قبل أن يصبح رئيساً لجمهورية فرنسا، كان فرنسوا هولاند رفيقاً لسيغولين روايال وأباً لأولادهما الأربعة. سيغولين، في العام 2007، ترشحت لرئاسة الجمهورية عن الحزب الاشتراكي، بوجه نيقولا ساركوزي اليميني، وخسرت معركتها، ولكنها نالت سبعة ملايين صوت لفرنسيين يعتقدون بأنها جديرة بقيادة بلادهم. أثناء هذه المعركة، وسيغولين منهمكة في مهمات حملتها، يبتعد فرنسوا، مدفوعاً بنوع جديد من الغيرة، سببها الأضواء المسلّطة على شريكته. يلتقي، أو بالأحرى ينتبه إلى فاليري تريرويلر، صحافية شغوفة وجذابة، تصغر سيغولين بعشر سنوات؛ فتكون علاقة غرام سرية بينهما، سرعان ما تصل أنباؤها إلى آذان سيغولين والفرنسيين أجمعين. فتكون بين الرئيس وفاليري قصة حب معلنة، تكرس بنوع من العلاقة غير الزوجية اسمها "باك"، مثل تلك التي ربطته بسيغولين، أم أولاده؛ ليست زواجا إنما شراكة. وهكذا تسير الأمور بعد ذلك: سيغولين تعبر "الصحراء"، كما يقول الفرنسيون، أي أنها تنعزل في مرارة خسارتين: سياسية، مع اختيار الحزب الاشتراكي لفرنسوا، بدلاً عنها، مرشحا لرئاسة 2012، وخسارة عاطفية مع اقترانه غير الرسمي بفاليري... فتختفي لبعض الوقت. فيما فرنسوا الذي يصف فاليري بـ "امرأة حياتي"، يغرّد في حبه، ويخوض معركة الرئاسة مسنوداً بدعمها وإيمانها به. فينجح ويظفر بالرئاسة. في الأشهر الثمانية عشر التي أمضتها فاليري في قصر الإليزيه، بصفتها "شريكة الرئيس"، (أو "الصديقة الاولى"، first girl friend)، كما يصفها الأميركيون، تتغير ملامحها بسرعة، لتصبح قاسية، شكّاكة وعبوسة، لكثرة "انشغاله" عنها، وبرودته المؤلمة. ثم يأتي الانفجار: فرنسوا يخون فاليري مع الممثلة جولي غاييه، الأصغر منها، أيضاً، بعشر سنوات. والخبر ليس شريطاً سرياً أو رسالة من مجهول، إنما صور، التقطها أحد الباباراتزيين لفرنسوا وهو راكب دراجة نارية، بخوذة على رأسه، يتوقف تحت عمارة جولي في فجر أحد الأيام، حاملا معه الكرواسان. تخضع الصورة لكل أنواع التحقيقات للتأكد من صحتها، ليكرس الخبر رسميا بان فرنسوا، الرئيس "الآدمي"، "الصادق"، يخون "إمرأة حياته"، "سنده" في الصعود إلى الرئاسة، مع امرأة أخرى. ما نعرفه وقتها أن فاليري بعد ذلك تدخل المستشفى ليومين، وتكمّل "علاجها" من الصدمة في أحد القصور القديمة، بعيدا عن الصخب الذي أثاره خبر خيانته لها. يضطر فرنسوا، تحت إلحاح جهات عديدة، أن يقوم بتوضيح طبيعة العلاقة بينه وبين شريكته السابقة. فيكون بيان أرسلته الإليزيه إلى وكالة الصحافة الفرنسية يعلن فيه الرئيس بأنه لم "يعد هناك من علاقة تربطه بالسيدة فاليري تريرويلر". هكذا، مثل سيف بارد، يقع البيان الرئاسي في قلب فاليري. فيكون صمتها المطبق خلال الأشهر الستة الماضية، لتخرج علينا منذ أسبوع بكتاب "شكراً على اللحظات اللطيفة"، تفضح فيه الشخصية "العاطفية" للرئيس وطبائعه الجافة المنزوعة الإحساس، وحبه الشديد للسلطة وكرهه للفقراء، وكذبه العاطفي الطويل، وتعاليه عليها وابتعاده عنها منذ اللحظة الأولى لتسلمه الرئاسة... إلخ. الكتاب ضرب الأرقام القياسية في المبيع، وتحول بلمحة بصر إلى ظاهرة الموسم؛ ثم نفد من المكتبات. سيغولين ردّت عليه من دون انتظار، احتقرته، قائلة عنه إنه "أي كلام..(n’importe quoi!) " فرنسوا ألقى كلمة كادت أن تكون موعظة، رداً على سؤال أحد الصحافيين حول رأيه بالكتاب، عنأانه "طول عمره"، هو "الاشتراكي" يحب "الضعفاء والفقراء والهامشيين". فيما جولي غاييه سئلت من عدة جهات، يمينية ويسارية، إن كانت سوف ترتبط برجل يخون شريكته الأولى والثانية... لكن يبقى الأهم من كل ذلك أن فرنسوا الذي كان يتخبّط أصلاً مع حكومته المعدّلة منذ شهرين، التي أقصى منها، حتى الآن، ثلاثة "منتفضين" ضد سياسته الرأسمالية، علاوة على وزير آخر، افتضح أمر امتناعه عن دفع الضرائب، بعد شهرين من تعيينه؛ ثم استمرار نزول شعبيته بوتيرة عالية، بسبب البطالة والعجز والاقتطاعات من ميزانية الخدمات العامة؛ وجاء كتاب فاليري، ليوصل نسبة انعدام شعبيته إلى قعر لم يسبقه إليه أي رئيس؛ ثم لازمة تقرأها في معظم الصفحات ومواقع التواصل، من إن فرنسوا لم يخن فاليري فحسب، إنما فرنسا كلها؛ لأنه قال شيئاً وفعل شيئاً عكسه تماماً. هذه القصة جديرة برواية من تلك التي كان ينسجها أونوريه دو بالزاك مؤلف "الكوميديا الإنسانية"، حيث تتشابك الحياة الخاصة مع الطموحات السياسية فتنتج دراما معقدة، تتواجه فيها الطبائع والمصالح و"الصورة" الاجتماعية. ولكن هذه المرة مع تغيير ثوري: أن النساء في هذه الدراما لم يعدن أولئك المعشوقات اللواتي ينتهي زمنهن مع انتهاء سحرهن وشبابهن، القصير أصلاً، فيرمَين على قارعة الطريق. أو، كما في مرحلة متأخرة، في عهد "اشتراكي" آخر، هو فرنسوا ميتران، الذي أمضى عمره مع عشيقة، بقيت سرية، حتى رحيله؛ وان هذه العشيقة أنجبت له بنتاً أسمتها مازارين... صارت الآن من "المشاهير". الفرق مع الماضي بات واضحا: أولا، كل نساء الرئيس، حتى أفقرهن جذوراً، مثل فاليري، لهن وضعية ومهنة، بصرف النظر عن علاقتهن العاطفية به. جولي وسيغولين وفاليري لن يمتن إذا انفصلن عنه. وهن، فوق ذلك، غير صامتات، ولا مبتلعات لأفاع، تتجرّعها عادة زوجة المسؤول أو الزعيم أو الرئيس، حفاظاً على مستقبلها، أو حباً بالسلطة. وربما هذا ما جعل ثأر فاليري مختلفاً عن غيره أيضا: بأنها لم تدن المرأة التي نافستها على حب الرئيس، لم تقتلها، لم تشوهها، كما تفعل عادة المحظيات المخدوعات. إنما حملت مسؤولية الخيانة للرجل الخائن، عرّت دواخله وفضحت مكنوناته الطبقية. أما الفرق الثاني فهو تلك اللعبة غير النزيهة التي يخوضها "المشهورون" مع الإعلام، أو مع الصورة الشبكية الآنية، وليس فقط مع الباباراتزي. يقدمون المشاهد تلو الأخرى، عن جمالهم وسعادتهم واكتمال أخلاقهم الخ. وعندما تقع الواقعة يتحججون بالـ "خصوصية" حفاظا على نقاوة صورتهن وبراءتها، أمام معاصٍ ربما ارتكبوها في جنح الظلام. وبما أن الصورة التي فضحت الرئيس راكب الدراجة النارية في فجر أحد الأيام كان يمكن أن تلتقطها أية عدسة لأي هاوي تصوير مباشر، فهذا ما يحمل المشاهير الكلفة الجانبية لشهرتهم، أي إنهم لم يعودوا يتمتعون بحرية الكذب كما عهدوا سابقا. ومن الآن وحتى يخترعوا طريقة جديدة للتحايل على الصورة المباشرة، أمامهم درب آلام جديد، لن توفر عروشهم العامرة.
(عن جريدة "المدن" الإلكترونية اللبنانية)