حقق تحالف اليسار المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية السابقة لا ونها بفرنسا، متقدما على الكتلة الرئاسية واليمين المتطرف وحلفاؤه وهي نتائج لم تكن متوقعة حسب اغلب دراسات الراي التي تمت الأسبوع الماضي، حيث جاء تحالف الجبهة الشعبية الجديدة في المقدمة، لكن دون أن تحصل أي كتلة على غالبية مطلقة في الجمعية الوطنية. ورغم ان اليسار والجبهة التي شكلها لم تحقق الأغلبية المطلقة التي تسمح بالحكم، فانه تمكن من قطع الطريق على الشعبوية التي كانت تسير نحو الانتصار وحكم فرنسا.
واستمرت الاحتفالات بالعديد من المدن الفرنسية ليلة الاحد سواء بمدن ليل، ليون، مرسيليا، بوردو احتفالا بهزيمة الشعبوية خاصة بساحة الجمهورية بالعاصمة باريس، حيث صوت الفرنسيون واليسار ليس على اغلبية بل على قطع الطريق على الجبهة الوطنية العنصرية. وهو ما يجعل منها انتخابات تاريخية بفرنسا، فخلال شهر، كان اليمين المتطرف هو القوة الأولى في الانتخابات الاوربية وأيضا في الدور الأول بالانتخابات التشريعية، ليتحول الى المرتبة التالتة بعد اليسار والوسط واليمين في الدور الثاني من هذه الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها.
وهي انتخابات ستبقى استثنائية في كل شيء، سواء من حيث الدينامية التي خلقتها او من حيث تحرر الخطاب العنصري في المجتمع، خلال هذه الحملة الانتخابية التي تمت في أجواء متوترة جدا، مع شتائم واعتداءات جسدية على مرشحين وأشخاص يضعون ملصقات وكلام عنصري حيث الهجوم العنصري على الفرنسيين من أصول اجنبية تحرر في بعض وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة ضد رموز الهجرة من شخصيات سياسية او صحافيين. او شخصيات عمومية.
هذا بالإضافة الى حالة القلق التي مست أوساط المال والاعمال والمقاولات بصفة عامة خوفا من وصول حزب متطرف الى سدة الحكم وقلبه لتوازنات الاقتصادية الهشة بفرنسا، وهو القلق الذي عبر عنه شركاء باريس سواء بالاتحاد الأوربي او في باقي العالم.
ويبدو ان المشاركة الكبيرة والقياسية في هذه الانتخابات كانت لصالح الأحزاب الكلاسيكية وعلى رأسها أحزاب اليسار على الخصوص، وتمكن التجمع الوطني المعادي للهجرة والإسلام من تقوية فريقه في الجمعية الوطنية الجديدة إلا أنه يبقى بعيدا عن السلطة، مع تسجيله نتيجة مخيبة لتطلعاته مقارنة مع ما سجله خلال الدورة الأولى من هذه الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها.
تساؤلات كثيرة سوف تطرح الأسابيع المقبلة حول طبيعة الحكومة التي سوف تقود فرنسا وتسهر على نجاح الألعاب الأولمبية قبل أسابيع من افتتاحها. لعدم وجود افق لتشكيل حكومة وذلك لتشتت داخل الجمعية الوطنية.
وحققت "الجبهة الشعبية الجديدة" المؤلفة من أربعة احزاب، مفاجأة بحلولها في المرتبة الأولى بحوالي 185 مقعدا.
أما معسكر ماكرون فقد أظهر قدرة على الصمود بعد شهر على مجازفة غير محسوبة لرئيس ايمانويل ماكون بعد دعوتة إلى هذه الانتخابات المبكرة لكن بفضل التحالف الجمهوري تمكن من انقاد كتلته السياسية.
وفور صدور النتائج الأولية، رأى زعيم فرنسا الأبية جان لوك ميلانشون الأحد أن على رئيس الوزراء "المغادرة" وأنه ينبغي على الجبهة الشعبية الجديدة التي ينتمي إليها حزبه، أن "تحكم" فرنسا.
وحل اليمين المتطرف ثالثا في النتائج النهائية لهذه الانتخابات بعدما كان فوزه مرجحا في كل استطلاعات الرأي ; وذلك بحوالي 125. ولم يتردد رئيس حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف جوردان بارديلا الأحد من انتفاد الجبهة الشعبية واعتبرها «تحالف للعار" الذي حرم الفرنسيين من "سياسة إنعاش". يقصد انها جبهة حرمت فرنسا من حكم اليمين المتطرف الذي يتزعمه.
وقال بارديلا "يجسد حزب التجمع الوطني أكثر من أي وقت مضى البديل الوحيد"، متعهد ا أن حزبه لن ينزلق نحو "أي تسوية سياسية ضيقة" ومؤكد ا أن "لا شيء يمكن أن يوقف شعب اعاد له الأمل".
واعتبرت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن تعليقا على نتائج الانتخابات الأحد "نصرنا مؤجل فقط. المد يرتفع. لم يرتفع بالمستوى الكافي هذه المرة لكنه يستمر بالصعود" مضيفة "لدي خبرة كبيرة تكفي لكيلا أشعر بخيبة أمل بنتيجة ضاعفنا فيها عدد نوابنا". وهي تقصد من كلماتها ان النصر قادم في الانتخابات الرئاسية القادمة التي سوف تشهدها فرنسا في سنة 2027.
وقال قصر الإليزيه بعيد نشر النتائج إن ماكرون ينتظر "تشكيلة" الجمعية الوطنية الجديدة من أجل "اتخاذ القرارات اللازمة".
وأعلن رئيس وزراء فرنسا غابريال أتال تقديم استقالته لكن الرئيس طلب منه البقاء في منصبه "طالما يقتضي الواجب" خصوصا أن فرنسا تستضيف دورة الألعاب الأولمبية قريبا.
وفي انتظار تشكيل التحالفات داخل الجمعية الوطنية بين مختلف الأحزاب، وهو الامر الذي يجعل الأفق السياسي مفتوح على جميع الاحتمالات السياسية بما فيها ازمة نظام في حالة عدم توافق الأحزاب على برنامج ومرشح لرئاسة الحكومة المقبل او في حالة الخلاف حول شكل التحالف في غياب اغلبية لأي طرف..