ما الفرق بين مافيا الكوكايين بكولومبيا ومافيا المخدرات والنصب والفساد بالمغرب؟
إذا أسقطنا اللغة المختلفة بين البلدين، لا نجد أي فرق بين مافيا الدولتين. ففي كولومبيا، تم إغراق الوسط السياسي والحزبي بالأموال لشراء زعماء الأحزاب والبرلمانيين وتمويل حملاتهم للاستيلاء على الدولة. وفي المغرب، تسلل تجار المخدرات للمؤسسات التمثيلية والحزبية وأصبحوا يتحكمون في منح التزكيات وتشكيل التحالفات والخرائط السياسية.
إذا أسقطنا اللغة المختلفة بين البلدين، لا نجد أي فرق بين مافيا الدولتين. ففي كولومبيا، تم إغراق الوسط السياسي والحزبي بالأموال لشراء زعماء الأحزاب والبرلمانيين وتمويل حملاتهم للاستيلاء على الدولة. وفي المغرب، تسلل تجار المخدرات للمؤسسات التمثيلية والحزبية وأصبحوا يتحكمون في منح التزكيات وتشكيل التحالفات والخرائط السياسية.
في كولومبيا، قامت كارتيلات الكوكايين بتبييض الملايير في الفرق الرياضية وشراء الأندية. وفي المغرب، تسلل تجار المخدرات وعرابو الفساد والنصب والتزوير إلى أعرق الأندية المغربية وأكثرها شهرة.
واهم من يعتقد أن اعتقال كلا من سعيد الناصيري (رئيس نادي الوداد)، ومحمد بودريقة (رئيس نادي الرجاء) مسألة معزولة. إن اعتقال الناصيري وبودريقة ينهض كجرس إنذار عن مدى الفساد المستشري بالمغرب والمخاطر التي تتهدد المنظومة المؤسساتية الدستورية (من أحزاب وبرلمان وجماعات)، وكذا المنظومة الرياضية من احتمال أن تسقط كلها بيد مافيا المخدرات والفساد، وبالتالي التحكم في كل مفاصل الحياة اليومية للمغاربة: تشريعا وتدبيرا وترفيها؛ أي بدل أن تكون المؤسسات الدستورية والأندية الرياضية في خدمة المغرب والمغاربة، تصبح آلة في خدمة مافيا المخدرات ومافيا النصب والفساد والتزوير.
ففي كولومبيا لما استولت كارتيلات الكوكايين على الأندية الرياضية، لم تقم بذلك حبا في الرياضة والرياضيين، بقدر ما كان الغرض هو تحويل الأندية الكولومبية إلى وعاء لتبييض عائد المخدرات، عبر التلاعب في قيمة صفقات انتقال اللاعبين وتذاكر المباريات والأجور وصيانة الملاعب وشراء الحكام وغيرها، لدرجة أن الظاهرة جعلت الباحثين يطلقون عليها Narco-Foot.
وأشهر عمليات زواج مافيا الكوكايين بالأندية الرياضية في كولومبيا، نذكر بعض الحالات:
1. استيلاء "بابلو إيسكوبار" Pablo Escobar (أكبر بارون للكوكايين في العالم منذ أواسط سنوات السبيعينات إلى سنة مقتله عام 1993) على نادي Atlético Nationl، بمدينة medellin ثاني كبرى مدن كولومبيا. فضلا عن استيلائه على الفريق المحلي الخصم بنفس المدينة، ألا وهو نادي: Deportivo Independiente Medellin.
الفريقان معا كانا يلعبان في نفس الملعب الذي كان يتحكم فيه "إيسكوبار"، وهو ملعب Anastasio Girardot.
الفريقان معا كانا يلعبان في نفس الملعب الذي كان يتحكم فيه "إيسكوبار"، وهو ملعب Anastasio Girardot.
2. استيلاء البارون Rodriguez Gacha على فريق Millanarios، أعرق فريق بالعاصمة بوغوتا.
3. استيلاء الإخوة المافيوزيين Gilberto et Miguel Rodriguez على نادي América de Cali، الفريق الرئيسي بمدينة Cali، ثالث كبرى مدن كولومبيا.
4.استيلاء بارون المخدرات Julio Alberto Lorano على العديد من أندية الدرجة 1و2 من قبيل: Santa-fe ونادي Atlético Juventud Soacha Fc ونادي Elexpreso Rojo وكذا L'Esmeraldas Futbol Club.
الحجة على تبييض أموال المخدرات في الأندية الرياضية، برزت للعيان بعد نجاح سلطات كولومبيا في تجفيف مافيا الكوكايين وتفكيك كارتيلات مدينتي Cali وMidellin بعد مقتل إيسكوبار. إذ في منتصف التسعينيات من القرن العشرين، أفلست العديد من الأندية، ووجدت أندية أخرى نفسها في ضائقة مالية بسبب تراكم الديون وصعوبة سداد الأجور الخيالية للاعبين (كان اللاعبون يتقاضون أجورهم الباهضة بالدولار!)، وعدم القدرة على صيانة المنشآت الرياضية، بسبب توقف ضخ أموال الكوكايين في خزينة الأندية بكولومبيا، خاصة وأن بارونات المخدرات كانوا يضخون الملايير نقدا Cash، بل ويتباهون ويتسابقون لمعرفة من ضخ الملايير أكثر من البارون الآخر.
ليس هذا وحسب، بل وتدحرجت رتبة البلد في تصنيف الفيفا، إذ انتقلت كولومبيا من الرتبة 4 إلى الرتبة 34 عالميا.
وأمام هذا الاندحار والتآكل الذي تعرضت له الأندية، بادر الرئيس الكولومبي Juan Manuel Santos (حصل على جائزة نوبل للسلام بعد توقيع اتفاقية مع قوات Farc) إلى إصدار قانون عام 2010 يسمح للأندية بالتحول إلى شركات لجلب المستثمرين. لكن شريطة أن يثبت كل مستثمر بأي ناد رياضي مسارب ثروته ومصادرها عبر الحصول على إبراء الذمة من خلية تبييض الأموال بوزارة المالية الكولومبية، تحت طائلة منعه من أن يكون ضمن مسيري النادي.
ليست كولومبيا بحالة معزولة، إذ كادت إسبانيا أن تشهد نفس الوضع بعد تسلل بارون المخدرات المشهور، وهو Sito Minanco. هذا الأخير اشترى نادي Juventud Gambados بمنطقة Galice. إذ رغم كون المدينة صغيرة (13.000 نسمة) ورغم أن هذا النادي كان في القسم الثالث، إلا أن هذا الأخير توفرت له موارد مالية هائلة جدا (متأتية من الكوكايين) مكنته من شراء اللاعبين بأغلى الأسعار ومنحهم أجورا فلكية، بشكل جعل الفريق يحرق كل المراحل ويصبح قاب قوسين أو أدنى من الصعود إلى القسم الأول، لولا أن البوليس الإسباني انتبه إلى الأمر، ووضع بارون المخدرات Sito تحت الرادار في مطلع التسعينيات، بشكل أدى فيما بعد إلى تفكيك امبراطورية الكوكايين بمنطقة galice واعتقال البارون Sito Minanco، لتتوالى تراجعات النادي، الذي عاد إلى حجمه الطبيعي بعد توقف تدفق أموال الكوكايين!
بلادنا اليوم أصبحت في أمس الحاجة إلى إرادة فعلية لوضع حد لهذه المافيات وباروناتها الذين تسللوا إلى الجسم الرياضي واخترقوا الأحزاب السياسية وأصبحوا يتحكمون في عدد من المؤسسات الدستورية. وكل تردد أو تأخر ستكون له عواقب وخيمة على البلاد والعباد والدولة ومؤسساتها.