حتى في الخيال العلمي لا أحد كان يتصور مشهدا موجعا لأم تريد وهي مكلومة بأمل ورجاء كبير فقط أن تنتزع وعدا من الرفيق وهبي لمتابعة ملف ابنها يوسف الذي رحل في ظروف ملتبسة...
قد نتفهم أن وهبي يريد وضع مسافة بينه وبين الملف، ولا يمكن له أن يبدي رأيا في قضية بين يد القضاء... والقضاء سلطة مستقلة كما النيابة العامة التي أبعدت عن السياسة الأحزاب...
كنت أتمنى أن نستعيد شيئا من وهج الرفيق وهبي الوحش اليساري من خلال هذه الواقعة...
لكنه فضل الصمت... والهرولة من قيظ يوم حارق...
وهبي الذي هدد بحرمان الشعب من حق محاسبة الفاسدين بالعقوبات السجنية... وهبي الذي سحب قانون الإثراء غير المشروع... وهبي المعروف بزلزال مباراة المحاماة وقفته المشهورة بزالزال الحوز...
وهبي الذي أراد أن يسهل للثري السجين شراء عقوبته حتى لا تغلق مصانعه فتعاني البروليتاريا
وهبي الذي انتج منظومة استخباراتيَّة جديدة تتأسس على تتبع ووضع تقارير عن الجوارب لونا ورائحة...
وهبي الذي طعن في ذمة أخنوش ثم تحالف معه...
هل هذه هي مدرسة حركة لكل الديمقراطيين...؟
لا أظن بالحركة بريئة من هذا المنتوج السياسي الهجين....
فالرجل لا ينتمي للبدايات اليسارية الحالمة ولا لمشروع لكل الديمقراطيين الحداثي ولا حتى للمرجعية البامية المجتمعية...
إنه ببساطة من كوكب آخر...
وإن كان وزيرا للعدل فقبعته السياسية وموقعه الحزبي يسمح له بالإنصات لهموم الناس…
فما الذي منعه من الإنصات للأم المكلومة ولو منهجيا...؟
على كل حال... علينا أن نكون حذرين جدا فكل صحافي متحمس لقضية ما مهدد بالمتابعة والزج به في السجن...
ووهبي لم يعد صدره يتسع لكل ونقاش.. بل لم يعد لكثير من الساسة والمسؤولين صدور رحبة وقلوب متسامحة حتى هم على ثواب وأن جهة ما أخطأت في حقهم... فالخلاف ليس بين جاريين... بل فقط في زاوية النظر حول مصلحة الوطن...
وأنا... منذ مدة كفرت بالسياسة الحزبوية...
منذ مدة كفرت بشيء اسمه اليسار...
واعتبرته أكبر كذبة في المغرب...
منذ توزيع الأراضي على البعض بأثمنة بخسة باسم خدام الدولة...
لا أحد مننا..نحن شعب اليسار المخدوعين كنا نتصور أن يتجاهل الرفيق وهبي الذي أتى من اليسار الطليعي أما يقض مضجعا الألم ولا تريد غير الإنصاف....
بل فقط من يسمع لها...
لا أحد كان يتصور أن بعض نخب اليسار في المؤسسات الدستورية...منهم من مر منها ومن مازال كان هذا آخر مبتغاه مخزني يحييه عند الباب و شرطي يحييه تحية عسكرية على باب فيلته..
لا أحد كان يتصور أن اليسار هو من سيغلق الصحف ويساهم في الزج بالصحافيين في السجون...
لا أحد توقع يوما أن الشيخ العجوز زيان الذي ساهم في سجن الأموي ترافعا الآن يقبع وراء القضبان، يتابع علله في عزلة قاتلة...
لا تهم تهمته... بل خدماته وسنه... فالرجل بلغ من العمر عتيا...
كان يكفي أن نترك الشيخ ونقول " جن الرجل..." وينتهي الأمر...
نحن شعب اليسار المخدوع منذ سنوات ... دق وهبي آخر مسمار في نعش الوهم حينما دافع عن ابنه بتلك الطريقة المتعجرقة من قاموس قديم لم أجده لافي أدبيات اليسار ولا اليمين...قاموس لا يليق حتى بالليبرالية المتطرفة... فالليبراليون يحترمون التنافس الشريف والتدافع من أجل تحقيق الأحلام والمبادرة الحرة تحت رقابة صارمة...
"باه لاباس عليه... أرسله لموريال.."
بزعطة...
آه... كم هي جارحة هذه العبارة...!
وقاسية حينما تخرج من فم رفيق سابق في اليسار...
ووقعها جارح على قلوب المغاربة...
فاليسار أشول حبن يحكم... وقاس ومتطرف..
والرأسمال لا يجيد السياسة...
تذكروا خرجات أخنوش...
عفا الله عما سلف
اليسار في المغرب صار محطة انتظار سياسية لمنصب أو موقع... والشرفاء ماتوا أو انسحبوا في صمت...
ليس بالضرورة أن توصل البعض صناديق الاقتراع إلى مواقع مهمة... فهناك عشرات المؤسسات الدستورية التي تفتح لهم الأبواب لتعويض الإخفاق الانتخابي...
من لم تأت بهم الديمقراطية أتت به الترضياتية
اليسار في المغرب... وهم تاريخي كاد أن يضيع الوطن... ويضيعنا معه...
تصوروا لو أمثال وهبي وصلوا لسدة الحكم...لو وصل بعض الذين آمنوا بالاختيار الثوري وتحولوا إلى الاختيار الثرواتي.. والذين نالوا حظهم من غنيمة المصالحة وفزاعة الملكية البرلمانية...
لو وصلوا...
هل كنا سنكون أحسن من أنظمة جمهورية الاي تم السطو على مقدراتها باسم التاريخ والثورة والاشتراكية والقومية...؟
كان على اليساريين من الشعوب أن تصحو في زمن ستالين الدامي...
في زمن سجون سيبيريا ومعتقلات الثورة الكوبية...
شعب اليسار كان عليه أن يصحو ليلة اغتال تروتسكي... وتخلص ستالين من كل معارضيه..
كان عليه أن يصحو يوم قتل آلاف الطلبة الصينيين تحت الدبابات في الساحة الحمراء والعالم يشهد مدى قسوة الشيوعية.
كان علينا أن نصحو ونحن نتابع وهم الثورات في العالم العربي...وأفريقيا وأمريكا اللاتينية...حيث التحول الماكر من دول المَلكيات إلى دول المِلكيات...
لقد قرصنوا الأوطان باسم الاشتراكية وذبحوا شعوبهم وقتلوا معاريضيهم....
حمدا لله صمدت الملكية بالمغرب.... وإلا كنا عبيدا عند زعيم مجنون بالسلطة...
شكرا لحركة كل الديمقراطيين...
التي عرت أمثال بنيكران وإخوته وعلمنا أن الإسلام مجرد حصان طروادة للوصول للسلطة...
شكرا لحركة كل الديمقراطيين التي أسقطت ورقة التوت عن بعض اليساريين وجعلتنا نفتح أعيننا ونرى ألا خيار لنا غير الملكية...
وأن لا حليف للشعب غير الملكية...
فحتى من يرفعون شعار الملكية البرلمانية أكثرهم قطاع طرق في شوارع السياسة ويستعملون الشعار فزاعة نحو مغنم...
كما وظفه ما سبقهم إلى الصخب السياسي..
أن نمر مع هذه النخب السياسية الحالية إلى الملكية البرلمانية انتحار سياسي جماعي...
باي باي اليسار...
مرحبا بك منيب في البرلمان...
نسيت أين الصبار...والآخرون...؟
ملاحظة:
وحدي أتحمل مسؤولية هذا الجنون
خالد أخازي، روائي وإعلامي مستقل