«تكلف أنت بالمقاهي والأندية، وأنا سأتكلف بالثكنات العسكرية وبمقر الدرك الملكي».
هكذا رفع القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية الحرج عن عمدة الدارالبيضاء السابق محمد ساجد، حين حل الملك محمد السادس بالعاصمة الاقتصادية في عام 2007، لتدشين مجموعة من المشاريع البيئية انطلاقا من حديقة مردوخ، وهي المشاريع التي همت آنذاك مجموعة من الفضاءات الخضراء بغلاف 120 مليون درهم (حديقة مردوخ، حديقة مدخل البرنوصي، لارميطاج، الإيسيسكو، عين الشق العتيق، صنداي، حديقة عمالة عين السبع...).
ورغم وجاهة المشاريع التي قدمت له آنذاك، فإن تركيز الملك محمد السادس كان منصبا على الرئة الرئيسية للدارالبيضاء، أي حديقة الجامعة العربية، إذ أمام زحف العمران على الحديقة واستنبات مقاهي وزرع إدارة المياه والغابات وزحف النوادي والثكنات العسكرية والدرك الملكي فوق ترابها، تقلص حجم الحديقة من 34 هكتار إلى حوالي 26 هكتار. فضلا عن ما لحق الحديقة المذكورة من تدهور وتآكل، أساء لوسط الدارالبيضاء، من جهة، وخلق حالة نفور لدى السكان من ارتياد الحديقة، من جهة ثانية، مما جعل السلطات العمومية مكبلة اليدين لبرمجة أي خطة لإعادة هيكلة حديقة الجامعة العربية.
وحين طرح الملك السؤال على العمدة ساجد، واستفسره عن غياب مشروع لإعادة هيكلة حديقة الجامعة العربية، أخبره هذا الأخير بأن كل المرافق معها «السلاكة»، باستثناء الثكنة المخصصة للإدارة المركزية لاقتناء وشراء المعدات العسكرية بالمغرب الموجودة بشارع الحسن الثاني ومقر الدرك الجهوي بزنقة عثمان بن عفان. هنا سيفاجئ الملكُ محمد السادس عمدةَ البيضاء ويقدم له هدية في طبق من ذهب: «تكلف أنت والسلطة المحلية بتحرير الملك العمومي بالحديقة من المقاهي والإدارات المدنية، أما الثكنات العسكرية فخليها على حسابي، انا سأتكلف».
ليس هذا وحسب، بل وقرر الملك محمد السادس، بوصفه القائد الأعلى للجيش، تحرير الدار البيضاء آنذاك من العشرات من الثكنات العسكرية تقريبا (المدينة تضم 33 ثكنة)، عبر ترحيل ثكنات العنق وعين البرجة وشوارع: المهدي بن بركة والحسن الثاني ويوسف بن تاشفين، وغيرها من وسط البيضاء إلى ضواحيها، بشكل وفر للدار البيضاء وعاء عقاريا مهما لتهوية عمرانها ولإنجاز مشاريع سكنية وخدماتية راقية تروم التجديد الحضري بالمدينة.
السخاء الملكي لم يتوقف عند هذا الحد، بل تم تسطير مخطط لتأهيل الدار البيضاء عقب خطاب محمد السادس الشهير بالبرلمان عام 2013، الذي برمجت له 33 مليار درهم (مخطط 2015\2020)، منها 120 مليون درهم لإعادة الروح لحديقة الجامعة العربية. هذا المشروع نفذ وفق الجدولة الزمنية المرسومة وافتتحت حديقة الجامعة العربية بعد رفع القيود في زمن كورونا (أواخر 2020). لكن ظلت ثكنة المعدات العسكرية ومقر الدرك الملكي بمثابة «مسمار جحا» في خاصرة الحديقة، علما أن المقاهي والأندية سويت مع الأرض. وهو ما قاد الملك، القائد الأعلى للجيش، إلى تفعيل سلطته، لتسريع وتيرة ترحيل هذه المنشآت العسكرية وكذا المقر الجهوي للدرك الملكي التي حدد لها أجل شتنبر 2024 لمغادرة الفضاء الأخضر بالجامعة العربية، والرحيل إلى شارع الهاشمي الفيلالي بعين الشق.