التدخل العسكري الفرنسي لم يجد حلا للمعضلة الأمنية في مالي وفي عموم منطقة الساحل الإفريقي. فخلال تواجد القوات الفرنسية والأممية في مالي عاد الإرهاب بقوة وأكثر تنظيما، وارتفع منسوب الصراعات العرقية والقبلية، وتبين فشل اتفاق السلام والمصالحة الموقع سنة 2015، وازداد عدد المجموعات المسلحة، وعدد العمليات الإرهابية، وارتفعت نسبة الضحايا من المدنيين والقوات الأممية، وانتشرت عمليات الاختطاف بين الخصوم السياسيين واللصوصية، وأصيبت السياحة والتجارة المتواضعة أصلا بالكساد، بسبب انتشار قطاع الطرق والهجمات المسلحة والابتزاز تحت تهديد السلاح وسرقة الماشية، وتعددت انتهاكات حقوق الإنسان مما جعل الفائدة من التواجد العسكري خاصة الفرنسي موضوع شك وتساؤل.
هذا الوضع عكس بشكل ملحوظ فشل فرنسا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في منطقة الساحل الإفريقي، خاصة في مالي والنيجر وبوركينافاسو، من أجل إقرار الأمن والاستقرار في ظل تزايد حالة انعدام الأمن واستفحال الجريمة المنظمة، وارتفاع درجة حالة عدم الاستقرار. فعملية "برخان" تعتبر في الحقيقة عملية محدودة بالنظر إلى المنطقة الجغرافية الشاسعة التي تعمل بها، الأمر الذي دفع فرنسا خلال سنة 2021 إلى الإعلان عن انتهاء مهمتها في منطقة الساحل، كما أن بعثة الأمم المتحدة في مالي «مينوسما» كانت تعمل بقدراتها ومواردها المحدودة في مجال جغرافي واسع، مما جعل أفرادها الأكثر تعرضا للقتل من بين كل البعثات الأممية الأخرى المنتشرة في العالم. كما أن بعثة التدريب التابعة للاتحاد الأوروبي وبعثة الاتحاد الأوروبي لبناء القدرات قدمت يد العون لدولة مالي والنيجر، ولكن لم تكن جهودها كافية في ضوء ثِقَل المهمة والإكراهات.
فرنسا والدول الغربية عموما لم تكن تبتغي القضاء على المعضلة الأمنية بشكل جذري، فقد ركزت فقط على سياسة إصلاح القطاع الأمني والعسكري وتوفير بعض المعدات والأجهزة المحدودة، دون الرفع من سقف تجهيز الجيش المالي وتزويده بقدرات عسكرية نوعية، من خلال برامج المساعدة الأمنية والعمل على بناء قدرة محدودة و منفصلة لمكافحة الإرهاب والجريمة. مع أن واقع الأمر كان يفرض توفير قدرات أوسع، لتحقيق الاستقرار بشكل عام، والبناء الأساسي للدولة وتزويدها بوسائل تضمن تفوقها العسكري وبناء مؤسسات كفيلة بمحاربة الهشاشة، وتنفيذ برامج تنموية مع تطبيق القانون، ومحاربة كل صور الإقصاء وانتهاك حقوق الأقليات العرقية. بحكم الترابط بين التهديد الإرهابي والجريمة المنظمة في منطقة الساحل الإفريقي، والصراعات الدائرة على نطاق واسع، التي تئِّن منها المنطقة، يستلزم مراعاة البيئة التي يعمل فيها الإرهابيون والمهربون والمرتبطة بطبيعة الدولة وظروف نشأتها وفشلها.
طيلة حوالي الثماني سنوات من تواجد فرنسا العسكري في مالي بالخصوص، تكبدت خسائر مالية كبيرة بسبب النفقات الواسعة التي كان يتطلبها هذا التواجد، وهو ما دفعها الى إنشاء «مجموعة الدول الخمس» المشكلة من دول الساحل، والإعلان عن تشكيل كتيبة من القوة الأوروبية أطلق عليه اسم «تاكوبا»، من أجل تخفيف المجهود الحربي على فرنسا، غير أنها فشلت في ذلك. فدول الساحل الهشة أصلا، لم تستطيع تنفيذ ما تم الاتفاق عليه عند إنشاء المجموعة بحكم محدودية قدراتها، من تخصيص عدد 5000 جندي، حيث أن العدد المشغل كان أقل من ذلك بكثير. كما أن المجموعة كانت تعاني من اتساع المجال الجغرافي الذي قررت الاشتغال فيه، وتعاني من صعوبة التنسيق ومن الهيمنة الفرنسية المطلقة، فضلا عن غياب موارد مالية مهمة ومستمرة التدفق. كما أن قوة «تاكوبا» التي قامت أيضا فرنسا بتشكيلها من أجل إطالة أمد تواجدها بالمنطقة ، والمشكلة من وحدات تتبع لثماني جنسيات أوروبية، كان حضورها جد متواضع بشكل ملحوظ حيث لم يزيد عددها على 600 فرد نصفهم من الفرنسيين. قبل أن تعلن فرنسا نهاية عملياتها العسكرية بمالي.
ماهي الأسباب الحقيقية لفشل فرنسا وانتكاستها الاستراتيجية الخطيرة في مالي ومنطقة الساحل الإفريقي عموما؟
أولا: ضعف إمكانيات فرنسا مقارنة بأهدافها الاستراتيجية
لقد شكل انكشاف ضعف إمكانيات فرنسا مقارنة بأهدافها الاستراتيجية عاملا مهما في فشل استراتيجيتها، فالجغرافية الواسعة شكلت تحديا كبيرا لعملية «برخان» الفرنسة، حيث أن الطرق المعبدة أو الصالحة غير متوفرة في أغلب أنحاء المنطقة، مما فرض نقل الأغراض جوا باستخدام قدرات النقل المحدودة لدى فرنسا التي تعاني أصلا من قلة عدد الطائرات العمودية «الهليكوبتر»، ولم تكن تملك أيضا طائرات عمودية للنقل الثقيل ضمن مخزونها، فهي تعمد أغلب الأحيان إلى استئجار وسائل النقل من الشركات الخاصة بسب عدم توافر نقل استراتيجي لديها. مما طرح بحدة السؤال حول تكامل وتناسب الغايات والأهداف مع الوسائل، وإلى أي مدى تستطيع فرنسا الصمود في المنطقة. حيث أشارت بعض التقاريرإلى أن تكلفة حرب مالي تقدر بحوالي 400 ألف يورو بالنسبة لفرنسا يوميا، وهي تكلفة ارتفعت سنة بعد سنة من تواجد فرنسا العسكري، في ظل الوضعية الاقتصادية العالمية ووضعية فرنسا بالخصوص. فقدرة فرنسا على الاستمرار في توفير ماتسميه بـ «الاستقرار» في مالي أصبحت مستحيلة في ظل عدم حصولها على دعم مالي من المانحين الدوليين، رغم قيامها بعقد عدة لقاءات دولية للحصول على التمويل، أمام رفض مجلس الأمن الدولي تقديم تفويض مالي «لمجموعة دول الساحل الخمس».
استمرار التواجد العسكري مع تحمل تبعاته المالية والاقتصادية شكل خطرا كبيرا على فرنسا، بسبب ارتفاع الاعباء المالية المتزايدة وعجزها اللوجيستكي، وهو ما جعلها تنسحب سنة 2021، مما عرض مصالحها وسمعتها للخطر وعرضها لانتكاسة سياسة غير مسبوقة. وقبل إعلانها الانسحاب الذي هو في الحقيقة إقرار بفشل استراتيجيتها بحكم ضعف إمكانياتها وازدواجية سياستها، فشلت أيضا في دفع حلفائها خاصة من أوروبا، للانخراط بشكل كبير في «حربها» والرفع من مستوى حضورهم في منطقة الساحل الإفريقي. وكانت تريد بالخصوص من ألمانيا أن تلعب دورا متزايدا في ملفات الأمن والدفاع، بما في ذلك ملفات إفريقيا والساحل، خصوصا وأن ألمانيا كانت تعد أكبر دولة مساهمة في بعثة الأمم المتحدة في مالي، في الوقت الذي ساهمت فيه بريطانيا وإسبانيا في عملية «برخان» بشكل محدود جدا ، حيث شاركت الأولى بعدد من المروحيات الكبيرة والثانية ساهمت في النقل الجوي . ومن أجل دفع الدول الأوروبية إلى الانخراط إلى جانبها في معركتها في الساحل الإفريقي، شكلت فرنسا وعدد من حلفائها الأوروبيين والأفارقة، خلال شهر مارس من سنة 2020، رسميا قوة مهام جديدة أطلق عليها إسم «تاكوبا»، مهمتها مساندة قوات «برخان» الفرنسية ميدانيا والتي كانت تتعرض لهجمات أودت بحياة أعداد من جنودها أكبر بكثير من الحصيلة التي كانت تنشرها البيانات الرسمية الفرنسية، حيث تقلل فيها من حجم الخسائر في صفوفها وتتجنب ذكر العديد من الهجمات التي تستهدف قواتها في مناطق «ليبتاكو» وفي المناطق النائية والغير مأهولة، خاصة على الحدود مع النيجر مكان انتشارتنظيم داعش.
وقد قدمت الولايات المتحدة الأمريكية للقوات الفرنسية في مالي مساعدات محدودة، فعندما أطلقت فرنسا عملية «سيرفال»، قامت الولايات المتحدة بتوفير الوقود للطائرات الفرنسية وهي في الجو بحكم ضعف إمكانيات فرنسا. فحسب الإحصائيات المعلن عنها، تشير إلى أنه في الفترة ما بين يناير 2013 ويوليو 2015 زوّد الأميركيون الطائرات الفرنسية «الرفّال»، العاملة في منطقة الساحل الإفريقي بالوقود في الجو، أكثر من 2700 مرة، كما شاركت في نقل المعدات لصالح الفرنسيين خلال هذه العملية.
من جهة أخرى ساهمت طائرات بلا طيار «درون» الأميركية، في جمع المعلومات الاستخباراتية عن التنظيمات المسلحة العاملة في منطقة الساحل الإفريقي، وتبادل هذه المعلومات مع الفرنسيين الذين استعانوا بالأمريكيين لتسيير هذه الطائرات وشن هجمات ساهمت في استهداف عدد من قادة المجموعات الإرهابية. وقد حصلت فرنسا من الولايات المتحدة عام 2014 على ست طائرات بدون طيار تتولى خمس منها مهام الرقابة في مالي والنيجر، بينما استخدمت السادسة في مهام تدريبية بفرنسا، وفي يناير من عام 2015 أعلن وزير الدفاع الفرنسي آنذاك أن بلاده ستطلب من الأمريكيين توفير ثلاث أخرى من أجل تعزيز قدراتها الاستخباراتية في منطقة الساحل الإفريقي.
ثانيا: الانتهاج المتزايد لأساليب الحرب اللاتماثلية (guerre asymétrique) وسع من رقعة المعضلة الأمنية
أصبحت فرنسا منذ سنة 2015، تعتمد أكثر على الميليشيات المسلحة الموالية للسلطات المالية، خاصة "جماعة طوارق إمغاد للدفاع عن النفس وحلفائهم" GATIA المشكلة من طوارق قبيلة امغاد، إضافة الى "الحركة العربية الأزوادية بلاتفورم (Platform-MAA)، وحركة "السلام من أجل أزواد (MSA)، وقد أظهرت هذه المليشيات بشكل واضح أنها أكثر فاعلية في المعارك من القوات المسلحة المالية أو الفرنسية. توظيف هذه المليشيات لم يكن يستهدف فقط المجموعات الإرهابية، بل تم استعمالها أيضا ضد العرقيات الغير موالية للحكومة المالية. والأمر تجاوز ذلك لتدخل أيضا في مواجهات مسلحة ضد بعض الحركات الموقعة على على اتفاق السلام لسنة 2015، فخلال سنة 2016 وقعت مواجهات دموية بين هذه المليشيات وبين «منسقية الحركات الأزوادية»، التي تضم كلا من «الحركة الوطنية لتحرير أزواد» والمجلس الأعلى لوحدة أزواد، (و»الحركة العربية الأزوادية المنشقة «جناح ولد سيداتي)».
الاستعانة بالمليشيات القبلية في النزاع الدائر، في إطار توظيف أساليب الحرب اللاتماثلية (guerre asymétrique)، جعل من الصعب نجاح أي عملية تهدف إلى تحقيق السلام والاستقرار خاصة ما يتعلق منها بتسليم السلاح،كما ورد في بنود اتفاق المصالحة والسلم لسنة 2015، إضافة إلى أن استعمال المليشيات في الصراع خلق مشكلات سياسية وأمنية طويلة وسافرة أدت الى توسع المأزق الأمني .
وقد تدهور الوضع في ضل التواجد العسكري الفرنسي أكثر مما سبق، حيث زادت وتيرة الاتجار بالمخدرات وتمويل الإرهاب عن طريق أنشطة الاتجار غير المشروع، وتزايد استخدام دروب الاتجار لتدفقات الهجرة غير القانونية. التصعيد الذي شهدته نسبة العمليات الإرهابية، أدى إلى القضاء على النشاط التجاري في العديد من المراكز الحضرية، وتوسعت الحوادث العنيفة التي استهدفت المجتمعات المحلية، وزادت أعمال اللصوصية، والاغتيالات المتبادلة بين مختلف الجماعات المسلحة،وانتشر قطاع الطرق بسبب الغياب الطويل للأمن الوطني. فمنذ استئناف الهجمات الدموية، توقفت المبادلات التجارية وأصبحت الدكاكين خاوية من المواد الغذائية. أرقام المبادلات التجارية بمنطقة كيدال والمناطق المجاورة لها تراجعت منذ 2013 بسبب عدم قدرة التجار على جلب السلع خوفا من قطاع الطرق، حيث يتم إيقاف الشاحنات والسيارات من قبل مسلحين مجهولين، يقومون بسرقتها، ويصل بهم الأمر أحيانا إلى حد قتل الأشخاص المتواجدين فيها، وأصبحت الأطعمة الأساسية مثل الأرز وزيت الطهي، نادرة وعلب التبغ لم تعد موجودة، بسبب عمليات السطو على الشاحنات والسيارات الخاصة، مما جعل التجار وحتى السائقين يترددون في نقل البضائع من غرب تنبكتو ومن موريتانيا المجاورة.
كما أن الرعاة أصبحوا يخشون من أخذ قطعانهم للمرعى خارج التجمعات السكنية، والمخاطرة بالذهاب خارج المدينة بسبب مخاطر الألغام المنتشرة في الكثبان والمراعي، وأصبح من الصعب الوصول إلى منابع المياه بسبب ذلك. كما وصلت حالات سوء التغذية الحاد بين الأطفال دون سن الخامسة إلى «مستويات حرجة» في المناطق المتضررة من النزاع حول تمبكتو وغاو.
توسع آثار المأزق الأمني تسبب كذلك في إغلاق المدارس في المنطقتين الشمالية والوسطى من مالي، فخلال نهاية العام الدراسي 2016-2017، أغلقت 500 مدرسة أبوابها مقارنة بـ 296 مدرسة في العام السابق. وقد ارتفعت هذه النسبة خلال الموسم الدراسي الموالي لتصل إلى 7201 عام 2018، كما أغلقت في نفس الموسم حوالي 1108 مدرسة أبوابها أكثر من مرة بسبب تدهور الأوضاع.
هدف فرنسا لم يكن القضاء على الإرهاب بل الحفاظ على بيئة غير مستقرة؟:
ثالثا: تدخل فرنسا العسكري كان يهدف إلى إعادة تمركزها في المنطقة وحماية مصالحها، في ظل التنافس الخفي بينها والولايات المتحدة، فقد شكلت أزمة شمال مالي الفرصة المناسبة للولايات المتحدة من أجل التوسع في مناطق نفوذ فرنسا القديمة كمالي والنيجر وتشاد وبوركينافاسو وفي خليج غينيا. كما كان يهدف أيضا تدخل فرنسا العسكري إلى قطع الطريق أمام توسع النفوذ الاقتصادي المتزايد للصين في الساحل والصحراء، وكذا التصدي للاهتمام المتزايد لتركيا وروسيا والمغرب بالمنطقة.
وقد استطاعت فرنسا أن تستهدف بعض رموز الحركات الإرهابية لإعطاء مصداقية لتواجدها العسكري للرأي العام الفرنسي والدولي، والإعلان عن نجاحات معينة بالتنسيق مع الجزائر، ولكن لم يصل الأمر إلى الإنخراط بشكل كامل في القضاء على المجموعات الإرهابية، وهو ما لاحظه أيضا تنظيم «الدولة الاسلامية في الصحراء الكبرى»، داعش، حيث جاء في «صحيفة النبأ» العدد 238 الخميس 19 شوال 1441 هـ ،التي يصدرها التنظيم الإرهابي:
«هذا الحشد والدعم الكبير للقاعدة ضد جنود الخلافة في الساحل أثار العديد من علامات الاستفهام حول التنظيم»
فكيف لتنظيم كالقاعدة التي عادة ما كان جنوده يخفون أسلحتهم وأجهزة اتصالاتهم اللاسلكية عن جبهات الردة الموالية للحكومة المالية، ويلوذون بنقاط تمركز «تنسيقية الحركات الأزوادية»!
للاختفاء والتمويه عند قيام الصليبيين بدوريات تمشيط في مناطقهم، ويحملون العديد من أعلام الجبهات المرتدة في سياراتهم لاستخدام ما يناسبهم منها عند تحركاتهم وتنقلاتهم، ويقيم بعض قياداتهم في مدن «تيمياوين» و«تينزواتن» داخل حدود الجزائر!
«هذا الحشد والدعم الكبير للقاعدة ضد جنود الخلافة في الساحل أثار العديد من علامات الاستفهام حول التنظيم»
فكيف لتنظيم كالقاعدة التي عادة ما كان جنوده يخفون أسلحتهم وأجهزة اتصالاتهم اللاسلكية عن جبهات الردة الموالية للحكومة المالية، ويلوذون بنقاط تمركز «تنسيقية الحركات الأزوادية»!
للاختفاء والتمويه عند قيام الصليبيين بدوريات تمشيط في مناطقهم، ويحملون العديد من أعلام الجبهات المرتدة في سياراتهم لاستخدام ما يناسبهم منها عند تحركاتهم وتنقلاتهم، ويقيم بعض قياداتهم في مدن «تيمياوين» و«تينزواتن» داخل حدود الجزائر!
فكيف يمكن لتنظيم هذا حاله، أن يعلن فجأة هذه الحرب الشاملة ويخوض غمارها دون أن يتلقى ضمانات وتسهيلات لتحريك هذه الزحوف من آلاف العناصر المرتدة وآلياتهم والتي لم يحشد مثلها من قبل قط ضد أي عدو من أعداءه في المنطقة! لتقطع هذه الزحوف المسلحة مساحات شاسعة وتتحرك بشكل مكشوف دون أن تتعرض لأدنى مضايقة من أيٍّ من الجيوش المختلفة التي تتواجد في المنطقة؟! ودون أن تتعرض لأي قصف جوي في طريقها إلى قتال الدولة الإسلامية؟!".
فرغم «النجاحات» الميدانية التي حققتها «عملية سرفال» الفرنسية بمشاركة وحدات من الجيش التشادي سنة 2013، وما تلا ذلك من توقيع اتفاق السلام والمصالحة بين بعض المجموعات المسلحة والحكومة المالية برعاية الأمم المتحدة وبتنسيق مع الجزائر، فإن الواقع الأمني في شمال ووسط مالي شهد تدهورا متزايدا على جميع المستويات ، مما وضع الإستراتيجية الفرنسية في المنطقة محل شك،حيث واصلت الجماعات المسلحة تهديد السكان لثنيهم عن التعاون مع قوات الأمن، وتضاعف عدد التفجيرات بواسطة متفجرات يدوية الصنع وازداد تدهور الحالة الأمنية منذ توقيع اتفاق السلام والمصالحة، بل اشتدت المواجهات المسلحة بين أطراف موقعة على الاتفاق، وارتفع منسوب عدم الثقة. كما أن جل انتهاكات حقوق الإنسان المبلغ عنها قامت بها قوات الأمن التابعة للسلطات المالية في إطار سياستها لمحاربة الإرهاب. وقد سجل مثلا تقرير الأمين العام عن الحالة في مالي المرفوع إلى مجلس الأمن بتاريخ 06 يونيو 2018، انتهاكات وأعمال انتقامية ضد المدنيين قامت بها أيضا قوات "مجموعة الدول الخمس".
فرغم «النجاحات» الميدانية التي حققتها «عملية سرفال» الفرنسية بمشاركة وحدات من الجيش التشادي سنة 2013، وما تلا ذلك من توقيع اتفاق السلام والمصالحة بين بعض المجموعات المسلحة والحكومة المالية برعاية الأمم المتحدة وبتنسيق مع الجزائر، فإن الواقع الأمني في شمال ووسط مالي شهد تدهورا متزايدا على جميع المستويات ، مما وضع الإستراتيجية الفرنسية في المنطقة محل شك،حيث واصلت الجماعات المسلحة تهديد السكان لثنيهم عن التعاون مع قوات الأمن، وتضاعف عدد التفجيرات بواسطة متفجرات يدوية الصنع وازداد تدهور الحالة الأمنية منذ توقيع اتفاق السلام والمصالحة، بل اشتدت المواجهات المسلحة بين أطراف موقعة على الاتفاق، وارتفع منسوب عدم الثقة. كما أن جل انتهاكات حقوق الإنسان المبلغ عنها قامت بها قوات الأمن التابعة للسلطات المالية في إطار سياستها لمحاربة الإرهاب. وقد سجل مثلا تقرير الأمين العام عن الحالة في مالي المرفوع إلى مجلس الأمن بتاريخ 06 يونيو 2018، انتهاكات وأعمال انتقامية ضد المدنيين قامت بها أيضا قوات "مجموعة الدول الخمس".
بل وفي ظل هذه التطورات الميدانية التي جعلت من منطقة الساحل مجالا متمددا للانفلات الأمني المتصاعد، انتقلت الجماعات الإرهابية التابعة للأمن العسكري الجزائري والتي تنتسب إلى تنظيم القاعدة، إلى مرحلة مهمة من تطوير عملها وتنسيق نشاطها، حيث أعلنت في يوم 01 مارس 2017، عن تكوين جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» بعد اندماج أربعة حركات مسلحة، أعلنت عن هيكلها الجديد في شريط فيديو صورته مؤسستها الإعلامية «الزلاقة» ونشرته في نفس اليوم وكالة نواكشوط للأنباء، حيث ظهر في الفيديو إياد أغ غالي أمير «جماعة أنصار الدين»، وجمال عكاشة أمير «إمارة الصحراء» التابعة لـ «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، ومحمد كوفا أمير «جبهة تحرير ماسينا»، والحسن الأنصاري مساعد مختار بلمختار أمير «تنظيم المرابطون»، وأبو عبد الرحمن الصنهاجي قاضي «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». وقد أعلنوا عن تجمعهم واندماجهم في تنظيم جديد وعن مبايعتهم لكل من أيمن الظواهري زعيم القاعدة، وأبو مصعب عبد الودود، أمير تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» انذاك ، وهبة لله أخوند زاده أمير طالبان، وتم اختيار إياد أغ غالي رجل المخابرات الجزائرية في المنطقة ،أميرا للتنظيم الجديد.
خاتمــــــــة
بعد الإعلان عن فشل الاستراتيجية الفرنسية في منطقة الساحل، خرجت السطات المالية عن صمتها، واتهمت فرنسا بشكل رسمي داخل أروقة الأمم المتحدة، برعاية الإرهاب طيلة تواجدها بالساحل، واتهمت الجزائر بالتدخل في شؤونها الداخلية. وأعلنت دول مالي وبوركينافاسو والنيجر، فك الإرتباط بفرنسا ودفعها للإنسحاب الكلي من فوق أراضيها، والدعوة إلى انسحاب بعثة الأمم المتحدة في مالي «مينوسما» وإنهاء مهمتها، والانسحاب من «مجموعة دول الساحل الخمس» التي أسستها فرنسا، بل والإنسحاب أيضا من المجموعة الاقتصادية «الإكواس» الموالية لفرنسا، والعمل على رفض أي دور جزائري في المنطقة تحت غطاء المصالحة، بحكم انكشاف التنسيق العالي بين فرنسا والجزائر في الحفاظ على بيئة غير آمنة وغير مستقرة في شمال مالي و في منطقة الساحل عموما، والرفع من مستوى التنسيق والتعاون مع روسيا والمغرب والولايات المتحدة الأمريكية والصين وتركيا، والانخراط في مبادرة الأطلسي التي اقترحها الملك محمد السادس لفك العزلة عن دول الساحل.
محمد الطيار، باحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية