لا يحمل كل العسكر أسلحة. بعضهم يتخصص بأمور بعيدة عن العنف والقتال، وإن كان يُدرب على الدفاع والحرب. من هؤلاء، موسيقيو القوات المسلحة الذين نراهم على شاشات التلفاز يعزفون موسيقى عسكرية خلال المناسبات الرسمية. ويخص المغرب تحديداً الفرق الموسيقية العسكرية باهتمام خاص، ما أمن له دخول نادي الكبار في ميدان الموسيقى عالمياً.
تنحدر الفرق الموسيقية العسكرية المغربية أساساً من القيادة العامة للدرك الملكي الذي أنشأها خلال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، بحسب ما يوضح الموسيقي المغربي العربي الكوكبي، مشيراً إلى دور أساسي لقائد ذلك الدرك الجنرال حسني بنسليمان. والاستعانة لدى التأسيس بموسيقيين غربيين معروفين، من الروس والفرنسيين تحديداً، أشرف على اعتمادهم الملك الراحل الحسن الثاني شخصياً.
وتعرف إحدى الفرق الموسيقية التابعة لجهاز الدرك الملكي باسم «الفرقة الكبيرة»، ومقرها قاعدة سلا، فيما الفرقة الأشهر هي «الجوق الهرموني للدرك الملكي»، التي تتولى العزف في الاستقبالات الرسمية التي يحضر فيها الملك. وهذا يعني أنها متخصصة في عزف النشيد الوطني، والأناشيد الوطنية للدول التي يستقبل المغرب رؤساءها وقياداتها، فضلاً عن مقطوعات موسيقية عسكرية عالمية أو مغربية.
وهناك أيضاً فرقة تسمى «الجوق السيمفوني للدرك الملكي»، وتضم أيضاً دركيين لهم تكوين عسكري موسيقي، يجعلهم متمكنين من عزف السيمفونيات العالمية. وتقدم هذه الفرقة عروضاً متاحة للعموم، وتتيح إمكان إدارتها من قبل موسيقيين وعازفين أجانب.
ويضم الدرك الملكي طبعاً موسيقيين يتخصصون بالموسيقى العربية في «المعهد الموسيقي للدرك الملكي»، الذي يشرف عليه الموسيقار المغربي أحمد عواطف. ويقع المعهد قبالة قاعة عبدالله بن ياسين في الرباط، ويدرّس فيه أساتذة مغاربة وأجانب. مدة التعليم تدوم 10 سنوات، والالتحاق به يُعدّ انخراطاً في الخدمة العسكرية.
وهناك في المغرب أيضاً «المعهد الموسيقي للحرس الملكي»، الذي يديره الموسيقي تييري روز (Thierry Rose)، و«المعهد الموسيقي للقوات الملكية الجوية»، الذي يشرف عليه الموسيقار جان شارل بيوندي (Jean Charles Biondi). وكل المعاهد تابعة للإدارة العامة للدفاع الوطني، شأنها شأن الفرق والخريجين.
وتوجد في المعاهد فرق سمفونية وفيلهرمونية تشارك في الاستعراضات الجماهيرية في شوارع العاصمة الرباط.
ويتخرج من «المعهد الموسيقي للحرس الملكي» موسيقيون عسكريون يشكلون قوام أشهر وأفخم الفرق العسكرية المغربية: «جوق الحرس الملكي»، الذي يعتبر واحدة من أهم الفرق الموسيقية العسكرية ليس في المغرب فحسب، بل في العالم. لرئيس الفرقة مكتب خاص في القصر الملكي بالرباط، ويُلازم الملك في المناسبات الرسمية، كما يشارك في الاحتفالات الملكية (حفل زفاف الملك محمد السادس) والاستعراضات المواكبة للاحتفالات بالأعياد الوطنية.
ومن بين أعرق الفرق العسكرية في المغرب، فرقة 55 التي أشرف الملك الراحل محمد الخامس على تأسيسها، ومتخصصة بالموسيقى الأندلسية. ويشار الى أن 55 تعني ضرب 5 في 11، وهو عدد النوبات في الموسيقى الأندلسية.
ويقول الباحث الموسيقي أحمد عيدون إن ظهور الفرق الموسيقية العسكرية في المغرب كان في القرن الـ 19، بتأثير من العثمانيين الذين نظموا فرقة عسكرية تدعى «الطبل خانا». كما كانت هناك بوادر أخرى لتأسيس فرق موسيقية عسكرية في عهد العلويين، خاصة عند السلطانيين محمد بن عبدالله والمولى عبد العزيز. كما أن الحماية الفرنسية طوّرت جوق الحرس الملكي، بينما أنشأت الحماية الإسبانية جوقا عرف بـ«لا باندا» لمرافقة الفيالق العسكرية.
ويضيف عيدون: «نجد فرقاً موسيقية عسكرية في كل الحاميات العسكرية بالمغرب، نظراً لأن لها وظائف ضرورية، تتمثل في تحية العلم على صوت الترومبيت، والمشاركة في الاستعراضات».
ويختم عيدون بالقول إن الموسيقى العسكرية «تشكل الرصيد الأساسي للموسيقى المغربية، في ما يتعلق بتخصص عازفين عسكريين في آلات معينة، مثل آلات النفخ النحاسية والخشبية، التي لا تتوافر للجميع بحكم أنها ثمنها باهظ. وبمرور الوقت ظهرت مشاريع ضخمة نتيجة تطور الموسيقى العسكرية، مثل الأوركسترا الفيلارمونية؛ ورغم وجود موسيقيين مدنيين شباب فيها، إلا أن الفضل في تطورها يرجع إلى موسيقيين عسكريين».
(عن "الحياة")