السبت 23 نوفمبر 2024
جالية

أريري: عذرا أخي..أنا قبايلي ولست جزائريا !

أريري: عذرا أخي..أنا قبايلي ولست جزائريا ! الزميل عبد الرحيم أريري بمقهى وسط باريس
طوال ثلاثين سنة وأنا أزور فرنسا بشكل دوري: إما لأسباب مهنية أو عائلية أو للاستفادة من دورات تدريبية وتكوينية، ولم يسبق لي إطلاقا أن لمست تمزقا في الهوية الجزائرية بمثل ما عاينت في هذا الأسبوع الثاني من ماي 2024. خاصة منذ تنظيم القبايليين لمسيرة ضخمة بباريس يوم 20 أبريل 2024 ، التي أعلنوا خلالها عن ميلاد"دولة القبايل"، إيذانا ببدء معركتهم للاستقلال عن مايسمونه " الاحتلال الجزائري".
 
فبحكم أن فرنسا تعد بلدا يستقبل المهاجرين من شتى بقاع العالم، من الطبيعي أني كنت أصادف المهاجرين أينما حللت وارتحلت ( باريس، ستراسبورغ، ميلوز، مارسيليا، ليون، بوردو، نيس، ليل، غرونوبل، مونبوليي، نانسي، بياريتز، إلخ...)، علما أن أغلب البروفيلات المهاجرة التي يلتقيها المرء بالشوارع ومراكز التسوق والترامواي والميترو والساحات والإدارات هي تلك المنحدرة من إفريقيا. ألم يكشف المعهد الوطني للإحصاء الفرنسي (INSEE)، بأن 48،5% من المهاجرين ينحدرون من إفريقيا، وبأن النسبة الغالبة داخل هذه الخانة تنحدر من دول المغرب العربي بحوالي25،4%، موزعة على الجزائر (12،5%) والمغاربة(8،2%)، تليهما تونس بنسبة 4،7% ؟!
 
حين كنت أبادر بالتحية أو أرد على تحية وانخرط في نسج العلاقة مع هذا المهاجر أو تلك المهاجرة من أي جنسية، كان السؤال المركزي الذي يتم طرحه ( من طرفي أو من طرف محاوري)، هو التالي: من أي بلد تنحدر؟ وهو سؤال يطرح ميكانيكيا، حتى لو كان المعني بالأمر( أو المعنية) يحمل الجنسية الفرنسية.
 
من قبل كان الجواب عاما بالنسبة لكل الجزائريين الذين اقتضت الظروف المهنية أو السياقات الظرفية والاجتماعية أن ألتقيهم وألتقيهن، ولم يكن من الوارد إطلاقا أن يكون الجواب على سؤال: منين أنت في الخوت؟ مغايرا. فالكل كان يجمع على جواب واحد: "أنا من الجزائر"، أو بصيغة أخرى: "أنا جزائري".
 
الآن، وعلى امتداد زيارتي لباريس وضواحيها في الأسبوع الثاني من ماي 2024، لاحظت أن كل من صادفتهم وصادفتهن في سياقات مهنية أو شخصية، إلا ويتم الحرص على التأكيد في الجواب : أنا قبايلي"، أو أنا من "بلاد القبايل". بل حتى السيدة التي تكلفت بالإجراءات الإدارية بمطار أورلي بباريس، وبعد أن ناولتني الباسبور، قالت لي بالعربية :" المغاربة ناس ملاح". وبحكم أن لهجتها قريبة من لهجة مغاربة الشرق، ابتسمت وسألتها:" الأخت دجزايرية"، فردت علي بالفرنسية: " لا، أنا فرنسية من أصل قبايلي".
 
نفس الملاحظة عشتها في مناطق villepinte وtremblay وaulnay وvitry وvanves وville juif وsaint-quentin، وغيرها من الجماعات، لدرجة أني كنت أتعمد التظاهر بعدم سماع الجواب، وأعيد طرح السؤال بالقول:" تقصد أنت جزائري"، فيرد علي مخاطبي بالحزم: "لا واش تراك تكول، راه قلت ليك أنا قبايلي".
 
وهذا ما جعلني أسائل إحصائيات المعهد الوطني الفرنسي حول الهجرة.
لماذا؟
لأن فرحات مهني، رئيس حكومة القبايل، سبق أن كشف لجريدة "أنفاس بريس"، أن 1.3 مليون قبايلي هاجروا من بلاد القبايل "الجزائر"، واستقروا بفرنسا وكندا وأمريكا، موزعين كالتالي:800.000 قبايلي بفرنسا( معظمهم يحمل جنسية فرنسية)، و 300.000 منهم بكندا، و200.000 قبايلي بالولايات المتحدة الأمريكية.
 
وإذا اعتمد معهد الإحصاء الفرنسي ( INSSE)، هذا المتغير المرتبط بإشهار الهوية القبايلية والانسلاخ عن الولاء للجزائر، فبالتأكيد سيتغير الهرم الديمغرافي للمهاجرين بفرنسا، وتتغير معه زاوية المعالجة والتعاطي مع أحواض الهجرة، بالنظر إلى أن القبايليين يشكلون 60% من مجموع "الجزائريين" بفرنسا. وفي هذه الحالة ستصبح الجزائر في المرتبة السادسة من حيث أعداد المهاجرين بفرنسا، بعد المغرب و"بلاد القبايل" وتونس والبرتغال وإيطاليا.
 
وإلى أن يحدث ذلك، يبقى الموضوع مغري بالنسبة للباحثين في السوسيولوجيا والأنتربولوجيا لتسليط الضوء على هذا الزلزال الهوياتي وبداية التمزق بين "الولاء للجزائر" أوالذوبان في "بلاد القبايل" !
 
ملحوظة:
الصورة التقطت في هذه المقهى التي جلست فيها مع قبايلي اسم "إزم" ( تحفظ عن نشر صورته بحكم ارتباطاته مع ذويه العالقين بالجزائر).
اسم المقهى le petit opportun، وتوجد في ساحة Saint oppurtune بالدائرة الأولى بباريس.