السبت 5 أكتوبر 2024
اقتصاد

الصديق كبوري يستعرض ثورات العطش بإقليم فجيج

الصديق كبوري يستعرض ثورات العطش بإقليم فجيج جانب من حراك فجيج ضد تفويت الماء( أرشيف)
يعتبر الحق في الماء من الحقوق الأساسية، إذ ترتبط بهذا الحق مجموعة من الحقوق الأخرى والتي بدونها لا يمكن أن تتحقق الكرامة الإنسانية. لذلك فلا غرو أن تتنامى مجموعة من الحركات الاحتجاجية من أجل الحق في الماء بإقليم فجيج في السنوات الأخيرة. حيث عرفت بعض مناطق الاقليم احتجاجات كان لها صدى كبير على المستوى الوطني والدولي.
 
في هذه الورقة المختصرة سأحاول تسليط الضوء بشكل "كرونولوجي" على الاحتجاجات التي عرفها الإقليم بخصوص الحق في الماء، للتعريف بها، وتحفيز الباحثين على المزيد من النبش ، إذ لازالت هذه المواضيع خصبة، وهناك فراغات وبياضات تتطلب ملأها.

أولا: "تندرارة" فقر على سطح الأرض وغنى في باطن الأرض
لقد ذاع صيت مدينة تندرارة بعد اكتشاف الغاز من طرف شركة انجليزية، تسمى "ساوند إنرجي" فصارت اخبار هذه المدينة المهمشة تتصدر الصفحات الأولى للجرائد والمواقع الوطنية والدولية والمراكز والبورصات الاقتصادية. غير أن القليل من كان يعرف بوجود هذه البلدة الصغيرة والجميلة أصلا في شرق المغرب بمنطقة " الظهرة". والقليل أيضا من كان يعرف أن ساكنة البلدة عانت لسنوات طويلة من ظاهرة الجفاف، إذ كان المواطن ينتظر ساعات طوال ليحصل على لترات قليلة من ماء الشرب.
 
لقد دفع هذا الواقع المر ساكنة تندرارة يوم 1 ماي 1999 إلى الاحتجاج أمام مقر الجماعة القروية للمطالبة بالحق في الماء. رفعوا شعارات مطلبية سلمية، وطالبوا بفتح الحوار معهم حول مطالبهم المشروعة، لكن أمام تعنت المسؤولين وقعت انفلاتات فتم اعتقال 17 محتجا أحيلوا على غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بوجدة، أغلبهم من الشباب والشيوخ والأطفال، وقد صدرت في حقهم أحكام قاسية تراوحت بين سنة وثلاث سنوات، بتهم التجمهر، وتنظيم مسيرة بدون ترخيص، واضرام النار عمدا، ووضع الأحجار في الطريق لعرقلة المرور، وإلحاق اضرار بمرافق عمومية...
 
عقب صدور هذه الاحكام القاسية تم جلب الماء للمدينة من طرف المكتب الوطني للماء الصالح للشرب من منطقة تسمى " الحويطة" شرق مدينة تندرارة، فأصبح الماء الشروب متوفرا وفي أغلب الأوقات، لكن من يتذكر تضحيات شبان في ربيع العمر ضحوا من أجل الحق في الماء، ضاع مستقبل بعضهم، والبعض اختار الهجرة الأبدية ومغادرة وطن لم يكن رحيما بأبنائه، فيما غطى الثرى بعضا منهم؟
 
ثانيا: نضالات ساكنة بوعرفة ضد الزيادة في تسعيرة الماء
عرفت سنة 2006 موجات متتالية من الزيادات في أسعار المواد الأساسية مثل الزيت والخضر والاسماك والزبدة ومواد البناء والأدوية والماء والكهرباء...وبخصوص الكهرباء فقد كانت الزيادات بنسبة 7% ، أما بالنسبة للماء فقد ثم خفض الشطر الاجتماعي ليصبح هو 18 متر مكعب بدل 24 متر مكعب، وهو ما مس بشكل كبير القدرة الشرائية للفئات الفقيرة والمتوسطة. مما أدى إلى ميلاد تنسيقيات مناهضة الغلاء على المستوى الوطني. إذ ظهرت أزيد من 100 تنسيقية في أغلب المدن والقرى والمداشر المغربية للمطالبة بالتراجع الفوري عن هذه الزيادات.
 
في هذا السياق تأسست التنسيقية المحلية لمناهضة غلاء الأسعار والدفاع عن الخدمات العمومية ببوعرفة، ونظمت العديد من الاشكال النضالية ضد هذا الاجراء الحكومي. إذ فور توصل المواطنين بفاتورة شهر شتنبر 2006 وكانت مرتفعة، عمت موجة من السخط والاحتجاج، خاصة وأن استلام الفواتير تزامن مع مناسبات عديد ( العطلة الصيفية والدخول المدرسي وشهر رمضان ). لذلك نظمت احتجاجات متعددة وفي أماكن متفرقة في إطار التنسيقية التي كانت تضم قوى ديموقراطية مدنية. لكن أمام تعنت المسؤولين دخلت كل الساكنة في معركة مقاطعة أداء الفواتير بنسبة 100% ، وقد استمرت بشكل شامل زهاء 6 سنوات.
وفي سنة 2011 ، وفي عز ما سمي بالربيع العربي و حركة 20 فبراير، وقع اعتقال 10 مواطنين من بوعرفة يوم 24 و 26 ماي 2011، ضمنهم بعض قيادات الحركة الاجتماعية،  وصدرت في حقهم أحكام قاسية تراوحت بين 3 سنوات وسنتين ونصف سجنا نافذة ابتدائيا، وقد خفضت هذه العقوبة الى سنتين سجنا نافذة استئنافيا، قضى منها كل المعتقلين تسعة أشهر قبل أن يشملهم عفو ملكي يوم 4 فبراير 2012 بمناسبة عيد المولد النبوي.
 
ثالثا : الاحتجاجات ضد تفويت الماء بفجيج
في 26 أكتوبر 2023 وبطلب من السلطة الإقليمية (عامل إقليم فجيج)، عقد المجلس البلدي بفجيج دورة استثنائية لمناقشة نقطة فريدة وهي انضمام المجلس لمجموعة الشرق لتوزيع الماء والكهرباء والتطهير السائل ( شركة مجهولة الإسم)، وقد رفض المجلس الجماعي بالإجماع قرار التفويت، إلا أن هذا القرار الديموقراطي لم يعجب جهات معينة. لذلك لم تمر سوى أربعة أيام حتى دعت سلطة الوصاية المجلس الجماعي بفجيج لعقد دورة استثنائية ثانية لمراجعة قرار الرفض. وعقد المجلس الجماعي بفجيج دورة استثنائية ثانية يوم 31 أكتوبر 2023 لمناقشة مسألة تفويت قطاع الماء لمجموعة الشرق من جديد، وهذه المرة، وبعد أن فعلت ضغوطات سلطة الوصاية فعلها حسب أحد قادة الحراك، فقد تم التراجع عن قرار الرفض، حيث صوت 9 أعضاء لصالح التفويت ورفض التفويت من طرف 8 أعضاء، وبذلك تم تمرير اتفاقية تفويت تدبير قطاع الماء لصالح شركة الشرق للتوزيع.
 
إن المؤيدين لقرار التفويت يعتبرون القرار يندرج في إطار تنزيل القانون 21ـ 83 والقاضي بإنشاء شركات متعددة الخدمات في توزيع الماء والكهرباء والتطهير السائل، وهو منسجم في نظرهم مع السياسة العمومية المنتهجة في مجال ترشيد الماء، خاصة أمام ندرة وتناقص هذه المادة الحيوية، بفعل توالي سنوات الجفاف، وتناقص الفرشة المائية. إلا أن سكان مدينة فجيج لهم رأي آخر يجسدونه ميدانيا، لذلك فمنذ صك التفويت المشؤوم في نظرهم يوم 1 نونبر 2023 وهم يخرجون عن بكرة أبيهم للاحتجاج أمام مقر الجماعة وفي بعض الساحات العمومية. إذ ينظمون أشكالا احتجاجية متنوعة وحضارية (وقفات، ومسيرات، واضرابات عامة، ومسيرات بالدراجات وبالشموع...)، في إطار التنسيقية المحلية للترافع عن قضايا مدينة فجيج التي أسسوها ـ في إطار المقاومة الشعبية والدفاع الذاتي ـ للتعبير عن رفض تفويت تدبير قطاع الماء للشركة المجهولة الاسم "مجموعة الشرق للتوزيع"، واحتجاجهم على الصيغة الملتوية والملتبسة التي تم بمقتضاها حصل التفويت، وللتعبير عن توجسهم من ارتفاع تسعيرة الفواتير وتأثيرها على القدرة الشرائية للساكنة المنهوكة أصلا.
 
وتجدر الإشارة إلى أن المعركة لازالت مستمرة بعد لجوء السطات الى المقاربة الأمنية : اعتقال محمد براهمي المدعو " موفو" والحكم عليه ب 9 أشهر سجنا نافذا، وهو يقبع لحد كتابة هذه الورقة بالسجن المحلي ببوعرفة، والحكم على السيدة فاطمة زايد ب 6 أشهر موقوفة التنفيذ. ناهيك عن تقديم 9 أعضاء من المجلس البلدي بفجيج لاستقالاتهم ضدا على شكليات الديموقراطية التمثيلية.

رابعا : القادم أسوأ
من المتوقع أن يعرف إقليم فجيج خلال العقود المقبلة احتجاجات كثيرة في مناطق مختلفة بفعل ندرة الماء. إذ لا يتعلق بنظرة الأمر تشاؤمية أو سوداوية عدمية كما يعتقد البعض، وإنما هو استنتاج توصلنا إليه انطلاقا من عدة مؤشرات ومنها:
 
ـ الاستنزاف المفرط للفرشة المائية غير المتجددة، وحفر الأثقاب المائية بدون ضوابط قانونية؛
ـ الشروع في زراعة بعض أنواع المزروعات التي تستهلك كمية أكبر من الماء والتي تضررت منها بعض المناطق؛
ـ التدمير شبه الكلي للغطاء النباتي الذي يتأقلم مع الظروف الطبيعية للمنطقة مثل نبات الحلفاء والشيح والبطمة والسدرة  بفعل الاجتثاث والرعي الجائر؛
ـ التزايد الديموغرافي للساكنة بالإقليم، واختلال التوازن بين الواقع والحاجيات بخصوص الماء؛
ـ عدم قيام الشرطة المائية ومختلف السلطات بأدوارها في عملية المراقبة، بل ومساهمتها في تكريس الوضع؛
ـ الترامي على الأراضي السلالية بمباركة بعض نواب الأراضي وبعض رجال السلطة، وتحول أغلب الاراضي التي كانت مناطق رعوية إلى أراضي فلاحية ضدا على الطبيعة؛
ـ صيرورة الجفاف في المنطقة من ظاهرة بنيوية  إلى ظاهرة دائمة؛
ـ تفاقم ظاهرة التصحر بشكل خطير جدا: تدمير الغطاء النباتي، قلة التساقطات، تزايد الزوابع الرملية ( العجاج)؛
ـ غياب رؤية استراتيجية واستشرافية لحسن تدبير الثروة المائية المتوفرة؛
ـ الفساد الذي صاحب ما سمي بالمخطط الأخضر الذي أصبح بفعل واقع الحال أصفرا؛
 
خاتمة:
 تأسيسا على ما سبق، يمكن القول أن القاسم المشترك بين الحركات الاجتماعية هو أنها تنتمي لنفس المجال الجغرافي، أي مدن وقرى تنتمي للجنوب الشرقي، وتحديدا لإقليم فجيج الذي يعيش على هامش الهامش (المغرب غير النافع، المغرب المنسي). كما تشترك في كونها كانت من أجل الحق في الماء كحق انساني مشترك. وفي كونها احتجاجات سلمية وحضارية عرفت مشاركة وازنة للفاعل المدني ولمخلف الفئات الشعبية، وانخراط ملحوظ للنساء. كما تشترك أيضا في كونها جوبهت باعتماد المقاربة الأمنية بدل الحوار والمقاربة الديموقراطية.
 
إننا ونحن نثير النقاش من جديد، لا يسعنا سوى أن ندق ناقوس الخطر، وندعو ـ من موقف المتتبع المهتم ـ لوقف التجاوزات، والخروقات واعتماد الصرامة مع كل من يهدد أمننا المائي. فإقليم فجيج يعتمد على الاحتياطي من الفرشة المائية وهو غير متجدد، علاوة على ذلك، فالفرشة المائية تكونت عبر ملايين إن لم نقل ملايير السنين، وواهم كل من يعتقد أن مجرد سقوط الأمطار خلال موسم ماطر سيغذي هذه الفرشة. وهذا ما يفرض ضرورة ترشيد الاستهلاك، لان استنزاف الفرشة المائية معناه فتح المجال للهجرة الواسعة وانعدام الاستقرار. وكما قال المفكر حسن أوريد: " نحن مقبلون على ثورات ـ ثورات العطش ـ مما يستلزم التفكير الاستراتيجي عوض سياسة إطفاء الحرائق".
 
الصديق كبوري/ فاعل حقوقي