الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

إدريسي فاطمة الزهراء: تبخيس المؤسسات الدستورية في عهد حكومة "الكفاءات"

إدريسي فاطمة الزهراء: تبخيس المؤسسات الدستورية في عهد حكومة "الكفاءات" إدريسي فاطمة الزهراء
في فصل جديد ينضاف إلى رواية الصمت المدقع للحكومة تحت عنوان "نحن نعمل ولا نتكلم"، شهد مجلس النواب يوم الإثنين الماضي أحداثًا سافرة على البث المباشرة أدهشتنا جميعًا بوقاحتها الفائقة، فبعد "الأحد الأسود " لم نكن نتوقع أن نعيش "الإثنين الأسود" فرفض الحكومة الاستجابة لطلبات الفرق البرلمانية وخصوصا المعارضة منها لمناقشة الاحتقان الذي تعيشه كليات الطب والصيدلة منذ شهور، خصوصا ونحن على مشارف سنة بيضاء.،وبعد رفض أي شكل من أشكال الوساطة التي إقترحتها فرق المعارضة هاهي الحكومة تبالغ في تعنتها وترفض أي نقاش مؤسساتي بمبرر أنها ليست مستعدة للتفاعل مع هذا الموضوع الحساس ، فغاب الوزير الوصي عن القطاع  عن أشغال الجلسة الاسبوعية المخصصة للأسئلة الشفهية وغابت معه الحقيقة التي ربما لا يمتلكها حول مصير أطباء المستقبل ،مما لم يبق أي خيار لفرق المعارضة الا خيار  الانسحاب من جلسة باردة لا تستحضر حرارة هذا الموضوع  الذي تكوى به قلوب اباء وأولياء  الطلبة الأطباء، كرد على تعنت حكومة أخنوش واحتقارها المتواصل للمؤسسة التشريعية ولدورها الرقابي والتقييمي، وفي إزدراء تام لكل من كان يتابع أطوار  الجلسة من عامة الشعب.

ما حدث يوم الإثنين يدفعنا  كمواطنين للتساؤل : ما الجدوى من البرلمان؟ ما الفائدة من العمل السياسي ككل؟ لما أهلكنا أنفسنا في الجامعات بكل تلك المحاضرات والعروض حول الدستور والمؤسسات والوسائط؟؟؟؟ثم الأهم من ذلك إذا كانت الحكومة لا تكثرت بنواب الأمة من المعارضة الذين يمثلون هيئات سياسية وطنية لها مكانتها ودورها في البلد فكيف ستكثر ت لنا كمواطنين لاحول ولا قوة لنا ؟؟!

كما هو الشأن بالنسبة للعديد من المواطنين وعائلات الطلبة كنا ننتظر  بشوق كبير هذه الجلسة علنا نحظى بجواب  او نتلقى إشارة من الحكومة تحمل ولو قليلا من الأمل لحل هذه الأزمة التي عمرت طويلا. 

هؤلاء الطلبة الذين ليسوا سوى أبناء هذا الوطن الذي يضمن لهم أو بالأحرى يتضمن دستور بلدهم الحق في التعليم إذ ينص الفصل 31 على : " تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين على قدم المواساة من الحق في ..الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة".

غير أن حكومة الكفاءات لا تستند إلى الدستور ومقتضياته إلا فيما  يهمها بالذات ، ولا تفهم منه اسوى حصولها على أغلبية مريحة تستأسد بها على المعارضة وعلى المؤسسات وحتى المواطنين أحيانا.

وإذا كانت جلسة يوم الإثنين  فرصة لطمأنة الطلبة وعائلاتهم وتقديم مقترحات وحلول من طرف الحكومة للخروج من هذا النفق المظلم .فإنها للأسف آثرت الصمت والهروب إلى الأمام ضاربة بأي بصيص أمل مفترض عرض الحائط، وفي خرق سافر للدستور، ودون مراعاة مشاعر شريحة واسعة من الأسر المعنية بهذا الأمر. 

وليس هناك أشد على الناس من حرمانهم من الأمل، والحكومة بتعنتها لم تقس فقط على طلبة الطب وعائلاتهم، بل أحيت بداخلنا الخوف على مؤسساتنا الوطنية المفروض فيها القيام بدور الوسيط لتؤكد لنا مرة أخرى بأنها تؤمن فقط بلغة الضغط فاتحة الباب لإحتجاجات الشارع عوض حوار المؤسسات.معرضة البلاد والعباد لإحتقان إجتماعي غير مسبوق وغيرمحسوم النتائج.

نحن أمام حكومة مستعدة للعبث بالسلم الاجتماعي فأغلبيتها العددية بقبة البرلمان أوهمتها أنها قادرة على فعل كل شيء وأي شيء في خرق لضوابط وقواعد العمل السياسي النظيف.
 
وأمام هذا المشهد غير المسؤول للحكومة، وبعيدا عن الحديث عن دستور 2011 وما جاء به لتعزيز وتقوية المؤسسات وضمان فصل السلط وتكاملها، والخوض في النظام الداخلي للمجلس، ولكن بمنطق  المواطن البسيط الفاقد للثقة في العمل السياسي والحزبي …..كيف لنا أن نقنعه بنجاعة مشاركته السياسية وما هو العرض الذي بقي لنا بعد الذي يقع أن نقدمه من أجل الانخراط في العمل الحزبي ،وهو لا يرى ولا يجد أي صدى لمعاناته داخل المؤسسة التشريعية والتي من المفروض فيها أن تحتضن نوابا يمثلونه وينقلون همومه بقدر الثقة التي جعلوها أمانة في رقابهم. إلى من يشتكي حاله وويلاته وهو يرى رفض الحكومة سماع ممثليه. لتكون الإجابة البديهية هي "المشكى لله الواحد الاحد القهار ".
 
 إذن  مرة أخرى نتساءل ما الفائدة من المؤسسات، من الأحزاب، والانتخابات؟ وعندما يتم تغييب دور الوسائط فمن سيواجه الشعب غذا؟
 
هل بهكذا  تعنت سنعيد ثقة المواطنين وخصوصا الشباب منهم في العمل السياسي؟ أبهكذا عجرفة سنرد الاعتبار للعمل السياسي الملطخ بسلوكات دخيلة على الديمقراطية التي اسسنا لها منذ عقود،  ولدور المؤسسات التي أصبحت تنتهك حرمتها نهارا جهارا ؟ كيف لنا أن نعبئ المواطنين للإنخراط بل ولإنجاح الأوراش الكبرى المقبلة عليها بلادنا؟
 
مخطئ من يعتقد أن المواطن مغلوب على أمره و مشغول بالبحث عن قوته اليومي الذي أصبح يفوق قدرته الشرائية المتجاوزة بسبب الإرتفاع المهول في الاسعار، إرتفاع طال جميع المواد والسلع حتى تلك التي لا تستورد من أوكرانيا والبريئة من الكوفيد وتداعياته والجفاف وانعكاساته. المواطن تواق إلى الحرية والكرامة ومتطلع إلى توسيع الأفق ورفع سقف حقوقه وحرياته كما يكفلها له الدستور. المواطن واع وله حس وطني كبير يحمله على تحمل لهيب الاسعار في سبيل الحفاظ على السلم الاجتماعي وسلامة البلد لأنه على دراية بالتحديات الكبرى التي تواجهها بلادنا، كذلك لأنه مدرك ، أكثر من حكومة أخنوش، بعقبات وعواقب المس بالسلم الاجتماعي.
 
هذه الحكومة للأسف تفتقد هذا العمق السياسي وقد تجسد ذلك في مقاربة تعاملها مع الاحتجاجات التي عرفتها مجموعة من القطاعات و لا سيما أزمة قطاع التعليم ، لتؤسس بذلك لمنطق جديد  وغريب عن بلادنا يتمثل في من يصرخ عاليا بالشارع تستجاب مطالبه، ضاربة عرض الحائط دور الوسائط التقليدية وفي تجاوز وتجاهل للمؤسسات. فعوض سلك سبيل التهدئة و نهج لغة الحوار تفضل خيار الصمت متوهمة أن كم من حاجة قضيناها بتركها ،مما أفقد النخبة ،على قلتها ، قبل العامة الأمل في ممارسة سياسية سليمة تنتصر لروح دستور 2011.
إدريسي فاطمة الزهراء ، عضو المكتب السياسي لحزب الحركة الشعبية