حسب لغة الأرقام الرسمية التي لا تحتمل قراءات موجهة أو سياسية التي أصدرتها المندوبية السامية للتخطيط والمؤسسات الدولية، فقد ارتفع معدل البطالة من 11,8 في المائة إلى 13,0 في المائة على المستوى الوطني. حيث أفادت المندوبية السامية للتخطيط بفقدان الاقتصاد الوطني 157 ألف منصب شغل، نتيجة فقدان 198 ألف منصب بالوسط القروي، مقابل إحداث 41 ألفا بالوسط الحضري بعد فقدان 24 ألف منصب سنة قبل ذلك.
كما أن التراجع كان سمة ملازِمةً أيضاً لـ ”معدل الشغل” بالمغرب في السنة الماضية، لينخفض من 39,1 في المائة إلى 38 في المائة على المستوى الوطني (أي ناقص 1,1 نقطة)، مسجلا بذلك تراجعًا بــ 2,2 نقطة بالوسط القروي (من 46,5 في المائة إلى 44,3 في المائة) وتراجع بـ 0,5 نقطة بالوسط الحضري (من 35,3 في المائة إلى 34,8 في المائة). كما لوحظ تسجيل هذا المعدل انخفاضا حسب النوع الاجتماعي بـ 1,4 نقطة في صفوف الرجال وبـ 0,9 نقطة في صفوف النساء.
كما نسجل عدم وفاء الحكومة بوعودها بزيادة 2.500 درهم في أجرة بداية مسار الأستاذ التي تم التعهد بذلك في البرنامج الحكومي 2021-2026، وقد بلغت نسبة الأسر التي صرحت بتراجع مستوى المعيشة خلال 12 شهرا السابقة 87 بالمائة، فيما اعتبرت 9,2 بالمائة منها استقراره و3,8 بالمائة تحسنه. ناهيك على أن أكثر من نصف الأسر (57,9 بالمائة) تتوقع تراجع مستوى المعيشة خلال سنة 2024.
فشلت الحكومة فشلا ذريعا في تدبير الملفات المتعلقة بالاحتجاجات حيث أخلفت وعود البرنامج الحكومي في زيادة 2.500 درهم للأساتذة وتعاملت باستهتار مع أسس ومبادئ العمل المؤسساتي مثل التلاعب الذي شاب مباراة المحاماة والطريقة غير المسؤولة لمعالجته أو استخفاف رئيس الحكومة علنا وفي جلسة دستورية بمبدأ الأجر مقابل العمل...؛
وسقطت الحكومة في أخطاء تدبيرية وتواصلية أدت إلى تضييع الزمن المدرسي وإلى شهور من تأجيج الاضطرابات والاحتجاجات، وهي نفس المنهجية التي سلكتها مع طلبة الطب والصيدلة حيث وبالإضافة إلى غياب الحوار والإنصات والسعي إلى إيجاد الحلول المناسبة لجأت الحكومة إلى التصعيد واتخاذ قرارات تأديبية وتحكمية لا تحترم التمثيلية الطلابية واستقلالية الجامعة.
كما نسجل تنزيلا مضطربا من لدن الحكومة لورش تعميم الحماية الاجتماعية، إذ بعد قرار الحكومة الحالية في نهاية 2022 بتحويل 04 مليون من الأسر المستفيدة من نظام المساعدة الطبية المجانية "راميد" إلى نظام التأمين الأساسي عن المرض "تضامن"، والشروع في تسجيل المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا في نظام التأمين الأساسي عن المرض القائم على الاشتراك، فإن النتيجة هي ما يلي:
1- تسجيل 23,10 مليون مستفيد ومستفيدة إلى حدود شتنبر 2023، في نظام التأمين الأساسي الإجباري عن المرض "تضامن"، باعتبارهم أشخاصا غير قادرين على أداء الاشتراك؛
2-إقصاء ما يفوق 08 مليون مواطن ومواطنة من الاستفادة من نظام التأمين الأساسي عن المرض «تضامن»، من الذين كانوا يستفيدون سابقا من نظام المساعدة الطبية المجانية «راميد»؛
3-تحميل ميزانية الدولة مبلغ 5,9 مليار درهم سنويا للتكفل ب 23,10 مليون مستفيد ومستفيدة فقط، عوض 2 مليار درهم سنويا سابقا كان يستفيد بموجبها 18,44 مليون من نظام المساعدة الطبية المجانية «راميد»؛
4-تسجيل 87,1 مليون فقط كمنخرطين رئيسيين في نظام التأمين الأساسي عن المرض القائم على الاشتراك في فئة المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا، من أصل 03 مليون من المستهدفين؛
والمحصلة، هي أن الذين لهم الحق في الاستفادة الفعلية من الخدمات الصحية في إطار نظام التأمين الأساسي الإجباري عن المرض، إلى حدود 30 شتنبر 2023، هم 10,23 مليون + 266.000، في مقابل 18,44 مليون كانوا يستفيدون سابقا من المساعدة الطبية المجانية "راميد" إلى حدود 2022.
وفي ظل هذه الأوضاع المأزومة، ما فتئنا في الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب نطالب الحكومة في جميع بيانات مكتبنا الوطني، بضرورة تحمل مسؤوليتها الاجتماعية باتخاذ إجراءات استثنائية عاجلة تهم دعم القدرة الشرائية من خلال الزيادة العامة في أجور الموظفين والمستخدمين ومعاشات المتقاعدين والأرامل وذوي الحقوق، وتحسين دخلهم عبر التخفيض الضريبي.
كما شددنا مرارا على ضرورة إقرار ضريبة استثنائية على الأرباح المهولة لشركات المحروقات لإعادة توزيعها على الأوراش الاجتماعية، واعتماد ضريبة عامة على الثروة، والتعجيل بالتسقيف المرحلي للأسعار… حماية للسلم والتماسك الاجتماعيين.
كما أن مطلب الزيادة الفورية والعامة في الأجور ومعاشات المتقاعدين يبقى ضمن الإطار أعلاه مشروع وعاجل ومؤكد دون مساومات، أو ربط بملفات أخرى (ملف إنقاذ التقاعد، قانون الإضراب، القانون الإطار للنقابات...)... وقد أكد الاتحاد أيضا على ضرورة طرح الملفات الفئوية (التقنيين، المتصرفين، الدكاترة، المهندسين والمعماريين، الدرجة الجديدة لباقي الفئات الإدارية) على طاولة المفاوضات لإيجاد صيغ مقبولة وعادلة في إطار إصلاح شمولي للنظام الأساسي للوظيفة العمومية.
وكنا ننتظر من الحكومة إجراءات قوية للتحكم في الأسعار وضبط التضخم والزيادة العامة في الأجور والإصلاح الجبائي انطلاقا من مخرجات المناظرات الوطنية السابقة، بالإضافة إلى إيجاد حلول جذرية للملفات الفئوية الخاصة بالتقنيين والمتصرفين والدكاترة والمهندسين والمعماريين... كما طالبنا بإجراءات لضمان الأمن الطاقي، وعلى رأسها حل إشكالية مصفاة لاسمير، أو أي مقترح عملي آخر.
ولكن، يبدو أن الحكومة الحالية تدبر ميزانية البلاد بمنطق محاسباتي ورقمي جامد، وكأننا نعيش ظروفا عادية ولا نخشى من أي تأثير داخلي أو خارجي على الوضع الاجتماعي بالبلاد، ولا ضرورة للجوء إلى إجراءات استثنائية لضمان التطويق الاستباقي للقلاقل الاجتماعية التي تؤثر على الاستقرار وعلى استدامة الاستثمار.
أنس الدحموني، مقرر الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب