الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

عبد الرحمان العمراني:"المستثمرون الهمزويون" يشهرون نواياهم في الطريق السيار

عبد الرحمان العمراني:"المستثمرون الهمزويون" يشهرون نواياهم في الطريق السيار عبد الرحمان العمراني
وأنا أقطع مسافة البدال، بعد الخروج  من محطة أداء فاس للطريق السيار، أمس صباحا،  وقعت عيناي على لوحة إشهارية كتب عليها  "همزة استثمارية " بخط كبير لا يمكن أن تخطئه العين . لم أتمكن من قراءة باقي محتوى اللوحة. لكن ارتباط الهمزة (بما لها من دلالات وإيحاءات  في اللغة المتداولة) أثار في نفسي سؤالا ألح عليّ. سؤال إشكالي حول  هذا الربط الغريب بين الهمزة (والجمع هو الهموز) وبين الاستثمار، وهو مفهوم اقتصادي وعمليات لها مقدماتها وشروطها ومضامينها  ونتائجها، في لغة الاقتصاد والتدبير .
 
لم يكن مكتوبا في اللوحة الإشهارية إياها  كلمة فرصة، فرصة استثمارية. كان المنطوق سيكون، حالتها ووقتها،  عاديا، فالفرص الاستثمارية أمر عادي في أدبيات اللغة الاقتصادية .أما أن يكون التنصيص بالنبط العريض على كلمة "الهمزة"، فهذا دليل- هكذا فهمت- على خلل عميق يعترى فهم فئة من "المستثمرين" للعملية الاستثمارية برمتها، وفي أساساتها، لا علاقة له بالفهم المتداول في الفكر الاقتصادي الليبرالي أو في الممارسة الاستثمارية الليبرالية (أقول الليبرالي، ولا أضيف إليه الاجتماعي أو أي نعت آخر حتى نبقى افتراضا في صلب النموذج الليبرالي ).
 
تزاحمت في ذهني الأفكار وأنا اقطع المسافة باتجاه المكتب، واستحضرت معاني الألفاظ، كما استقرت في ذهني، وفي عقلي، من خلال القراءات السابقة .
 
"الهمزة"  وجمعها "الهموز" (ليصحح لي المتبحرون في لغتنا الدارجة الجميلة إن أخطات) تعني تصيد الفرص السهلة بطريقة لا تلزم صاحبها مجهودا أو تعبا أو عناء أو أي وجع دماغ يتطلبه العمل المضني والمتواصل.
وبهذا المعنى تكون "الهمزة"، ويكون ممارسها هي النقيض، هي الـ anti لكل أبجديات العملية الاستثمارية بحذافيرها ومستتبعاتها .

 
الاستثمار والعملية الاستثمارية، حسب كبار منظري الفكر الاقتصادي المعاصر من مارشال إلى  كالبرايت إلى روستو مرورا بالفريد سوفي وغيرهم كثير، هي نمط في تدبير الدورة الاقتصادية تمر عبر الادخار المنتج وضخ الموارد في مسلسل الإنتاج بتخطيط مسبق ودراسة السوق وتعبئة المجهودات واستخدام الموارد البشرية. وقبل هذا وذاك فإنها تتطلب استعدادات سلوكية يقع في مقدمتها ربط النتائج المتوخاة (هنا الأرباح) بالمجهود المبذول في واضحة النهار، وبروح تطبعها المبادرة وروح المخاطرة في مناخ أكثر ما يميزه التنافس والشفافية .
هذا هو النموذج وهذا ما يعنيه مفهوم الاستثمار .
 
لا يستقيم الاستثمار ومسلكياته مع تصيد الفرص السهلة. لا يستقيم باللاعمل والانزواء في الأركان بعيون متلهفة  تحسبا لظهور "همزة" سانحة يصبح معها الشخص غنيا في سبعة أيام .
إذن، كيف أمكن أن يتسع في عقل نوع مخصوص من "المستثمرين" (بين مزدوجتين) الربط بين "الهمزة" و"الهموز" والاستثمار، وأن تستقيم في أذهانهم عبارة "همزة استثمارية"؟
أتذكر، بهذا الخصوص، كيف كان المرحوم محمد جسوس يتحدث لنا ونحن طلبته في السلك الثالث في درس السوسيولوجيا السياسية عن نوع من الطبقة البورجوازية  كان يسميها  بـ"البورجوازية الهمزوية" .