السبت 27 يوليو 2024
كتاب الرأي

عبد الرفيع حمضي: باريس.. الرباط عبر السمارة

عبد الرفيع حمضي: باريس.. الرباط عبر السمارة عبد الرفيع حمضي
رغم أنها ليست المرة الأولى التي أزور فيها السمارة، إلا أن يوم أمس، ومنذ أن حطت الطائرة بالعيون وسرنا بالسيارة في اتجاه السمارة، وأنا أحاول أن أستجمع ما أعرفه عن هذه المدينة وأقيسه على ما ألاحظه في الطريق، والسيارة تطوي المسافات بدون رحمة ولا شفقة.
فتذكرت أن هذه المدينة التي بناها الشيخ ماء العينين في 1898، بدعم ومساعدة من السلطان مولاي عبد العزيز واحتلتها فرنسا في 1913. لكنني تذكرت أيضا أن ما تميز به الاستعمار الفرنسي بالمغرب كونه ربط تواجده العسكري والسياسي والاقتصادي والإداري بالايالة الشريفة، بضرورة المعرفة العلمية الدقيقة للمغرب، وبالتالي فما أنتجه الفكر الفرنسي حول المغرب -منذ كتاب la reconnaissance du Maroc من 600 صفحة، لصاحبه Vicomte . Ch. de Foucauld سنة 1884 - الذي لا زال يشكل مرجعا اساسياً لتفسير العديد من القضايا ببلادنا. فليس هناك قبيلة واحدة من قبائلنا شمالا وجنوبا لم يكتب عنها الفرنسيون من بني مستارة بالشمال الغربي إلى الركيبات وأيت أوسى وأولاد دليم والعروسين وغيرهم كثير بالجنوب المغربي .
ومما لا شك فيه أن الكتابات الفرنسية في عمومها تأثرث بنظرة الرجل الغربي الذي حل بالمغرب من أجل نشر الحضارة والمدنية.الا أنها تبقى كتابات ساهمت في معرفة المغاربة بخصوصيات بلدهم في جميع المجالات،فحتى عاداتنا وتقاليدنا وضعت تحت مجهر التحليل الاجتماعي والانتربولوجي .
من تقاليد رمضان إلى أضحية العيد ومن العقيقة الى حفل الزفاف،بهذه المنطقة او بتلك القبيلة. ولم يكتبوا بأحكام عامة وجاهزة وإنما بالتفاصيل التي لا ينتبه اليها حتى الممارسون لتلك التقاليد، ولازالت تشكل مرجعا معرفيا لحد الان.
أما الرعي وطرق ووسائل زراعتنا وفلاحتنا ونظامنا الغذائي فلم تسلم بدورها من تدقيق وتحليل وتحفيز على التغيير في بعض الأحيان .
ألم تستورد فرنسا البطاطس من أمريكا اللاتينية لتعويض القمح الذي قَلَّ بفعل الجفاف واشياء أخرى؟ ورفض المغاربة البطاطس بشكل مطلق، حيث كانت الشاحنات تعود على حالها إلى المخازن. ولكونهم يعلمون جيدا ثقافة المواطن المغربي فقد شددوا الحراسة عليها لإعطائها قيمة. إلا أن الساكنة عادت لتهجم على المخازن وأخذ البطاطس عنوة بعدما استشعروا أهميتها. لكن عوض أن يعوضوا الخبز بالبطاطس أكلوا البطاطس بالخبز.
تذكرت كذلك Joseph kessel حين تناول السمارة في كتابه vent et sable وتذكرت ان Michel vieuchange نشر مشاهداته إبان رحلته من تيزنيت إلى سمارة سنة 1930 ..
تزاحمت كل هذه الأفكار في ذهني وأنا لازلت بمفترق الطرق بفوس بوكراع على بعد 100 كلم. وتساءلت: ها هي فرنسا صاحبة الوثائق والخرائط والمعرفة بالمنطقة لماذا تتلكأ في السير قدما والإقرار صراحة بمغربية الصحراء؟ لماذا تتماها مع مواقف دول لا تعرف المنطقة؟
صحيح أن فرنسا لم تسبق أن خذلتنا بمجلس الأمن، وهي العضو الدائم به..لكن المغاربة تفهموا موقف فرنسا منذ ابتكار هذا النزاع بالمنطقة للحفاظ على مصالحها مع الجزائر في الوقت الذي طورت الرباط مواقفها حيث وافقت على الاستفتاء وعندما أصبح مستحيلا قدمت مبادرة الحكم الذاتي، في حين بقيت الجزائر في عدائها الأصلي ولم تقدم أية مبادرة أو خطوة وفرنسا شاهدة على ذلك .
أعتقد أن سلوك الدولة المٌستَعْمِرة مع مستعمراتها السابقة لم يعد له مكان في العالم الجديد، فاذا كانت العلاقات الدولية التي كانت ولازالت قائمة على المصالح، فإن الآن شرط الوضوح أصبح محددا لكل التحالفات. والمغرب لا يقبل بأقل من المعاملة بالمثل، فالمُسْتَعْمَرَة السابقة (المغرب)، أصبحت فاعلا في محيطها الإقليمي والدولي. وعلى حد تعبير عادل إمام "العيال كبرت"،
أقول هذا وأنا لا أستحضر مطلقا التوتر الأخير للعلاقة المغربية الفرنسية.
فلم يخل تاريخ البلدين من غيام وضباب وانفراج، ألم تتوقف العلاقة لحوالي 20 سنة أيام مولاي إسماعيل الذي عاصر لويس الرابع عشر وحكاية رفضه تزويج السلطان بالأميرة دوكنتي في سنة 1699؟
ألم تعرف فتورا في عهد مولاي سليمان إبان حملة بونابارت على مصر؟ ألم يصل التوتر إلى معركة إسلي التي دارت رحاها بواد إسلي بالقرب من مدينة وجدة المغربية في غشت 1844 بين جيش سلطان المغرب المولى عبد الرحمن بن هشام بقيادة ابنه الأمير محمد والقوات الفرنسية الراغبة بوضع حد للدعم المتكرر للسلطان المغربي للمقاومة الجزائرية واحتضانه للأمير عبد القادر؟
وحتى بعد الاستقلال استمرّت العلاقة تتدحرج بين انفراج دائم وتوتر عرضي، منذ غضبة الجينرال ديغول على جريمة اختطاف الزعيم المغربي المهدي بن بركة، في قلب باريس سنة 1965.وعندما عمل المغرب على إطلاق برنامج مغربة الأراضي المملوكة للفرنسيين سنة 1973 قام جورج بومبيدو فأرغى وأزبد.
وفي ولاية فرانسوا ميتران غضب الحسن الثاني من صدور كتاب جيل بيرو "صديقنا الملك "وما صاحبها من توتر .وحتى في مرحلة ساركوزي نيكولا عندما اختار المغرب F16 الأمريكية على Rafale الفرنسية، فهذه العملية التجارية السياسية أدخلت العلاقات إلى صقيع الثلاجة. ليعود التوتر من جديد مع فرانسوا هولاند عندما اقترب رجال الأمن الفرنسي من إقامة السفير المغربي. وطبعا تبقى ولاية جييسكار ديستان الذي كان يناديه المرحوم الحسن الثاني بصديقي وكذا ولاية الكبير جاك شيراك، صديق المغرب، عائلة ملكية وشعبا. من أحسن فترات العلاقات الثنائية.
خفض السائق السرعة ونحن نلج جماعة أمكالة وما أدراك ما أمكالة، حيث دارت معركتين وجها لوجه بين الجيش المغربي والجيش الجزائري في يناير وفبراير 1976.
في الوقت الذي كان بومدين يرسل مبعوثيه للعالم ليدعي أن الجزائر ليست طرفا في النزاع.
وفي الأخير فاذا كانت كل الاحتكاكات السابقة بين الرباط وباريس، اتسمت بالمرحلية والتاكتيكية ليس إلا، فان التوتر الحالي كان بالفعل أزمة في الرؤية الاستراتيجية لهذه العلاقة الثنائية. فها هو الرئيس الشاب مانويل ماكرون الذي تملك بلاده ما يكفي من المعرفة والوثائق حول الصحراء المغربية أكثر من أية دولة أخرى، هاهو قد خبر المغرب الذي لم يعد يقبل بعلاقات ما بعد الحرب الباردة وانما علاقة راشد - راشد ورابح رابح، فان المغرب ينتظر من الاليزيه أن يقدم على الخطوة التي لا يستطيع ان يقوم بها إلا الشباب. ألم يقل ساركوزي -La jeunesse est un grand atout pour conquérir le pouvoir
فهل سيكون بلاغ زيارة وزير الخارجية ليوم 25 فبراير بلاغ الوضوح والحسم وعدم التردد؟
مولاي إسماعيل قال مرة: إن إمبراطور ألمانيا رفيق لناخبيه، وملك انجلترا عبد لبرلمانه…..أما إمبراطور فرنسا فهو وحده من يعرف كيف يحكم مثلنا.
سمارة ترحب بكم … خفف السرعة.