الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

إدريس المغلشي: منظومة تربوية فاشلة تصنع الموت

إدريس المغلشي: منظومة تربوية فاشلة تصنع الموت إدريس المغلشي

هل هو احتضار أم خريف، منظومة تربوية تساقطت أوراقها على الرصيف وفي كل الشوارع لتعلن نهاية مسار لم يكتب له النجاح رغم التطبيل وسياسة الدوباج التي مافتئ البعض يقوم بها دون أن يطبق اجراءات فورية لوقف النزيف. تصريح المسؤول التربوي للأسف مجرد كلام يحلق في السماء بدون أجنحة، يلقي القول كما اتفق بلا رابط ولا مضمون. دون أن يلامس الحقيقة ويتحلى بنوع من الصراحة والوضوح. يعتقد أن الواقع لازال فيه متسع للديماغوجية التي تسعى لتسويق مغالطات ولا في الأحلام.

 

ما نعاينه من تردي للمنظومة لم يعد خافيا على كل متتبع بل إذا كانت تعاليقنا قوية في اللحظات العادية، فكيف بها في زمن اتسعت فيه الفوارق بين القرى والحواضر، بل وبداخلها أحدثت فجوات، للأسف الشديد، المسؤول لم ينتبه إليها أو تغاضى عنها. فالأمر سيان، لأن الضحية واحد والنتيجة واحدة.

 

ليس صدفة ان تشاهد عبر مواقع التواصل الاجتماعي صورة متداولة بقوة لتلاميذ يمزقون دفاترهم وكتبهم للتعبير عن فرحة هستيرية بانتهاء موسم دراسي شاق ومتعب، عرف ارتباكا تدبيريا وعدم استقرار بدون بوصلة ولا توجه. لم نقف له على بداية طبيعية، فكيف ستكون النهاية؟ صورة تحتاج لقراءات متعددة والوزير خارج التغطية. كثيرا ما تأتي تصريحاته خارج السياق. لا تعبر عن حقيقة واقع التمدرس داخل مؤسسات رغم المجهودات المبذولة من أجل أن تبدو أكثر جاذبية، لكنها حقيقة الأمر تجسد مضمون المثال الصارخ "لمزوق من برا آش خبارك من الداخل" للأسف لا نلتقط الإشارة إلا بعد فوات الأوان .

 

 

كثير من الأحداث لا تستنفر جانب الكفاءة لدينا بقدرما تستفز عجزنا وعدم قدرتنا . فنضيع بين مسارين مختلفين لم نبادر بالحلول الاستباقية للحد من الكارثة. ولا نحن عالجنا الظاهرة في عمقها. سنبقى نجتر العجز ونتوارثه من جيل إلى جيل دون أن نسجل تقدما ملموسا. هل قدرنا أن نعيش كوابيس تقض مضجع الأسر عند كل امتحان اشهادي، أصبحت محطته تحمل كثير من الضغوطات النفسية والارهاصات المثقلة بالهموم والضيق وعدم القدرة، بل غابت مسؤولية المشرفين من خلال الدعم البيداغوجي والنفسي لموسم استثنائي، عرف تعثرا على جميع المستويات ناتجة بالأساس عن عوامل كثيرة كالزلزال واضرابات الأساتذة، ولم نسمع عن تقارير ولا لقاءات تواصلية تذلل الصعاب وتطمئن الأسر وتقلص الفارق بين المجالات وتحاول دعم التلاميذ والتلميذات.

 

بعد فاجعة انتحار تلميذة آسفي التي ضبطت في حالة غش نتيجة تعامل كان قاسيا مفرغا من نزعة بيداغوجية انسانية تطوق الأشكال بأقل الخسائر.

 

لقد سجلنا بامتعاض شديد وأسف عميق مضمون التسجيل الصوتي وهي تهرول نحو حتفها المحتوم وقدرها المعلوم. وهي تصرح بمعلومات خطيرة وقرارات صادمة. لا اتفق مع من يذهبون إلى تحميل التلميذة جريرة إقدامها على الانتحار بدعوى محاولة الغش ومحاكمتها من خلال الفعل وليس النتيجة. دعونا نتفق أن الغش مرفوض وقد وضع المشرع ترسانة قانونية لمحاربته لكنه ظاهرة تخفي عجز منظومة تربوية بكاملها.

 

نحن نناقش طريقة تدبير تطورت من ضبط حالة غش الى الانتحار. كيف نتعامل مع الطارئ بنهج مقاربة زجرية مفزعة تنتج سلوكات غير محسوبة العواقب؟ صورة خروج التلاميذ من المؤسسة بشكل فوضوي وهم يمزقون الكتب والدفاتر وكأنها سجن ليعلنوا رفضهم لهذا الواقع لا يختلف عن فتاة هربت من قبضة إدارة مستبدة لم تمنحها فرصة الدفاع عن نفسها.

 

الغش نتيجة حتمية لمنظومة فاشلة، اختل فيها تعاقد ديداكتيكي لم يرحم المتعثرين من أجل منحهم فرصة ثانية ليلتحقوا بالمنظومة. هناك من يجيد صناعة الفاشلين عوض أن يكونوا نتيجة افراز طبيعي لمعادلة النجاح والفشل كمكون أساسي لها. من يقتل فينا التفاؤل هم أنصاف المدبرين وأشباه المسؤولين الذين لا يظهرون إلا في مناسبات التفوق، ليلقون كلاما يعاكس الحقيقة ويلتقطون صورا لأحداث لم يصنعوها، وفي لحظة الحزن والفشل يختفون.