الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

محمد عزيز الوكيلي: وماذا لو طلع اليمين المتطرف إلى سُدّة الحكم في فرنسا؟!

محمد عزيز الوكيلي: وماذا لو طلع اليمين المتطرف إلى سُدّة الحكم في فرنسا؟! محمد عزيز الوكيلي
بدايةً، إن حرف الواو الذي جاء في بداية العنوان أعلاه هو نكايةً وليس عطفاً على أي قول أو غيره، والمقصود به هو: ما الذي سيقع، افتراضاً، إذا أخذ اليمين الفرنسي المتطرف رئاسة الحكومة المقبلة، بل وحتى رئاسة الجمهورية؟
 
هل سيُنزّل على معارضيه كِسَفاً من السماء، أو سيقلب البحار والأودية إلى خمور مُعتَّقة مثلاً... أم ماذا؟! في الحقيقة: لن يحدث شيء من هذا ولا من غيره!!!
 
أعتقد أننا الآن قلنا كل ما سيحمله هذا المقال من أفكار وتوقعات، وكما يقول هواة الموضوعية: جئنا من الآخر و"علّقنا كل ما في الدار على باب الدار"!!
 
الأمر وما فيه، أن كثيرين أطلقوا العنان لتخميناتهم وتصوّراتهم بمجرد ظهور نتائج الدورة الأولى للاستحقاقات التشريعية السابقة لأوانها، عند طاطا فرنسا، حتى أنهم نسوا جميعاً أن هناك دورةً ثانيةً لا تَفْرِقُنا عنها إلا أيام قليلة، فقال البعض إن فرنسا ستنسحب من التحالف الأوروبي المعادي لروسيا بسبب حربها على كرواتيا.
 
وقال بعض آخر إن الحكومة الفرنسية القادمة ستعترف بصريح القول والفعل بمغربية صحرائنا الغربية، وذلك من أجل تقارب أكثر التصاقاً بالمغرب في أفق العودة ألى منطقة الساحل على صهوة الشراكة المغربية الإفريقية الآخذة في التوسع والتطوّر؛
 
ورآى بعض ثالث بأن فرنسا الجديدة والمرتقَبة ستعمل على تقسيم حديقتها الخلفية أو لقيطتها، الجزائر، إلى ثلاث دويلات على الأقل لإضعافها أكثر، وللسيطرة عليها أكثر، وفي مقدمة المواليد الجدد دولة القبائل، التي تحتضن فرنسا حكومتها المؤقتة، بحجة أن مارين لوبين احتفلت بنصرها الأوّليّ والمؤقت في مطعم يمتلكه باريسي مهاجر هو أحد أصدقائها الحميمين، وهو من القبايل تحديداً، ورقصت معه بتلك المناسبة على أنغام الأغاني القبايلية الصاخبة.
 
وقال بعض آخر إن الحكومة الفرنسية المرتقبة برئاسة الفتى بارديلا سترتمي بلهفة جنونية في أحضان روسيا بخلاف ما فعله البليد ماكرون، لا لشيء، سوى لجعلها بديلاً ملائماً عن المموّن الجزائري بمادتي الغاز والنفط، اعتباراً للفطام الذي توشك تلك الحكومةُ أن تُرغمَ الجزائرَ على تقبّله وهي في غمرة الانفصال والتشتت إلى شظايا، "قبايلية" و"شاوية" و"أزوادية"، وبذلك تحقق فرنسا الجديدة استغناءً فعليا عن الغاز الجزائري الذي بدأت الجزائر في الآونة الأخيرة تستعمله كوسيلة للضغط والابتزاز ناسية أن تلك الثروة الباطنية إنما هي من خيرات ماماها فرنسا، إذ لولاها لما نقب الجزائريون أصلاً، ولما استخرجوا شيئا البتة، بدليل عجزهم المطبق عن الإتيان بأي قيمة مضافة على ما تركته لهم فرنسا بالذات، وفي طليعة ذلك، آبار الغاز والنفط، وشركة سوناطراك التي تؤدي في هذا المضمار دورَ "الخَمّاس" وليس أكثر!!
 
إن الوقع السياسي، الذي تدعمه أصول السياسة عالمياً وتُحيطه بالكثير من الخطوط الحمراء، يقول لنا، بكل الوضوح الممكن، إن أيَّ حكومة فرنسية جديدة مهما كان تَجَدُّرُها في تُربة اليمين والتطرف لن تستطيع أن تغيّر شيئا كثيرا مما هو كائن، لأن هناك رهانات كبرى فرنسية داخلية عميقة؛ وأخرى أوروبية ومتوسطية مشترًكة؛ وثالثة لها صلة بالناتو، وبحساباته البالغة أقصى حدود التعقيد والتركيب، لن تترك لها إلا هامشاً ضيقاً قد لا تستطيع أمامه أن تغير شيئا من الواقع الراهن، اللهم إلا بعض الترتيبات الصغرى والخفيفة، من قَبيل التخفيف من مولاتها لحلف الناتو في حربه ضد الروس على مشارف الخريطة الكرواتية، وربما استطاعت فضلا عن ذلك، أن تعلن عن اعترافها بمغربية الصحراء ولكن، مقابل تنازلات مغربية يعلم الله مدى ما سيكون عليه حجمُها وجوهرُها، موازاةً بطبيعة الحال مع تدابير أخرى تجاه ابنتها الطيّعة، الجزائر، حتى أن أقصى ما يمكن أن تسهم في تكريسه هذه الحكومة هو أن تؤخر، لفترة إضافية أخرى، فكرة إشعال حرب جزائرية وشيكة ضد بلادنا، علماً، كما أكدنا ذلك في مقالات سابقة، أن النظام الجزائري الكسيح لم يبق أمامه لكي يحفظ ماء وجهه ويظلّ على رأس السلطة هناك، ولينجو من أي محاسبة شعبية، وأيضاً لكي يحتفظ بشيء من الالتفاف الجماهيري حوله من لدن شعب مسطول ومُغَيَّب الإرادة... لم يبق أمامه سوى أن يشعل فتيل الحرب ضدنا، وربما سيريدها أن تكون حرباً خاطفة وسطحية نوعاً ما، لأنه يدرك أن جيشه منفوخ بتخمة مفرطة من الخردة، وبشعارات تضخيمية من الأكيد أنها ستتفتّت وتضمحلّ وتنهار بمجرد سماع أفراد ذلك الجيش من الشباب "الهواة" لأزيز الرصاص وهو يمر بجانب آذانهم، ولعلعة القذائف وهي تتساقط من حولهم وتُلهِب وُجودَهُم بالكامل!!
 
إن العالم كله يعلم أن مُجمل أفراد الجيش الجزائري لم يشهدوا حربا من قبل، ولم يعيشوها إلا عبر ألعاب الأطفال التي يبثها مُختلِفُ الشبكات العنكبوتية، أو من خلال المناورات المضحكة التي ينظمها شنقريحة للتسلية والترويح عن نفسه الغارقة في أتون الحقد والحسد والضغينة، وحتى جنرالاتهم فقد علقوا لأنفسهم الشارات والأوسمة بلا حسيب أو رقيب دون أن يستحقّوها، وخصوصاً، أيضاً، عندما يدرك أولئك الجنود الشباب، أنهم بإزاء جيش مغربي في قمة الاحترافية، وفي كامل الأُهْبة والجاهزية، فضلا عن تسليحه النوعي والحداثي، الذي يختلف تمام الاختلاف عن الخردة الروسية التي نقول، ونعيد القول، إن جيوش العالم المتحضر تَعافُها ولا تقتني منها إلا القليل النادر بدافع الحفاظ على مصالحها المشترَكة مع الروس!!
 
إن الحكومة الفرنسية الجديدة والمحتملة، واليمينية في ظاهرها، لن تكون في باطنها وحقيقتها مختلفة عن سابقاتها إلا بما تسمح به المصالح الفرنسية والأوروبية العليا وليس أكثر، علما فوق ذلك كله، بأن لفرنسا أيضا دولتَها العميقةَ، المتشكّلةَ من "قيادات ماسونية" عُليا، لن تسمح لها إلاّ بإجراء رتوشات يسيرة، أما الأعماق فستظل هي هي، مهما تناوبت الأحزاب يمينَها ويسارَها ووسطَها على سُدة السلطة فوق أقبية الإليزي المعتمة!!
 
ومرة أخرى، على الذين ينتظرون تغييراً جذرياً في الموقف الفرنسي إزاء قضيتنا الوطنية الأولى، أن يَهدَأوا قليلاً، وأن يُهدِّئوا من روعهم، وألاً يحلموا كثيراً، لأن قنافذ ذلك البلد ليس فيها أملس، ولأنّ فرنسا وحكوماتها المتعاقبة، والمختلفة فكراً ومذهباً وتوجُّها سياسياً ظاهرياً، علّمتنا في كل التجارب التي خاضتها بمعيتنا، أو في مواجهتنا، أنها ستظل المنافقة رقم واحد كما يشهد لها بذلك، التاريخُ قديمُه ووسطُه وحديثُه... والأيام بيننا!!!
 
محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي.