حتى لا يكذب عليكم أو ينصب عليكم أحد:
من يطالب بالانتصار لفهم وتأويل محافظ ل"الشرع" له، معه الحق. ومن يطالب بتأويل وفهم معتدل ل"الشرع" له، معه الحق..
الدولة ستختار بين الحقين، وربما تزيد وفقا لمصالحها ومصالح شعبها. ولها من المشروعية والشرعية للقيام بذلك وعلى أكمل وجه وبما يرضي الله.
أي في نهاية المطاف، لن تكون التعديلات إلا شرعية وقانونية..
هذا لا شك فيه، ومن يزعم العكس، لا يعرف تاريخ المغرب وتاريخ "المخزن" المغربي..
العلماء والفقهاء ليسوا حكرا على الجانبين(المتصارعين). الدولة ومؤسساتها لها أيضا علماء وفقهاء ومن الوزن الكبير جدا، وإلا فإنها ليست دولة.
مثلما ان المعارضة لها خبراؤها في الاقتصاد والسياسة، فإن الدولة لها خبراؤها في هذا المجال…
"راه كاين لي كيعتقد" أن العلماء "كاينين ها في جهة وحدة" ، فقط لأنهم يصرخون ويشاغبون في الفايس والتيك توك لأن "الجمهور عايز كدا". لا، لا ثم لا. الدولة كانت دائما مسلحة بعلمائها وفقهائها وخبرائها في المجال الديني، ولها هيئات ومؤسسات تمتلك من الخبرة والدراية ما لا يمتلكه الكثيرون.
قد تتفاجأون غدا من الأسماء التي ستدافع على شرعية التعديلات.
المشاغبات القائمة اليوم، مفهومة. هي ليست سوى "حرب مواقع" داخل رقعة الشطرنج..لا أتحدث عن "دراري الفايس واليوتوب" أو ما يعرف ب "مالين لقفاطن" ( الجيل الذي نفر الى سوريا والعراق وأفغانستان كان أكثر إقداما وجرأة منهم، لكنه انتهى حطبا).
الدولة، لحد الآن، لم تنزعج ولم ترد ولم تهتم، تراقب المشاغبات. لأنها تعلم أن المشاغبين الكبار(وليس صحاب لقفاطن) يتحدثون من داخل شرعيتها وبتزكية منها.
وعليه، فالجميع يتحرك من داخل دينامية خيمة أمير المؤمنين وفي أفقها وتحت ظلالها وتزكية لها، حتى لو استعملت احياناً لغة عنيفة وقد تبدو مغالية، فالدولة تسمح أحيانا للفرقاء باللعب الخشن بين بعضهم البعض. أوليست حكما بينهم..
ألم تلاحظوا أنه حتى جماعة العدل والإحسان، انخرطت في الدينامية الملكية للتعديلات، وقدمت مذكرتها ورؤيتها للتعديلات..أي أنها قدمت جوابا سياسيا على مبادرة سياسية ملكية (فرق كبير بين 2004 و2024). وهذا تطور كبير يحسب لصالح الجماعة، يأتي بعد تقديمها ل"الوثيقة السياسية ".
أكيد أن حدة المشاغبات مفهومة(الفطام صعب)، بالنظر لكون المبادرة بالتعديلات كانت ملكية ولم تكن "مطلباً" مجتمعياً. ولكون الملك حدد طبيعة تكوين لجنة التعديلات، ولم يختر أسلوب 2004(أي تمثيل الشخصيات والفعاليات والعلماء..).
أسلوب الملك في 2024 مخالف تماما، ومن هنا تفهم حدة المشاغبات. الملك اختار مؤسسات الدولة الدستورية للإشراف على التعديل(اللجنة) والنظر فيه(إمارة المؤمنين) والمصادقة عليه( البرلمان والحكومة).
بمعنى واضح، القوانين مهمة مؤسسات الدولة الدستورية، ومدونة الأسرة هي مجرد قانون مثل بقية القوانين. وانتهى عهد أخذ الترخيص من خارج شرعية مؤسسات الدولة، والتدافع من داخل تخصص الدولة لكسب "غنائم" سياسية..
في المحصلة، ليست طبيعة التعديلات هي المهمة، فالدولة قادرة على اختيار فهم محافظ وتنزيله شرعيا، كما هي قادرة على إخراج تأويل معتدل يوافق العصر وتزيله شرعيا وفقهيا وقانونيا..المهم والأساسي عند الدولة أنها أخذت المبادرة وألحقت قوانين، تهم الأسرة ولها طابع ديني، بدائرة المؤسسات الدستورية، وأخرجتها من دائرة الوسطاء الدينيين.
فمن الآن وصاعدا لم يعد مقبولا الوصاية على التشريعات والمزايدة بها تحت أي صفة كانت، إلا في إطار العمل السياسي والمدني المكفول للتظيمات السياسية والاجتماعية.