نتائج الانتخابات التشريعية الفرنسية هي تحدٍ بالنسبة لرئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون، في تشكيل الحكومة التي يعمل معها على ضوء نتائج الانتخابات.
وهذا يعود لكون هذا الأخير فقد الأغلبية المطلقة التي كان يستند إليها في الجمعية الوطنية. الأمر الذي يفتح سيناريوهات مختلفة لكنها كلها مرفوقة بتحديات صعبة:
أولاً- حكومة موسعة
أمام رئيس الجمهورية: سيناريو تشكيل حكومة موسعة تضم أحزاباً من الوسط واليمين المعتدل. لكن هذا السيناريو يتطلب تسويات صعبة تستلزم تنازلات من طرف جميع القوى المشاركة، ويبقى مهدداً بعدم الاستقرار الحكومي، وما في ذلك من تأثير على تمرير مشاريع القوانين.
ثانياً- تشكيل حكومة أقلية:
يمكن لرئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون الاتجاه في إطار تشكيل حكومة ذات أقلية في الجمعية الوطنية بالاستناد على دعم الأحزاب القريبة لتمرير مشاريع القوانين، ومقارنة بالسيناريو الأول فإن هذا الاتجاه يهدد بدوره استقرار الحكومة بفعل عدم انسجامها؛ وقد يؤثر على تمرير المشاريع الحكومية وتنفيذ برامجها.
ثالثاً -تشكيل حكومة مكونة من ائتلاف أحزاب اليمين التقليدي:
وإن كان هذا السيناريو يمكّن من تشكيل حكومة مكونة من تحالف مع حزب الجمهوريين اليميني يخول للحكومة الاستناد على أغلبية مريحة، غير أن هذا السيناريو قد يجعل ماكرون رهينة لتبني سياسات أكثر يمينية، قد يفقد معها قاعدته الانتخابية.
رابعاً- تشكيل حكومة وحدة وطنية:
تشكيل حكومة وحدة وطنية هو استثناء لا يكون إلا عند حدوث أزمات كبرى، الغاية منها إشراك الجميع في تجاوز الأزمة.
صحيح أن الواقع الحالي يُظهر أن هناك العديد من التحديات التي تعرفها فرنسا نتيجة التغيرات الجيوسياسية، وسيادة عدم اليقين على المستوى الاقتصادي والجيوسياسي، غير أن اللجوء لحكومة وحدة وطنية يُصوّر أن فرنسا تمر بضعف، لهذا فإن الرئيس إيمانويل ماكرون والمحيطين به سيترددون كثيراً في الدفع بهذا الاختيار المتمثل في تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم شريحة واسعة من الأحزاب.
لكون هذا الاختيار يُضعف رئيس الجمهورية سياسياً ويصوره على أنه غير قادر على إدارة الوضع السياسي الحالي. وهو الذي يسعى للحفاظ على دوره القيادي القوي، ويعتبر هذا الخيار تهديداً لنفوذه وقدرته على توجيه السياسة الفرنسية.
وأول تحدٍ سيواجهه ماكرون هو توزيع المناصب الحكومية، إذ سيضطر إلى إعطاء المعارضة قطاعات وزارية وازنة تعمل على تقويتها وإضعاف رئيس الجمهورية.
عبر تضييق اختصاصاته وتقييد حريته في اتخاذ القرارات، ومواجهة المتغيرات ويبقى رهينة لباقي الأحزاب السياسية، يصعب معها سد الفجوات المتواجدة بين حزب إيمانويل ماكرون وباقي الأحزاب مما يجعل هناك فجوة كبيرة بين برنامجه الإصلاحي الوسطي وبرامج اليسار الراديكالي واليمين المتطرف واسعة للغاية. ومحاولة الجمع بينهما في إطار حكومة وحدة وطنية قد يؤدي إلى احتباس سياسي ويفاقم الأزمة بدل حلها لكونه قد يجعل الحكومة مشلولة.
وما في ذلك من تأثير على الصورة التي يحاول إيمانويل ماكرون رسمها لنفسه بكونه قائداً وسطياً إصلاحياً.
وختاما فان الحديث عن سيناريو واحد في تحليل تشكيل الحكومة الفرنسية يتجاهل التعقيدات الحقيقية للنظام السياسي الفرنسي ويفشل في تقديم صورة دقيقة وشاملة للعملية السياسية. والنهج العلمي الصحيح يتطلب دراسة مجموعة واسعة من السيناريوهات المحتملة، مع الأخذ في الاعتبار جميع العوامل المذكورة أعلاه وغيرها.
رشيد لزرق، أستاذ القانون العام كلية الحقوق جامعة ابن طفيل القنيطرة