السبت 27 إبريل 2024
سياسة

منتدى الرافدين ببغداد: فضاء للانفتاح الفكري والسياسي بالعراق

منتدى الرافدين ببغداد: فضاء للانفتاح الفكري والسياسي بالعراق جانب من اللقاء

عندما تزور العراق، ليس كما تزور أي بلد اخر بالمنطقة، خاصة في هذه الفترة التي يحاول هذا البلد الخروج من سنوات الحرب والإرهاب والانقسام الطائفي الذي إثر على نموه الاقتصادي والاجتماعي وتنمينه في السنوات الأخيرة. عندما تلقيت هذه الدعوة الكريمة من منظمي منتدى الرافدين حول "مستقبل الانسان: أزمات وتحولات " (3-5 مارس 2024 ) كنت متحمسا لزيارة هذا البلد، الذي يمثل لنا في المغرب رمزية خاصة حتى على المستوى الشخصي، فقد صادفت حرب العراق الأولى مع نهاية مساري الجامعي، وما عرفته الجامعة المغربية والمجتمع المغربي من تظاهرات ضد الحرب التي شنتها أمريكا على العراق.

طبعا عندما تزور العراق اليوم، فان اثار سنوات الحرب مازالت بادية، والانتشار الكثيف لقوات الامن والجيش بارزا في كل أطراف مدينة بغداد خاصة في المنطقة الخضراء التي تضم مؤسسات الحكومة والتمثيليات الديبلوماسية الأجنبية الموجودة بالعراق.

في البداية، كنت مترددا في الخروج من فندق الرشيد مقر ملتقى الرافيدين من اجل زيارة بعض احياء بغداد، لأنني غير متعود على رؤية هذا العدد   الكبير من عناصر الجيش والشرطة والمسلحين في مختلف نقط المرور. لكن زيارة حي المتنبي والفضاءات الثقافية لبغداد والمعالم الأثرية انتصرت في الأخير على الخوف وعلى التردد والتوجس الذي يرافق كل أجنبي لبلد ما لأول مرة. وكان تشجيع العراقيين سواء الأصدقاء او الزملاء محفزا في ذلك. الجميع يقول لك اطلع الى البلد انه امن وسوف ترى بأم عينك، وهكذا كان، كنا دائما نستقبل بصدر رحب وبكرم العراقيين الكبير وطيببوتهم التلقائية والإنسانية، خاصة عندما اقول لهم انني مغربي وصديقي احمد تونسي، عندما تريد تأدية واجب القهوة أو التاكسي فإنك تسمع دائما " ما يحتاج". بمعنى أنك ضيف، كان دائما على القيام بالإلحاح لتأدية الواجب، وعندما تتجول في احياء بغداد وزقاقها تشعر بالأمن والدفئ الإنساني وتشعر أن هناك شعبا شابا يريد أن يدير صفحة الماضي، هذه الفترة السوداء التي رافقت العراق عقدين مند الحرب الأميركية على هذا البلد الشقيق. 

المفاجأة الكبيرة التي كانت في هذا المنتدى الفكرة للحوار هو حضور كل الاطياف الفكرية والسياسية بالعراق وكل وجهات النظر، بما فيها الفاعلين على المستوى الدولي، ففي اشغال الندوة لا يفوتك هذا الحضور سواء للإيرانيين والامريكان بالإضافة الى حضور من الكويت، المغرب، تونس، فرنسا، مصر والأردن، لبنا وتركيا، باكستان، الهند وغير ها من البلدان الأجنبية والعربية التي تهتم بالعراق ومستقبله.

مركز الرافيدين نظم اللقاء في دورته الخامسة تحت شعار "مستقبل الانسان: أزمات تحولات" الذي يسهر على ادارته هذا تلة من الشباب تعمل على التفكير في مستقبل العراق، رئيس هذا المنتدى السيد زيد

الطالقاني قال في الافتتاح "نحن في المركز ننظر الى المستقبل وليس لدينا سلاح سوى التباحث والتفكر في الأزمات الدولية والإقليمية والمحلية ونأمل ان نسهم في دفع المناقشات المتعلقة بمصير هذا العالم خطوة الى الأمام على المسار الإيجابي." وهو مسعى توفق فيه المركز من خلال تنوع وتعدد الشخصيات المشاركة في هذا الملتقى من وجهات متناقضة.

وأضاف "مخطىء من يعتقد بأن العراق وباقي البلدان الأخرى بإمكانها ان تعيش بمفردها، دون ان تتأثر بما يحدث على بعد قارتين منها، فثمة سلسلة بشرية واحدة، ان سحبت حلقتها الأولى تداعت كل الحلقات الأخرى." وهو ما يعني ان العراق جزء من منطقة ومنتظم دولي يؤثر فيه ويتأثر به حسب رئيس المركز.

هذا الملتقى حضر افتتاحه رئيس الحكومة محمد شياع السوادني الذي قال في كلمة افتتاح هذا المنتدى ان "كل الظروف التي استدعت وجود التحالف الدولي بالعراق انتهت الآن" وأضاف ان "اللجنة الثنائية العراقية-الأمريكية بدأت اجتماعاتها عبر حوارات مهنية من أجل الاتفاق على جدول زمني لأنهاء تواجد المستشارين في العراق. "ويعني رئيس الحكومة بذلك التواجد الأميركي بالعراق الذي  كان احد اهم ما تطرق له رئيس وزراء العراق، وهو ما يعني قدرة هذا البلد  اليوم على الخروج من الازمة الأمنية التي عاشها في السنوات الأخيرة وظاهرة الإرهاب التي تعرض لها أيضا . من اجل ان ينطلق نحو الإصلاحات الاقتصادية والمالية وتوفير العمل لشباب دينامي وخلاق.

وفي أسئلة الحاضرين كان التوازن الذي يقوم به العراق في المنقطة حاضرة في أسئلة الاعلاميين خاصة التوازن بين إيران وامريكا داخل العراق، وتدبير هذه الوضعية التي تؤدي الى الاصطدام المباشر بين الطرفين بالإضافة الى الوضع الاقتصادي ومختلف المجهودات التي تقوم بها الحكومة من اجل إعادة الاستقرار والأمن وكذلك تنمية البلد من اجل توفير الشغل لعشرات الاف من الشباب الذين يصلون الى سوق العمل كل سنة.

طبعا الندوات والورشات التي شهدها  المنتدى كانت تمس اغلب مواضيع  التي تشغل عالم اليوم من الذكاء الاصطناعي الى  مجال البترول وقضايا الاحتباس الحراس وهو ما يعكس جيلا من العراق منفتحا على التحولات التي يشهدها العالم  في مختلف المجالات، وكان الهاجس الأمني والخروج من الازمة التي شهدها العراق حاضرا أيضا في هذا المنتدى،  الذي يصهر عليه تلة من الشباب  المؤمنون  بمستقبل العراق ومواطنيه ،ورغبة اغلب مواطنيه الخروج من الازمة الطائفية التي عاشها هذا البلد لعقدين من الزمن تقريبا والتي تركت اثرا كثير على عدة أجيال من العراقيين.

رغم ثقل المشاكل التي يعني منها البلد نتيجة سنوات من الحرب نلاحظ ان العراقيين يهتمون بما يحدث بباقي العالم، وكانت دائما المفاجأة سارة عندما يبلغك جزء من المواطنين عند اللقاء بهم عن صورتهم الإيجابية عن المغرب واهل المغرب.

تنوع المشاركين والحاصرين الى هذا الملتقى خصوصا من الأجانب، هو ما ميز هذا المنتدى، أحد المشاركين من ايران سألني، عن اهم ما ميز هذا الملتقى في نظري، قلت له، أن أهم شيء في هذا اللقاء هو حظركم كإيرانيين الى جانب حضور الأميركيين للحوار بدل لغة الطائرات المسيرة وكان بالمناسبة زميله الأميركي غير بعيد عن مكان تواجدنا بالإضافة الى محاضر من روسيا. الوضع بالعراق اليوم رغم تعقده السياسي والطائفي حيث اعطى هذا الوضع تميزا للعراق باعتباره البلد الوحيد بالمنطقة الذي يمكنه ان يجمع هذا التنوع السياسي والدولي في نفس الملتقى من اجل الحوار، حيث يدلي كل فريق بوجهة نظره في احترام الطرف الاخر خاصة ان التواجد الإيراني والأميركي بالعراق هو بالقوة بالمكان وأن الدولة العراقية تتعاون مع الطرفين من اجل ضمان وحدة العراق وامنه خاصة ان العراق اليوم يضم عدة طوائف أهمها الشيعة، السنة، الاكراد وكانت هي الأخرى ممثلة في هذا المنتدى بما فيها الأحزاب السياسية الأساسية بالمشهد العراقي من خلال تدخل بعض قادتها بالمنتدى بالإضافة الى عدد كبير من الوزراء الذين شاركوا في هذا اللقاء كل حسب تخصصه ومجال عمله.

طبعا العراقيون اليوم فخورون بهذا التعدد الذي كان مشكلا في السنوات القلية الماضية، وكل السياسيين بمن فييهم رئيس الحكومة تحدثوا عن تدبير هذا التوازن من طرف أطراف تكن العداء لبعضها البعض خاصة بين واشنطن وطهران اللذان مازالت المواجهة مفتوحة بينهما كما وقع قبل عدة أسابيع في بغداد وهي مواجهة يمكن القول أمها مفتوحة.

طبعا هذا الهدوء الحذر يقويه رغم كل ذلك العراقيون ورغبتهم في الخروج من هذا النفق الأسود وهذا العنف والإرهاب الذي تعرض له بلدهم في السنوات الأخيرة نحو التنمية والرفاه خاصة انه بلد غني بثرواته البترولية والبشرية التي يمكن ان تجعل منها أحد اغنى بلدان المنطقة.