الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

سعيد الكحل: أوروبا بين فكّي التطرف اليميني والتطرف الإسلاموي (2/3)

سعيد الكحل: أوروبا بين فكّي التطرف اليميني والتطرف الإسلاموي (2/3) سعيد الكحل
خطر التطرف الإسلاموي في أوربا
تشكل الجماعات الإسلاموية المتطرفة المصدر الأكثر خطورة في أوروبا، سواء على مستوى تهديد سلامة الأفراد أو الجرائم الالكترونية. ففي السويد، انتقل عدد المتطرفين الإسلامويين من بضع مئات إلى (2000) في جميع أنحاء السويد، يتمركزون بشكل أساسي في “ستكهولم، غوتنبرغ ومالمو”. والخطير في الأمر هو تسرب هؤلاء المتطرفين إلى المؤسسات التعليمية الحكومية حيث قُدّر عددهم سنة 2023 بحوالي 21 عنصرا. وكشفت تقارير الاستخبارات الأوروبية ـ البلجيكية، وهيئة تحليل التهديدات OCAM لعام 2022، عن تزايد تهديدات “الجماعات الإسلاموية المتطرفة”. فعلى سبيل المثال تلقت بلجيكا (218) تهديداً في نفس السنة. أما بريطانيا فقط احبطت (1832) مخططا إرهابيا إسلامويا وفق مؤشر الإرهاب 2022. وقد تزايد خطر الإرهاب نتيجة حرب غزة، حيث أصدر جهاز “MI5” ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) تحذيرا مشتركا غير مسبوق من خطر وقوع هجوم إرهابي محلي. ومن جهتها أشارت وزارة الداخلية البريطانية إلى أن التهديد الإرهابي للجماعات الإسلاموية هو “الأكثر خطورة” في المملكة المتحدة. الأمر الذي أجبر جهاز الاستخبارات الداخلية (MI5) على تخصيص (75%) من جهوده لمحاربتها. وتجدر الإشارة إلى أن التقرير البريطاني الصادر في الثامن من فبراير 2023، أشار إلى أنه “من الصحيح أن يشعر بريفنت (برنامج مكافحة الإرهاب البريطاني بريفنت  (prevent)بقلق كبير بشأن التهديد المتزايد من اليمين المتطرف. لكن الحقائق تظهر بوضوح أن التهديد الأكثر فتكا في الـ(20) عاما الماضية جاء من الإسلاميين، وهذا التهديد مستمر”.

وبحسب وكالة المخابرات الهولندية AIVD ، فإن المخابرات الغربية منعت ما لا يقل عن 10 هجمات إرهابية في جميع أنحاء أوروبا في عام 2023. وفي فرنسا يتعاظم الخطر بسبب وجود (5273) إسلامويا متطرفا محتملا. وهذا الذي يفسر إحباط (41) هجوما إرهابيا متنوعا منذ عام 2017 حتى العام 2023. كما أحبطت السلطات البريطانية، سنة 2023، ما لا يقل عن (39) هجوما من تخطيط متطرفين إسلامويين، و(15) مخطّطا لخطف أو قتل بريطانيين، فضلا عن فتح شرطة مكافحة الإرهاب البريطانية التحقيق مع (800) متطرف إسلاموي. أما في بلجيكا، وحسب مركز تحليل التهديدات الحكومي، فإن عدد الأفعال الإرهابية المحتملة قد ازداد بنسبة 41 بالمائة، إذ انتقل من 236 حالة عام 2022 إلى 332 حالة عام 2023.

أما بخصوص الهجمات الالكترونية، فإن أوروبا تواجه تهديدا إلكترونيا دائما وكبيرا، بحيث ارتفع عدد حوادث الجرائم الإلكترونية. فقد تعرضت، مثلا، في بريطانيا بين أكتوبر من عام 2022 وأبريل من عام 2023، ما مجموعه (11%) من الشركات، و(8%) من المؤسسات لهجمات إلكترونية، وارتفعت هذه النسبة إلى (26%) من الشركات المتوسطة، (و37%) من الشركات الكبيرة، و(25%) من المؤسسات ذات الدخل المرتفع. وشهدت بدورها بلجيكا خلال العام 2023 هجمات إلكترونية، حيث أحصت السلطات أكثر من (58400) جريمة وتهديد.
أما في الدنمارك فقد تم رفع حالة التأهب الأمني إلى أعلى مستوى منذ حوادث حرق المصحف. إلا أن الحرب على غزة عقّدت الوضع أكثر حسب بيان للاستخبارات الدنماركية (PET) جاء فيه: "إن الصراع ينطوي على إمكانات كبيرة للتطرف والتعبئة، يمكن أن تدفع الجهات الفاعلة المحتملة إلى التصرف بشكل مخطط أو عفوي في الدنمارك، وهذا يشمل الهجمات الإرهابية".

التطرف اليميني في مواجهة التطرف الإسلاموي. إن حالة الخوف التي أصابت الشعوب الأوروبية بسبب مظاهر التطرف الإسلاموي التي تجتاح مجتمعاتها ولّدت لديها عداء لكل مظاهر التأسلم والتطرف الديني الإسلاموي، خصوصا وأن خطر الإرهاب يتعاظم. واستغلت الأحزاب اليمينية هذه الوضعية، في إطار الصراع السياسي والتنافس الانتخابي، مبلورة خطابا شعبويا معاديا للمسلمين عموما، وللمهاجرين على وجه الخصوص. فقد تمكّن اليمين الأوروبي المتطرف من تشكيل هياكل تنظيمية وتيارات شعبوية بعد أن كان يمثل مجموعات محدودة وأفراد "مهمشين" سياسيا. إن استغلال أحزاب اليمين موجة الإسلاموفوبيا عجّلت صعوده سياسيا في عدد من دول أوروبا حيث فازت بالمركز الأول في فرنسا وإيطاليا والنمسا، وحلت ثانية في ألمانيا وهولندا. الأمر اضطر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى حل الجمعية الوطنية وتنظيم انتخابات تشريعية جديدة للدورة الأولى في 30 يونيو، والتي احتل فيها حزب ماري لوبين (RN) التجمع الوطني، بالمرتبة الأول بنسبة 33%، والدورة الثانية في السابع من يوليو2024.

أما ألمانيا، فتشهد توسعاً لليمين المتطرف، إلى حد وصفته الاستخبارات الألمانية ب "الانقلاب المسلح"، بعد افشالها، يوم 7 دجنبر 2022، مخطط الهجوم على البرلمان باستخدام السلاح والمتفجرات، الذي أعدّته منظمة "مواطنو الرايخ" التي تشتهر بمعاداتها للسامية، وعنصريّتها تجاه الأعراق والمعتقدات الدينية. وتضم هذه المنظمة، حسب تقرير وزارة الداخلية الألمانية في 27 يونيو 2022، حوالي (34) ألف عنصر متطرف موجود في ألمانيا، من بيهم ما يزيد (500) متطرف يميني مطلوبين للعدالة وفق تقرير مؤشر الإرهاب في أوروبا 2022. فقد نشرت الرابطة الفيدرالية للأبحاث والمعلومات حول معاداة السامية في ألمانيا تقريرًا مثيرًا للقلق يوم 25 يونيو 2024، يفيد بزيادة حادة بنسبة 83% في حوادث معاداة السامية خلال عام 2023. إذ سجلت البلاد 4782 شكوى حول معاداة السامية، بواقع 13 شكوى يوميًا في المتوسط. وبحسب دراسة ألمانية صدرت في 7 نونبر 2023، تعرض (81) مسجداً لاعتداءات، ووقعت (50) من هذه الاعتداءات عقب الحرب على غزة، وأصبح (40%) من المسلمين عرضة للتمييز بسبب الديانة. بينما بلغ عدد الإحالات إلى برنامج الوقاية من التطرف في بريطانيا حوالي (1309) بنسبة (20%). ومنذ تصعيد الصراع بين حماس وإسرائيل، بلغت نسبة الاعتداءات بدافع كراهية المسلمين إلى (140%) مقارنة مع الفترة نفسها العام 2022. وحسب تقرير التحالف المناهض لمعاداة المسلمين “كليم Claim” المدعوم من وزارة الأسرة الاتحادية، الذي نُشر يوم 24 يونيو 2024، فإن معدل الحوادث المعادية للإسلام والمسلمين يعادل أكثر من خمس حالات يوميا، ما يعني أن عدد هذه الحوادث زاد بأكثر من الضعف مقارنة بعددها في عام 2022.

إن خطر التهديدات التي يشكلها اليمين المتطرف في أوروبا في تزايد، الأمر الذي حذرت منه السيدة “إيلفا جوهانسون” المفوضة الأوروبية للشؤون الداخلية، في أكتوبر 2023. كما حذر التقرير السنوي لهيئة حماية الدستور الألمانية من الارتفاع “الحاد” في نسبة المتطرفين ذوي الميول العنيفة بالبلاد (أكثر من (14%) خلال سنة واحدة). وسبق لوزارة الداخلية النمساوية، في العام 2023، الكشف عن وقوع (5865) جريمة كراهية بخلفية “دوافع أيديولوجية” ضد الأجانب سنة 2022 وذلك بزيادة (7%).

أما في بريطانيا فقد ارتفعت نسبة الاعتداءات بدافع كراهية المسلمين إلى (140%) سنة 2023 مقارنة مع العام 2022؛ كما كشفت الإحصائيات خلال العام 2023 (19) نظرية تستند إليها جماعات اليمين المتطرف وأنصارها، تتراوح بين العداء للديمقراطية، وكراهية الأجانب، والإسلاموفوبيا ومعاداة السامية.

أعباء أمنية متزايدة لمواجهة خطر التطرف اليميني والإسلاموي
إن تزايد خطر التهديدات الإرهابية، اليمينية والإسلاموية، يفرض على الحكومات الأوروبية تحمل الأعباء الأمنية لمواجهة الخطر. ففي بريطانيا، يخصص جهاز الاستخبارات (75%) من جهوده لمواجهة تلك التهديدات. وكلما تزايدت أعداد المتطرفين إلا وشكلت أعباء إضافية على الأجهزة الأمنية. ففي فرنسا مثلا، يوجد حوالي (26) ألف ممن يرجح أنهم يشكلون خطرا على الأمن القومي الفرنسي ضمن “قائمة أس” ضمنهم (10) آلاف متطرف إسلاموي تم استقطابهم عن طريق بعض المساجد التي تسيرها جمعيات متطرفة أو عن طريق الإنترنت، أو داخل السجون. وقد فرض حادث مقتل الأستاذ دومينيك برنارد طعنا بالسكين، يوم 13 أكتوبر 2023، على الحكومة الفرنسية رفع خطة اليقظة “فيجيبيرات” ( تم وضعها سنة 2018  وتنص على فرض تدابير لمكافحة الإرهاب فور وقوع اعتداء، لفترة زمنية محددة إلى أن تتم معالجة الأزمة) إلى مستوى “الهجوم الطارئ”، حيث قامت المديرية العامة للأمن الداخلي، بزيادة قوتها العاملة بنسبة (50%) لتتجاوز خلال العام 2023 (5) آلاف عنصر، وعززت من إجراءاتها الأمنية في المطارات وكذلك في القطارات. وقد تمكّنت السطات الفرنسية منذ عام 2017 وحتى العام 2023، من إحباط (10) هجمات إرهابية محسوبة على اليمين المتطرف، كما شهدت، منذ الحرب على غزة، (1159) عملا معاديا للسامية.