الأربعاء 1 مايو 2024
مجتمع

مجيدي: الجريمة السيبرانية أفرزت تحديات قانونية وعملية أمام أجهزة العدالة الجنائية بالمغرب

مجيدي: الجريمة السيبرانية أفرزت تحديات قانونية وعملية أمام أجهزة العدالة الجنائية بالمغرب السعدية مجيدي أستاذة التعليم العالي، مديرة مختبر البحث في السياسة الجنائية والقانون المقارن بجامعة القاضي عياض
أشارت‭ ‬السعدية‭ ‬مجيدي،‭ ‬أستاذة‭ ‬التعليم‭ ‬العالي ‭و ‬مديرة‭ ‬مختبر‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الجنائية‭ ‬والقانون‭ ‬المقارن‭ ‬بجامعة‭ ‬القاضي‭ ‬عياض بمراكش،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬سبب‭ ‬تفشي‭ ‬الجريمة‭ ‬السيبرانية‭ ‬بالمغرب‭ ‬راجع‭ ‬بالأساس‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬قيام‭ ‬الضحايا‭ ‬بالتبليغ‭ ‬لدى‭ ‬السلطات‭ ‬المختصة،‭ ‬وإلى‭ ‬بساطة‭ ‬الوسائل‭ ‬المستعملة‭ ‬في‭ ‬ارتكابها‭ ‬وإلى‭ ‬المبالغ‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬يجنيها‭ ‬مرتكبوها‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬هذه‭ ‬العمليات‭ ‬غير‭ ‬المشروعة. ‬وأضافت‭ ‬مجيدي‭ ‬بأن‭ ‬جريمة‭ ‬المس‭ ‬بالحياة‭ ‬الخاصة‭ ‬للأفراد‭ ‬عبر‭ ‬الوسائط‭ ‬السيبرانية‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬المقدمة‭.‬

كما‭ ‬تطرقت‭ ‬الى‭ ‬جهود‭ ‬المشرع‭ ‬المغربي‭ ‬للتصدي‭ ‬للجريمة‭ ‬السيبرانية،‭ ‬حيث‭ ‬شهد‭ ‬العقد‭ ‬الحالي‭ ‬طفرة‭ ‬تشريعية‭ ‬غير‭ ‬معهودة‭ ‬شملت‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالتكنولوجيات‭ ‬الحديثة‭ ‬للإعلام‭ ‬والاتصال،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬إحداث‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الهيئات‭ ‬لمواكبة‭ ‬للتطور‭ ‬الرقمي‭..‬
 
كيف‭ ‬تنظرين‭ ‬إلى‭ ‬تعدد‭ ‬تسميات‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬وهل‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬يبرره‭ ‬في‭ ‬نظرك؟‭ ‬
أدى‭ ‬الاستخدام‭ ‬غير‭ ‬المشروع‭ ‬للتطورات‭ ‬التكنولوجية‭ ‬الحديثة‭ ‬إلى‭ ‬بروز‭ ‬ظاهرة‭ ‬إجرامية‭ ‬جديدة‭ ‬ومعقدة،‭ ‬والتي‭ ‬تعددت‭ ‬تسمياتها‭ ‬نتيجة‭ ‬عدم‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬مصطلح‭ ‬موحد‭ ‬للدلالة‭ ‬عليها،‭ ‬فهناك‭ ‬من‭ ‬يطلق‭ ‬عليها‭ ‬الجريمة‭ ‬الإلكترونية‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يطلق‭ ‬عليها‭ ‬الجريمة‭ ‬المعلوماتية‭ ‬وآخر‭ ‬يسميها‭ ‬الجريمة‭ ‬السيبرانية‭ ‬حسب‭ ‬السياقات‭ ‬الخاصة‭ ‬بكل‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم،‭ ‬حيث‭ ‬تميزت‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬بطبيعة‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الوسائل‭ ‬التي‭ ‬ترتكب‭ ‬بها،‭ ‬ومن‭ ‬حيث‭ ‬المحل‭ ‬الذي‭ ‬تقع‭ ‬عليه‭ ‬ومن‭ ‬حيث‭ ‬الجناة‭ ‬الذين‭ ‬يرتكبونها،‭ ‬ومن‭ ‬حيث‭ ‬طبيعتها‭ ‬التي‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬والذكاء‭ ‬البشري‭.‬

هذا‭ ‬وتتجلى‭ ‬خطورة‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬الإجرامية‭ ‬المستحدثة‭ ‬في‭ ‬سهولة‭ ‬ارتكابها،‭ ‬وتنفيذها‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يستغرق‭ ‬إلا‭ ‬دقائق‭ ‬معدودات،‭ ‬وأحيانا‭ ‬تتم‭ ‬في‭ ‬لمح‭ ‬البصر،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬محو‭ ‬آثارها‭ ‬وإتلاف‭ ‬أدلتها‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬يلجأ‭ ‬إليه‭ ‬عقب‭ ‬ارتكابها،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬مرتكبيها‭ ‬يتسمون‭ ‬بالدهاء‭ ‬والذكاء‭.‬

والجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬سر‭ ‬اختلاف‭ ‬التسميات‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬النسق‭ ‬الذي‭ ‬يعالج‭ ‬فيه‭ ‬الباحث‭ ‬موضوع‭ ‬بحثه‭ ‬أو‭ ‬أخذا‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬موضوع‭ ‬الحق‭ ‬الذي‭ ‬وقع‭ ‬عليه‭ ‬الاعتداء‭. ‬فمن‭ ‬يستخدم‭ ‬مصطلح‭ ‬الجريمة‭ ‬الالكترونية‭ ‬فيقصد‭ ‬به‭ ‬الجرائم‭ ‬المرتكبة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الكومبيوتر‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬الوسائل‭ ‬الإلكترونية‭. ‬أما‭ ‬من‭ ‬يستخدم‭ ‬مصطلح‭ ‬الجريمة‭ ‬المعلوماتية‭ ‬أراد‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الجريمة‭ ‬التي‭ ‬يكون‭ ‬فيها‭ ‬موضوع‭ ‬الحق‭ ‬المعتدى‭ ‬عليه‭ ‬(المعلومة)‭. ‬أما‭ ‬من‭ ‬يستخدم‭ ‬مصطلح‭ ‬الجريمة‭ ‬السيبرانية‭ ‬فيقصد‭ ‬به‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬شبكات‭ ‬ونظم‭ ‬الاتصال‭ ‬داخل‭ ‬الفضاء‭ ‬الافتراضي‭. ‬وعلى‭ ‬العموم،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬استخدام‭ ‬هذا‭ ‬المصطلح‭ ‬الأخير‭ ‬ذو‭ ‬دلالة‭ ‬واسعة‭ ‬يأخذ‭ ‬بالحسبان‭ ‬مستجدات‭ ‬الاختراعات‭ ‬الالكترونية‭ ‬ووسائل‭ ‬الاتصال‭ ‬أي‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يخدم‭ ‬المعلومة‭.‬
 
ماذا‭ ‬عن‭ ‬تعريف‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونية‭ ‬في‭ ‬التشريع‭ ‬الوطني‭ ‬والدولي؟‭ ‬
أعتقد‭ ‬أن‭ ‬مسألة‭ ‬تعريف‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونية‭ ‬من‭ ‬المسائل‭ ‬الشائكة‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬كحجر‭ ‬عائق‭ ‬أمام‭ ‬المهتم‭ ‬بالقانون،‭ ‬إذ‭ ‬أنه‭ ‬يصعب‭ ‬وضع‭ ‬تعريف‭ ‬عام‭ ‬وشامل‭ ‬لها‭ ‬لغاية‭ ‬الآن،‭ ‬وذلك‭ ‬خشية‭ ‬من‭ ‬حصرها‭ ‬في‭ ‬مجـــــال‭ ‬ضيق،‭ ‬نظرا‭ ‬للتطور‭ ‬السريع‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬المعلومات،‭ ‬وقد‭ ‬تعددت‭ ‬التعاريف‭ ‬التي‭ ‬أعطيت‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬بينها:
 
1: تعريف‭ ‬المشرع‭ ‬المغربي
لقد‭ ‬عرف‭ ‬المشرع‭ ‬المغربي‭ ‬الجرائم‭ ‬السيبرانية‭ ‬بالمادة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬القانون‭ ‬05.20‭ ‬المتعلق‭ ‬بالأمن‭ ‬السيبراني‭ ‬الصادر‭ ‬سنة‭ ‬2020‭ ‬بأنها‭ ‬"مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأفعال‭ ‬المخالفة‭ ‬للتشريع‭ ‬الوطني‭ ‬أو‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬صادقت‭ ‬عليها‭ ‬المملكة‭ ‬المغربية،‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬شبكات‭ ‬ونظم‭ ‬المعلومات‭ ‬أو‭ ‬تستعملها‭ ‬كوسيلة‭ ‬لارتكاب‭ ‬جنحة‭ ‬أو‭ ‬جناية"‭.‬
 
2:‭ ‬تعريف‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬للجريمة‭ ‬السيبرانية
إن‭ ‬أغلب‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬الدولية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالجريمة‭ ‬السيبرانية‭ ‬لم‭ ‬تعرفها‭ ‬كاتفاقية‭ ‬بودابست‭ ‬التابعة‭ ‬لمجلس‭ ‬أوروبا‭ ‬التي‭ ‬صادقت‭ ‬المملكة‭ ‬المغربية‭ ‬على‭ ‬برتوكولها‭ ‬الإضافي‭ ‬الأول‭ ‬سنة‭ ‬2018‭ ‬وعلى‭ ‬برتوكولها‭ ‬الإضافي‭ ‬سنة‭ ‬2022،‭ ‬والاتفاقية‭ ‬العربية‭ ‬لمكافحة‭ ‬جرائم‭ ‬تقنية‭ ‬المعلومات‭ ‬التي‭ ‬صادقت‭ ‬عليها‭ ‬المملكة‭ ‬المغربية‭ ‬سنة‭ ‬.2013‭‬

ولقد‭ ‬عرف‭ ‬مؤتمر‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬العاشر‭ ‬لمنع‭ ‬الجريمة‭ ‬ومعاقبة‭ ‬المجرمين‭ ‬الذي‭ ‬عقد‭ ‬في‭ ‬فيينا‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬10‮ ‬و17 أبريل‭ ‬2000‭ ‬الجريمة‭ ‬السيبرانية‭ ‬بأنها: "أية‭ ‬جريمة‭ ‬يمكن‭ ‬ارتكابها‭ ‬بواسطة‭ ‬نظام‭ ‬حاسوبي‭ ‬أو‭ ‬شبكة‭ ‬حاسوبية،‭ ‬والجريمة‭ ‬تلك‭ ‬تشمل‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬المبدئية‭ ‬جميع‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬ارتكابها‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬إلكترونية"‭.‬
 
وماهي‭ ‬أصناف‭ ‬الجرائم‭ ‬السيبرانية؟‭ ‬
لقد‭ ‬تباينت‭ ‬أشكال‭ ‬وصور‭ ‬الجرائم‭ ‬السيبرانية‭ ‬مما‭ ‬تعذر‭ ‬تحديدها،‭ ‬فلم‭ ‬يتفق‭ ‬الفقهاء‭ ‬على‭ ‬معيار‭ ‬واحد‭ ‬للتصنيف‭ ‬بل‭ ‬اختلف‭ ‬استنادهم‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬بين‭ ‬نظم‭ ‬الحاسوب‭ ‬والدافع‭ ‬لارتكاب‭ ‬الجريمة‭ ‬والوسيلة‭ ‬المستعملة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المرتكزات،‭ ‬ولهذا‭ ‬توصلنا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الجريمة‭ ‬السيبرانية‭ ‬يمكن‭ ‬تصنيفها‭ ‬إلى‭ ‬أربع‭ ‬فئات‭ ‬هي:‭ ‬
 
1‬- الجرائم‭ ‬الواقعة‭ ‬على‭ ‬النظم‭ ‬المعلوماتية:‭ ‬وتشمل‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬الدخول‭ ‬أو‭ ‬البقاء‭ ‬غير‭ ‬المشروع‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬المعالجة‭ ‬الآلية‭ ‬للمعطيات؛‭ ‬وجرائم‭ ‬عرقلة‭ ‬سير‭ ‬النظام‭ ‬أو‭ ‬إحداث‭ ‬خلل‭ ‬فيه؛‭ ‬وجرائم‭ ‬تزوير‭ ‬الوثائق‭ ‬المعلوماتية‭ ‬واستعمالها‭.‬
 
2‬- الجرائم‭ ‬الواقعة‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬الدولة:‭ ‬وتشمل‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬الإرهاب‭ ‬المرتكب‭ ‬عبر‭ ‬الوسائط‭ ‬السيبرانية‭ ‬والإشادة‭ ‬به؛‭ ‬وجرائم‭ ‬التجسس‭ ‬عبر‭ ‬الوسائط‭ ‬السيبرانية؛‭ ‬وجرائم‭ ‬المس‭ ‬بنظم‭ ‬ووسائل‭ ‬الاتصال‭ ‬التابعة‭ ‬للدفاع‭ ‬الوطني‭.‬
 
3‬- الجرائم‭ ‬الواقعة‭ ‬على‭ ‬الأشخاص:‭ ‬وتشمل‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬التشهير‭ ‬والتحرش‭ ‬الجنسي‭ ‬والابتزاز‭ ‬الجنسي‭ ‬عبر‭ ‬الوسائط‭ ‬السيبرانية؛‭ ‬وجرائم‭ ‬القذف‭ ‬والسب‭ ‬المرتكبة‭ ‬عبر‭ ‬الوسائط‭ ‬السيبرانية؛‭ ‬وجرائم‭ ‬الاتجار‭ ‬في‭ ‬البشر‭ ‬عبر‭ ‬الوسائط‭ ‬السيبرانية‭.‬
 
4‬- الجرائم‭ ‬الواقعة‭ ‬على‭ ‬الأموال:‭ ‬وتشمل‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬جريمة‭ ‬غسل‭ ‬الأموال‭ ‬عبر‭ ‬الوسائط‭ ‬السيبرانية؛‭ ‬وجرائم‭ ‬السرقة‭ ‬والنصب‭ ‬وخيانة‭ ‬الأمانة‭ ‬عبر‭ ‬الوسائط‭ ‬السيبرانية‭.‬

‭‬وعلاقة‭ ‬بهذا‭ ‬المقتضى،‭ ‬فقد‭ ‬صنفت‭ ‬اتفاقية‭ ‬بودابست‭ ‬الجرائم‭ ‬السيبرانية‭ ‬إلى‭ ‬أربعة‭ ‬أنواع‭ ‬مختلفة‭ ‬هي:‭ ‬الجرائم‭ ‬ضد‭ ‬سلامة‭ ‬المعلومات‭ ‬وخصوصيتها؛‭ ‬والجرائم‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭ ‬بالكمبيوتر؛‭ ‬والجرائم‭ ‬المتعلقة‭ ‬بمحتوى‭ ‬الكمبيوتر؛‭ ‬والجرائم‭ ‬التي‭ ‬تتعلق‭ ‬بالعلامات‭ ‬التجارية‭ ‬والملكية‭ ‬الفكرية‭.‬
 
ما‭ ‬هي‭ ‬الأصناف‭ ‬الأكثر‭ ‬تفشيا‭ ‬وخطورة‭ ‬في‭ ‬المغرب؟‭ ‬
من‭ ‬خلال‭ ‬الاطلاع‭ ‬على‭ ‬المعطيات‭ ‬الإحصائية‭ ‬المنشورة‭ ‬بتقارير‭ ‬رئاسة‭ ‬النيابة‭ ‬العامة،‭ ‬وخاصة‭ ‬التقرير‭ ‬الأخير‭ ‬لسنة‭ ‬2022،‬يلاحظ‭ ‬أن‭ ‬حجم‭ ‬انتشار‭ ‬الجريمة‭ ‬السيبرانية‭ ‬ببلادنا‭ ‬عرف‭ ‬ارتفاعا‭ ‬كبيرا،‭ ‬إذ‭ ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬المتابعين‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬جرائم‭ ‬المس‭ ‬بنظم‭ ‬المعالجة‭ ‬الآلية‭ ‬للمعطيات‭ ‬260‭ ‬متابعا‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬14‭ ‬أجنبيا‭ ‬خلال‭ ‬نفس‭ ‬السنة،‭ ‬وبلغ‭ ‬عدد‭ ‬المتابعين‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬النصب‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الانترنت‭ ‬49‭ ‬متابعا،‭ ‬وبلغ‭ ‬عدد‭ ‬المتابعين‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الابتزاز‭ ‬الجنسي‭ ‬عبر‭ ‬الوسائط‭ ‬السيبرانية‭ ‬349‭ ‬متابعا،‭ ‬والتحرش‭ ‬الجنسي‭ ‬بواسطة‭ ‬رسائل‭ ‬هاتفية‭ ‬أو‭ ‬إلكترونية‭ ‬أو‭ ‬تسجيلات‭ ‬أو‭ ‬صور‭ ‬180‭ ‬متابعا‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬القضايا‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالجرائم‭ ‬السيبرانية‭ ‬الماسة‭ ‬بالحياة‭ ‬الخاصة‭ ‬للأفراد‭ ‬1709‭ ‬قضية‭ ‬وتوبع‭ ‬على‭ ‬إثرها‭ ‬2005‭ ‬متهما‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬15‭ ‬أجنبيا‭.‬

وبخصوص‭ ‬الأصناف‭ ‬الأكثر‭ ‬تفشيا‭ ‬وخطورة‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استقراء‭ ‬المعطيات‭ ‬المتضمنة‭ ‬أعلاه،‭ ‬يتضح‭ ‬جليا‭ ‬أن‭ ‬ظاهرة‭ ‬المس‭ ‬بالحياة‭ ‬الخاصة‭ ‬للأفراد‭ ‬عبر‭ ‬الوسائط‭ ‬السيبرانية‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬المقدمة‭ ‬حيث‭ ‬عرفت‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬ارتفاعاً‭ ‬مهولا،‭ ‬وذلك‭ ‬عبر‭ ‬التقاط‭ ‬عمدا‭ ‬أو‭ ‬تسجيل‭ ‬أو‭ ‬بث‭ ‬أو‭ ‬توزيع‭ ‬أقوال‭ ‬أو‭ ‬معلومات‭ ‬صادرة‭ ‬بشكل‭ ‬سري‭ ‬دون‭ ‬موافقة‭ ‬أصحابها‭ ‬(الفصل‭ ‬1-447‭ ‬الفقرة‭ ‬1‭ ‬من‭ ‬القانون‭ ‬الجنائي)؛‭ ‬أو‭ ‬تثبيت‭ ‬عمدا‭ ‬أو‭ ‬تسجيل‭ ‬أو‭ ‬بث‭ ‬صورة‭ ‬شخص‭ ‬يتواجد‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬خاص‭ ‬دون‭ ‬موافقته‭ ‬(الفصل‭ ‬1-447‭ ‬الفقرة‭ ‬2‭ ‬من‭ ‬القانون‭ ‬الجنائي)؛‭ ‬أو‭ ‬القيام‭ ‬عمدا‭ ‬ببث‭ ‬أو‭ ‬توزيع‭ ‬تركيبة‭ ‬مكونة‭ ‬من‭ ‬أقوال‭ ‬شخص‭ ‬أو‭ ‬صورته‭ ‬دون‭ ‬موافقته‭...‬أو‭ ‬التشهير‭ ‬بهم‭ ‬(الفصل‭ ‬2-447‭ ‬من‭ ‬القانون‭ ‬الجنائي)‭. ‬تليها‭ ‬جنحة‭ ‬الابتزاز‭ ‬الجنسي‭ ‬عبر‭ ‬الوسائط‭ ‬السيبرانية‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التهديد‭ ‬بنشر‭ ‬أمور‭ ‬شائنة،‭ ‬المنصوص‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬538‭ ‬من‭ ‬القانون‭ ‬الجنائي‭.‬

تجب‭ ‬الإشارة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬سبب‭ ‬تفشي‭ ‬الجريمة‭ ‬السيبرانية‭ ‬بالمغرب‭ ‬راجع‭ ‬بالأساس‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬قيام‭ ‬الضحايا‭ ‬بالتبليغ‭ ‬لدى‭ ‬السلطات‭ ‬المختصة،‭ ‬وإلى‭ ‬بساطة‭ ‬الوسائل‭ ‬المستعملة‭ ‬في‭ ‬ارتكابها‭ ‬وإلى‭ ‬المبالغ‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬يجنيها‭ ‬مرتكبوها‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬هذه‭ ‬العمليات‭ ‬غير‭ ‬المشروعة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الضحايا‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬يتميزون‭ ‬بنوع‭ ‬من‭ ‬السذاجة،‭ ‬إما‭ ‬بسبب‭ ‬حداثة‭ ‬سنهم‭ ‬وقلة‭ ‬تجربتهم‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬أو‭ ‬لكونهم‭ ‬حديثي‭ ‬العهد‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الحديثة‭. ‬
 
ماذا‭ ‬عن‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تطرحها‭ ‬الجريمة‭ ‬السيبرانية‭ ‬على‭ ‬المؤسسات‭ ‬الأمنية‭ ‬والقضائية‭ ‬والجامعية؟
من‭ ‬المعلوم‭ ‬أن‭ ‬الجريمة‭ ‬السيبرانية‭ ‬أفرزت‭ ‬تحديات‭ ‬وصعوبات‭ ‬قانونية‭ ‬وعملية‭ ‬أمام‭ ‬أجهزة‭ ‬العدالة‭ ‬الجنائية‭ ‬بمناسبة‭ ‬تطبيق‭ ‬القوانين‭ ‬التي‭ ‬وضعت‭ ‬لمكافحتها،‭ ‬وما‭ ‬صاحب‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬جدل‭ ‬بين‭ ‬فقهاء‭ ‬القانون‭ ‬حول‭ ‬كيفية‭ ‬مواجهتها‭ ‬زجريا‭ ‬نظرا‭ ‬لخصوصيتها‭ ‬وطبيعتها‭ ‬المعقدة،‭ ‬بحيث‭ ‬تغيرت‭ ‬الجريمة‭ ‬من‭ ‬صورتها‭ ‬التقليدية‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬صورتها‭ ‬المادية‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭ ‬معنوية،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬نتج‭ ‬عنه‭ ‬عدة‭ ‬مشاكل‭ ‬في‭ ‬التطبيق‭ ‬العملي،‭ ‬بداية‭ ‬بالقانون‭ ‬الجنائي‭ ‬الموضوعي‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬إمكانية‭ ‬تطبيق‭ ‬نصوصه‭ ‬التقليدية‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الجرائم‭ ‬واحترام‭ ‬مبدأ‭ ‬الشرعية‭ ‬والتفسير‭ ‬الضيق‭ ‬للنصوص‭ ‬الجنائية،‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬الشق‭ ‬الإجرائي‭ ‬المرتبط‭ ‬بقانون‭ ‬المسطرة‭ ‬الجنائية‭ ‬حيث‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬اكتشاف‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬أو‭ ‬تحديد‭ ‬مصدرها‭ ‬ونسبتها‭ ‬لمرتكبها‭ ‬نظرا‭ ‬لعدم‭ ‬اعتراف‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬بالحدود‭ ‬الإقليمية‭ ‬للدول‭ ‬حيث‭ ‬ترتكب‭ ‬الجريمة‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬على‭ ‬شبكة‭ ‬الانترنت‭ ‬وتحقق‭ ‬أثرها‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬أو‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬متعددة‭ ‬ومن‭ ‬قبل‭ ‬شخص‭ ‬أو‭ ‬أشخاص‭ ‬يحملون‭ ‬جنسيات‭ ‬مختلفة،‭ ‬مما‭ ‬يثير‭ ‬إشكالا‭ ‬قانونيا‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬مكان‭ ‬وقوع‭ ‬الجريمة‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬القانون‭ ‬الواجب‭ ‬التطبيق‭ ‬عليها،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬تباين‭ ‬التوجهات‭ ‬القضائية‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬محاكم‭ ‬المملكة‭ ‬خلال‭ ‬عرض‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬أمامها‭.‬

وعلاوة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تقدم‭ ‬ذكره،‭ ‬فإن‭ ‬تطور‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعد‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬مجالاً‭ ‬للخبراء‭ ‬والباحثين‭ ‬فقط،‭ ‬أصبحت‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬متناول‭ ‬الجميع،‭ ‬بمن‭ ‬فيهم‭ ‬المجرمين‭ ‬السيبرانيين،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬محركات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬المنتشرة‭ ‬في‭ ‬الانترنت‭ ‬المظلم‭ ‬تمكن‭ ‬الجناة‭ ‬من‭ ‬تخصيص‭ ‬المحتوى‭ ‬لضحايا‭ ‬محددين،‭ ‬مما‭ ‬يعزز‭ ‬فاعلية‭ ‬هجماتهم‭ ‬ونجاحها‭ ‬في‭ ‬اختراق‭ ‬وابتزاز‭ ‬الضحايا‭ ‬كالتلاعب‭ ‬بالصور‭ ‬البريئة‭ ‬وتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬محتوى‭ ‬إباحي‭ ‬مزيف،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬إخفاء‭ ‬هوياتهم‭ ‬وانتحال‭ ‬هويات‭ ‬وأصوات‭ ‬أشخاص‭ ‬آخرين‭ ‬للإفلات‭ ‬من‭ ‬تعقب‭ ‬أجهزة‭ ‬العدالة‭ ‬الجنائية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬تطبيقات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬أصبحت‭ ‬تستغل‭ ‬في‭ ‬إنجاز‭ ‬البحوث‭ ‬العلمية‭ ‬بدون‭ ‬أدنى‭ ‬جهد‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الطلبة‭ ‬الباحثين،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يفرض‭ ‬ضرورة‭ ‬تدخل‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬والقطاعات‭ ‬المعنية‭ ‬لضمان‭ ‬مستقبل‭ ‬رقمي‭ ‬آمن‭ ‬للجميع‭.  ‬

وقد‭ ‬حاول‭ ‬المشرع‭ ‬المغربي‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان‭ ‬التصدي‭ ‬للجريمة‭ ‬السيبرانية‭ ‬بفعل‭ ‬تزايد‭ ‬تهديداتها‭ ‬يومًا‭ ‬بعد‭ ‬يوم،‭ ‬ورغبة‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬مسايرة‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬الدولية،‭ ‬بسن‭ ‬تشريعات‭ ‬خاصة‭ ‬أو‭ ‬إضافة‭ ‬نصوص‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬مجموعة‭ ‬القانون‭ ‬الجنائي‭ ‬المغربي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ملاءمته‭ ‬التطور‭ ‬الحالي،‭ ‬بوضع‭ ‬إطار‭ ‬عام‭ ‬لأهم‭ ‬صور‭ ‬الجريمة‭ ‬السيبرانية‭ ‬متمثل‭ ‬في‭ ‬تسعة‭ ‬فصول‭ ‬للجرائم‭ ‬الماسة‭ ‬بنظم‭ ‬المعالجة‭ ‬الآلية‭ ‬للمعطيات‭ ‬بموجب‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ ‬03.07،‭ ‬ودمجه‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬الجنائي‭. ‬وفي‭ ‬مقابل‭ ‬ذلك،‭ ‬خص‭ ‬صورا‭ ‬أخرى‭ ‬لهذه‭ ‬الجرائم‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬قوانين‭ ‬خاصة‭ ‬أهمها‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ ‬09.08‭ ‬المتعلق‭ ‬بحماية‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذاتيين‭ ‬اتجاه‭ ‬المعطيات‭ ‬ذات‭ ‬طابع‭ ‬الشخصي‭. ‬والقانون‭ ‬53.05‭ ‬المتعلق‭ ‬بالتبادل‭ ‬الإلكتروني‭ ‬للمعطيات‭ ‬القانونية،‭ ‬والقانون‭ ‬05.20‭ ‬المتعلق‭ ‬بالأمن‭ ‬السيبراني،‭ ‬والقانون‭ ‬103.13‭ ‬المتعلق‭ ‬بمحاربة‭ ‬العنف‭ ‬ضد‭ ‬النساء،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬القوانين‭ ‬الأخرى،‭ ‬حيث‭ ‬شهد‭ ‬العقد‭ ‬الحالي‭ ‬طفرة‭ ‬تشريعية‭ ‬غير‭ ‬معهودة‭ ‬شملت‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالتكنولوجيات‭ ‬الحديثة‭ ‬للإعلام‭ ‬والاتصال،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬إحداث‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الهيئات‭ ‬مواكبة‭ ‬للتطور‭ ‬الرقمي‭ ‬(المجلس‭ ‬الوطني‭ ‬لتكنولوجيات‭ ‬الإعلام‭ ‬والاقتصاد‭ ‬الرقمي؛‭ ‬المركز‭ ‬المغربي‭ ‬للإنذار‭ ‬وتدبير‭ ‬الحوادث‭ ‬المعلوماتية؛‭ ‬الوكالة‭ ‬الوطنية‭ ‬لتقنين‭ ‬المواصلات؛‭ ‬المديرية‭ ‬العامة‭ ‬لأمن‭ ‬نظم‭ ‬المعلومات)‭.‬