الأربعاء 5 فبراير 2025
مجتمع

في ندوة نظمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان.. خبراء يشرحون واقع الصحة النفسية والعقلية في المغرب

في ندوة نظمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان.. خبراء يشرحون واقع الصحة النفسية والعقلية في المغرب جانب من اللقاء
في إطار برنامجه الشهري " خميس الحماية " نظم المجلس الوطني لحقوق الإنسان لقاء تفاعليا عن بعد حول موضوع " الصحة النفسية والعقلية: الآليات القانونية وفعلية الحقوق "، الخميس 29 فبراير 2024، في بداية هذا اللقاء الذي أشرف على تنشيطه عبد الرفيع حمضي، مدير الرصد وحماية حقوق الإنسان الذي ذكر بسياق انعقاد هذه الندوة حيث اكد ان المجلس الوطني لحقوق الإنسان تناول الموضوع في كل تقاريره السنوية منذ 2019 كما تناوله في تقارير خاصة كما اكد حمضي ان المجتمع الدولي اخص المرض العقلي بيوم عالمي 10 اكتوبر من كل سنة للتحسيس وتقييم السياسات العمومية ومن اجل تحسين المعارف وإدراك الوعي والدفع قدما بإجراءات الوقاية والحماية وفق مقاربة حقوقية شاملة
كما أكد أن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أقر ولاية خاصة وعين مقررا خاصا لمتابعة الموضوع.
أما البروفيسور عمر بطاس، فقد أشار أن جميع الصكوك الدولية أدخلت المرضى النفسيين والعقليين المودعين بالمستشفيات ضمن الفئات المحرومة من حريتها مما يفرض حمايتهم وحماية حقوقهم الأساسية حيث تم إدخالها ضمن المجموعات الهشة، ولهذا السبب تقوم الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب بزيارة مستشفيات الأمراض النفسية على غرار زيارتها لباقي أماكن السالبة للحرية، وهي زيارات تدخل في إطار الوقاية من انتهاكات محتملة وكذلك التحسيس والنهوض بثقافة حقوق الإنسان في الوسط الاستشفائي متسائلا عن ما اذا كان العلاج الذي يخضع له هؤلاء المرضى يحترم كرامتهم وعن مدى تناسبه مع حالتهم النفسية وعن ظروف العلاج، قبل أن يشير بأن عزل بعض المرضى بالنظر لخطورتهم يعد حرمانا من الحرية.
وأشار بطاس أن الإحصائيات العالمية ورغم ما يروج بكون المرضى النفسيين خطيرين وعنيفين تشير بأن المرضى هم الأكثر عرضة للعنف، وأكثر عرضة للتهميش والإقصاء، والحرمان من حقوقهم، مما يفرض حمايتهم بشكل مستمر ، مضيفا بأن منظمة الأمم المتحدة أصدرت مجموعة من المبادئ من أجل التكفل بهؤلاء المرضى عام 1991، وبأن هناك تطورات حاليا في مجال الطب وطرق العلاج والاستشفاء، حيث أصبح دخول المريض مصلحة الطب النفسي آخر محطة بعد استنفاذ جميع الوسائل، والآن هناك مرضى يلجون مصالح بينية (ما بين العائلة والمستشفى ) حيث يظل المريض ضمن الديناميكية المجتمعية، علما أن الاستشفاء قد يستغرق وقتا طويلا مما يحرمه من الديناميكية المجتمعية التي تؤثر عليه بقوة..
ودعا بطاس إلى إقرار قانون خاص من أجل حماية المرضى النفسيين عند دخولهم للمستشفيات، علما أن هذه العملية لا تخلو من حرمانهم من الحرية، لتفادي وقوع تجاوزات، مضيفا بأن المغرب يعد من الدول السباقة في هذا المجال، مذكرا بظهير 30 أبريل 1959 والذي صدر في وقت كانت فيه قلة من الدول تتوفر على قانون يحمي هذه الفئة، وهو قانون يؤطر العلاج والتكفل بالمرضى.
لكن لفت الانتباه الى أن المجال النفسي عرف فيما بعد الإقصاء والتهميش في جميع السياسات العمومية لدرجة عدم وجود مديرية خاصة بالمرضى النفسيين بوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، مضيفا بأن تقرير المجلس الوطني لحقوق بشأن الأمراض النفسية لازال يكتسي الراهنية وأنه سبق لمسؤولي وزارة الصحة إثر صدور التقرير أن التزموا بخلق مديرية خاصة بالأمراض النفسية والتي ستمنح دفعة خاصة للاهتمام بالمرضى النفسيين بتوفير ميزانية خاصة بهذه الفئة، علما أن منظمة الصحة العالمية توصي بتوفير ما لا يقل عن 10 في المائة من ميزانية وزارة الصحة للأمراض النفسية.
وأوضح ضيف " خميس الحماية " أن ظهير 1959 لم يعد مسايرا للتطور الحاصل على مستوى التكفل وعلاج الأمراض النفسية مشيرا بأن من جملة توصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان هي إعادة النظر في هذا القانون، حيث تم في هذا الإطار إعداد مشروع قانون من طرف الحكومة إلا أن هذا القانون لم يتم إعداده بشكل تشاركي، وقد تمً سحبه من طرف الحكومة، ويرتقب أن يتم الاشتغال على وضع مشروع قانون جديد في هذا الإطار.
وسجل المتحدث أن بعض مواد القانون الذي سحبته الحكومة كانت مفاجئة وضمنها ما يتعلق بتعريف المرض النفسي وتعريف العلاج، ولا تتناسب مع التعريفات الحديثة ولا مع تعريفات منظمة الصحة العالمية.
من جانبها تطرقت الدكتورة إيمان المنشاوي، ممثلة منظمة الصحة العالمية لتعريف المنظمة للصحة النفسية، لتعريف الصحة العقلية، كما حددتها منظمة الصحة العالمية والذي يتوافق مع حالة من السلامة العقلية التي تسمح بمواجهة مصادر التوتر في الحياة، وبكونه جزء لا يتجزأ من الصحة والرفاهية ولا يتم تعريفه فقط بغياب الاضطراب العقلي.
وأشار مسؤولة منظمة الصحة العالمية أن 86 في المائة فقط من بلدان منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط يتوفرون سياسات عمومية تتعلق بالصحة النفسية مقابل 96 في المائة في باقي بلدان العالم، وأن 11 في المائة من بلدان المنطقة يتوفرون على سياسات تتعلق بالصحة النفسية تتناسب مع معايير حقوق الإنسان.
وفيما يتعلق بالتشريعات المتعلقة بالصحة النفسية ذكرت المتحدثة أن 81 في المائة من بلدان شرق البحر الأبيض المتوسط يتوفرون على تشريعات للصحة النفسية مقابل 93 في المائة في باقي بلدان العال، مشيرة بأن بلدان المنطقة تتوفر على تشريعات مستقلة للصحة النفسية متقدمة مقارنة بباقي بلدان العالم.
كما تطرقت للتعاون الذي يجمع منظمة الصحة العالمية بوزارة الصحة والحماية الاجتماعية والتي مكنت من بلورة عدة مشاريع، مثل دعم الجهود لتقوية مصالح التكفل بالساكنة ذات الاحتياجات الخاصة (المعاقين، المسنين)، مواكبة وضع استراتيجية الوطنية المتعددة القطاعات من أجل تنمية الصخة النفسية، مواكبة وضع استراتيجية متعددة القطاعات من أجل التأثير في المحددات الاجتماعية للصحة، ومواكبة وضع استراتيجية الوطنية للحماية من الانتحار ( 2021 – 2030) .
من جانبه أشار عمر مراد، رئيس مصلحة الصحة العقلية بالنيابة ممثل وزارة الصحة والحماية الاجتماعية الى أن مخططات وزارة الصحة والحماية الاجتماعية حاولت منذ 2007 اعتماد توصيات منظمة الصحة العالمية، وخاصة تلك المتعلقة بدمج الصحة العقلية في خدمات الرعاية الأولية والمستشفيات العمومية، واعتماد معايير حقوق الإنسان وتكييف الإطار القانوني مع المعايير الدولية، وتوسيع نطاق خدمات الصحة النفسية وتعزيز الصحة النفسية والوقاية من الاضرابات النفسية، لا فتا الانتباه الى أن حجم احتياجات السكان الذين يعانون من اضطرابات نفسية يفوق حجم خدمات الرعاية والتكفل، فما بين 76 و 85 في المائة لا يستفيدون من العلاج لعدة أسباب من أهمها ظاهرة الوصم الاجتماعي التي تجعل العديد من الأشخاص أو العائلات لا يطلبون العلاج.
ونبه المتحدث الى كون الرعاية والعلاج تركز على الخدمات المؤسساتية والقليل من الخدمات المجتمعية رغم كون منظمة الصحة العالمية تؤكد على ذلك، كما تطرق الى النموذج المعتمد وهو النموذج الطبي وهو نموذج اعتبره مسؤول وزارة الصحة متجاوزا، علما أنه يجري الحديث حاليا عن النموذج الطبي النفسي الاجتماعي والذي يأخذ بعين الاعتبار البعد الجسدي للشخص وكذا البعد النفسي والاجتماعي.
وفيما يخص مقدمو خدمات الرعاية النفسية، لاحظ المتحدث أنه كثيرا ما يتم التركيز على الأطباء النفسانيين رغم أن التدخل ينبغي أن يكون متعدد التخصصات، وتخصصات شاملة تشمل البعد النفسي والبعد الاجتماعي.
من زاويتها أشارت نادية السبتي، الخبيرة في المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن تناول موضوع الصحة العقلية يتم بطريقة قطاعية من زاوية المرض العقلي مع إغفال الدور الأساسي للمحددات الوسيو ثقافية، من قبيل النظرة الاجتماعية السلبية (وصم المرض العقلي)، أشكال الهشاشة المرتبطة بمراحل الحياة (العنف الأسري، العنف في الوسط التربوي، وضعية الأشخاص المسنين)، المخاطر النفسية -الاجتماعية في الوسط المهني، البطالة، ظروف السكن..
وأشارت السبتي أن معدل انتشار الأمراض العقلية في المغرب يبقى حاليا غير معروف، حيث يعتبر المسح الوطني حول انتشار الاضطرابات النفسية في وسط عموم السكان ( 2003 - 2006 ) البحث الوطني الوطني المتعلق بالاضطرابات العقلية .
كما تطرقت الى نطاق انتشار بعض الأمراض العقلية في المغرب، مشيرة على سبيل المثال الى أن 48.90 من الساكنة لديها انتشار اضطراب عقلي واحد على الأقل و6.5 في المائة من الساكنة تحمل أفكار انتحارية، و5 في المائة تعامي من اضطرابات ذهنية، و9 في المائة من اضطرابات القلق، ويبقى أهم اضطراب نفسي هو نوبات الاكتئاب الشديد والذي يمثل 26 في المائة، مسجلة ضعف المعطيات والمؤشرات وآليات التتبع والتقييم المتعلقة بمجال الصحة العقلية في المغرب.
وأشارت أيضا الى ضعف استثمار الدولة في منظومة الرعاية النفسية، مشيرة الى أن الطاقة الاستيعابية الوطنية من الأسرة (القطاع العمومي والقطاع الخاص والطب العسكري) تبلغ 2431 سريرا أي ما يعادل 6.2 سريرا لكل 100.000 نسمة، كما يوجد في المغرب 454 مختصا نفسيا فقط و36 مستشفى للأمراض العقلية و25 مصلحة للأمراض العقلية داخل المستشفيات العمومية، وقسمان للطب النفسي للأطفال، و18 مركزا لطب الإدمان (ثلاثة منها استشفائية).
لتخلص الى كون العرض المتوفر حاليا في مجال العلاجات العقلية يتميز بالنقص الحاد في الموارد البشرية الطبية وشبه الطبية المختصة مع تسجيل خصاص في مجال التثمين والتحفيز، وغياب تنسيق وتشبيك على المستوى الترابي لعرض علاجات الأمراض العقلية، والى تجاوز الطاقة الاستيعابية لبنيات التكفل الموجودة (بلغ متوسط معدل الإيواء بمؤسسات جهة طنجة – تطوان – الحسيمة مثلا 197 في المائة).
ودعت المتحدثة الى بلورة سياسات وبرامج عمومية منسقة لتعزيز الصحة العقلية والوقاية من الاضطرابات العقلية والمخاطر النفسية – الاجتماعية وتحسين إمكانية الولوج لرعاية نفسية وعقلية ذات جودة، ومراجعة وتحيين المصنف العام للأعمال المهنية في الشق المتعلق بالتكفل بالاضطرابات العقلية والتعريفة الوطنية المرجعية ذات الصلة في ضوء التطورات الطبية التي شهدها مجال العلاج والتكفل بهذا النوع من الاضطرابات مع الحرص على تطبيق تعريفة معقولة، والنهوض بمهنة الأخصائي النفسي من خلال وضع نظام أساسي خاص بهذه الفئة، وضع سجل رسمي للأخصائيين النفسيين .
وفي الأخير قدم الفاعل الجمعوي حسن هاركون باسم الائتلاف المواطن للأمراض العصبية والنفسية والمتكون من 7 جمعيات المجودات التي تقوم بها اسر المصابين بالأمراض العقلية كما تحدث عن تجربة الائتلاف في الأنشطة الموازية التي يقومون بها لفائدة المرضى.