والعصف بمهنة المحاماة لولا يقظة المحامين وتضحياتهم التي استمرت حوالي شهرا ونصف من التوقف التام والمستمر عن العمل. مما اضطرت معه وزارة المالية بعد شد وجذب، إلى التراجع عن مجموعة من المقتضيات الضريبية المجحفة في حق المحامين والمحاماة ليتم الخروج بأقل الخسائر.
- الضربة الرابعة: صادق مجلس النواب يوم الثلاثاء 23/07/2024 على مشروع قانون المسطرة المدنية ليؤكد بذلك الاستهداف المستمر والممنهج لمهنة المحاماة . فرغم الأصوات المنددة بما يحمله المشروع من ضرب خطير لحق المتقاضين في محاكمة عادلة بمرتكزاتها الحقوقية المتعارف عليها دوليا وفي مقدمتها مبدأ التقاضي على درجتين وحق ممارسة كافة أنواع الطعون والحق في الدفاع ومجانية التقاضي، لكن وزير العدل متسلحا بأغلبيته البرلمانية ظل متشبتا برؤيته التي حكمت المشروع وهي الحد من اللجوء إلى القضاء بكل الوسائل بما فيها تقليص اللجوء إلى حق الطعن بالاستئناف والنقض وفرض غرامات على ممارسة بعض الحقوق من قبيل الدفع بعدم القبول في حالة عدم الاستجابة له، وذلك من أجل التغلب على معضلة نقص العنصر البشري في صفوف القضاة وكتابة الضبط رغم أن الأمر يتعلق بالتزامات تقع على الدولة في مرفق حيوي لا يمكن لعجلة الدولة أن تدور بدونه. لكن تبقى المحاماة الضحية الأكبر في هذا التعديل. فالمتقاضي قد يحرم من حق الدفاع أو حق الطعن مرة واحدة في حياته بمناسبة نزاع قضائي، أما المحامون والمحاميات فإن معاناتهم ستزداد.
فبعد إغراق المهنة بأكثر من 9300 محام في ظرف خمس سنوات، وبعد إثقال كاهلهم بالضرائب، جاء المشروع ليقلص من فرص عملهم بشكل كبير، وذلك من خلال غلق باب الاستئناف أمام القضايا التي تقل قيمتها عن 30 ألف درهم وغلق باب اللجوء إلى محكمة النقض في القضايا التي تقل قيمتها عن 80 ألف درهم، وفي المقابل فتح الباب أمام السماسرة والنصابين لممارسة المساطر أمام القضاء باسم المتقاضين أمام مختلف أنواع المحاكم بما فيها الإدارية والتجارية بل وحتى أمام محكمة النقض في قضايا بعينها. وهو ما سيؤثر سلبا على جودة العدالة التي تئن تحت وطأة مجموعة من السلوكات المنحرفة، التي كان يتعين البحث عن آليات للحد منها عوض خلق بيئة خصبة لتسيدها المشهد. والأنكى من ذلك أن وزير العدل لا يرافع عن مشروعه بشكل موضوعي دفاعا عن سياسة حكومية، بل إنه أطلق في البرلمان مجموعة من التصريحات المستفزة تمثلت في كيل الاتهامات المجانية للمحامين أمام البرلمان، محاولا تصوير المحامي وكأنه بلا دور في منظومة العدالة. فهل يستعمل وزير العدل وباقي الوزراء نفس اللغة بمناسبة دفاعهم عن مشاريع قوانين تهم قطاعات مهنية أخرى؟
- الضربة الخامسة: من المنتظر أن تعرف الأيام القادمة مواجهة أخرى بين المحامين ووزير العدل حول مشروع قانون المحاماة الجديد. وهو المشروع الذي يريد من خلاله واضعوه أن يدقوا آخر مسمار في نعش المحاماة من أجل تشييعها إلى مثواها الأخير، من خلال ما يحمله من مقتضيات خطيرة تمس باستقلالية المحاماة وحصانتها وبفتح الباب على مصراعيه أمام المحامين الأجانب.
إن السر وراء هذا الهجوم المتكرر والمستمر على مهنة المحاماة ليس بريئا، ولا هو نتيجة انفعالات نفسية لحظية يقودها وزير في حكومة، بل هو سياسة مدروسة غرضها الأساسي تدمير مكانة المحاماة في الوطن والمس برمزيتها وسط أطياف المجتمع. فالمحاميات والمحامون الذين تصدوا لجبروت الدولة في سنوات الرصاص، ولا زالوا يفضحون انتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان سواء في ملف الريف أو في ملفات المعتقلين السياسيين أو ملفات حرية الرأي و التعبير، ويرافعون ضد الخروقات التي تمارس في حق المتقاضين في مواجهة كل التعسفات التي يتعرضون لها، وتصدوا لدوريتها الثلاثية التي قيدت ولوجهم للمحاكم بضرورة الإدلاء بجواز التلقيح حتى أسقطوها، وأوضحوا للمغاربة أنه لا يمكنهم سياقتهم كالقطيع للتلقيح من أجل تحقيق مصالح الشركات العالمية الكبرى المنتجة للقاح كورونا والمتعاونين معها في المغرب.
هؤلاء المحامون و المحاميات الذين يفعلون كل هذا بكبرياء وشموخ إيمانا برسالتهم الكونية تريد الدولة من خلال بعض أبواقها ممن هم على شاكلة وهبي، أن تصورهم للمغاربة بأنهم مجرد أشخاص عاديين يقومون بأدوار ثانوية يمكن الاستغناء عنها. لكن واهم من يعتقد ذلك. فالمحاماة تشكل الجناح الثاني للعدالة في كل دول العالم. ومن يريد عدالة بدون محاماة قوية في مغربنا فإنه لا يستحق أن يكون بيننا.
إن دقة المرحلة تتطلب رص الصفوف من أجل موقف مهني موحد بين جميع مكونات الجسم المهني: جمعية هيئات المحامين بالمغرب، الإطارات المهنية، عموم المحامين والمحاميات تحت شعار واحد "نكون أو لا نكون". موقف موحد لا مجال فيها للاختباء في منازلنا، بل موقف بخطى نضالية قوية ومفتوحة أمام مختلف محاكم المملكة يصل صدى مشروعية مطالبها لأعلى السلطات في البلاد".