عندما تم تكليف الأستاذ عبد الإله بنكيران، بتشكيل الحكومة مساء يوم 29نونبر 2011 بميدلت .وشروعه في المشاورات من أجل تكوين الفريق الحكومي الذي سيقترحه على جلالة الملك، كان مجموعة من الأصدقاء يناقشون آفاق العمل الحكومي بالمغرب على مائدة عشاء في إطار تقليد تعودنا عليه منذ أكثر من عشرين سنة،.
وكان ولازال ضمن هذه المجموعة الطيبة،صديق عزيز نائب برلماني حينها مقرب من رئيس الحكومة المعين،وطرح سؤال للنقاش داخل المجموعة،ماذا يمكنكم أن تقترحوا في هذه اللحظة المفصلية ؟
وهكذا أدلى كل واحد برأيه مع العلم أن الحاضرين موظفون سامون وأطرعليا بالإدارة المغربية .
وبدوري بسطت رأيي وقلت :إن الدستور الجديد أعطى لرئيس الحكومة مناسبة الجلسة الشهرية بالبرلمان لمخاطبة ممثلي الأمة ومناقشتهم،وكذلك فرصة للتواصل مع الرأي العام وبالتالي عليه أن ينصرف إلى العمل وبذلك سيقلل من مناوشات الخصوم السياسيين ومواقع التواصل الاجتماعي،لأن دور رئيس الحكومة هو العمل والإنجاز ودور المعارضة هو النقد من اجل التقويم والتجويد أحيانا والمزايدة السياسية أحيانا أخرى.
أما الاقتراح الثاني قلت على رئيس الحكومة أن يختار بعناية كلماته ومصطلحاته، عندما يتحدث عن الفساد والرشوة والريع. وبالتالي فعوض الحديث على القضاء على الفساد ومحاربته، يستحسن التواضع والحديث على تجويد النزاهة وذلك لأن الفساد اكبر من أن يُقضى عليه في ولاية انتخابية واحدة أو اثنين وذلك تجنبا لخلق تدمر frustration عند المواطنين.
في نهاية الولاية طلب مني هذا الصديق أن ابعث له المقترحين بالبريد الإلكتروني لتقديمهما لمن يهمه الأمرولا زلت احتفظ بالنص.
مع الأسف اتخذت تلك التجربة مسارا آخر وارتفع منسوب التصريحات والمناوشات والردود طيلة الأسبوع وطيلة الولاية مع رفع السقف عاليا بشعارات كبيرة لاجتثاث الفساد لكن السيد الرئيس غادر الحكومة دون أن يقضي لا على الرشوة ولا على الفساد.
مناسبة هذا الكلام هو التصنيف الأخير لبلادنا في المرتبة 97 من أصل 180 دولة من طرف منظمة transparency الدولية وحصوله على نقطة 38 على 100 حسب "مؤشر إدراك الرشوة" (Indice de Perception de la Corruption )
الذي تعتمده هذه المنظمة الدولية في قياسها السنوي والنقطة المحصل عليها تجعل منها رشوة نسقية systémique وليست رشوة عرضية .
وكما يعلم الجميع أن الفرق بينهما شاسع وخطير صحيح أن مؤشر إدراك الرشوة الذي تعتمده تراسبرنسي لا هو لا بالمثالي ولا هو بالفريد . وأن هناك مؤشرات أخرى للقياس كمؤشر الحكامة العالمية الذي يعتمده البنك الدولي،أو مؤشر إبراهيم للحكامة بإفريقيا،أو مؤشر الباروميتر العالمي. لكن يبقى أنها كلها تعتبر أن النقطة المحصل عليها تحرم الاقتصاد الوطني من 2,5 % من نسبة النمو وهي نسبة رهيبة ترهن مستقبل التنمية وتهدد الاستقرار في مدلوله العام وانتهاك لحق الإنسان في التنمية .
خلال شهر فبراير لسنة 1983 صرح وزير المالية المغربي آنذاك عبد اللطيف الجواهري لجريدة Le Matin du Sahara -التي كان يديرها زميله في الحكومة مولاي أحمد العلوي رحمه الله -أن محاربة الرشوة بالمغرب تتميز بضعف الإرادة وبعدم فعالية الإجراءات المتخذة.
وبعد أربعين سنة هاهو نفسه سي عبد اللطيف وهذه المرة واليا لبنك المغرب يقول في تقرير أعدته مؤسسته حول الوضعية الاقتصادية والنقدية لسنة 2022 أن "التقدم في محاربة الرشوة يظل ضعيفا"وأن "الأمر يستدعي إعادة النظر في المقاربات المعتمدة إلى الآن وبالخصوص اتخاذ تدابير أكثر قوة وحزما،مع العلم أننا الآن يحكمنا دستور 2011 الذي افرد في بابه 12 الثاني عشر 17 مادة خاصة بالحكامة، كما أننا اعتمدنا الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد سنة 2015، ولنا الهيئة الوطنية للوقاية من الرشوة ومحاربتها .
كما أننا وبدون منازع ولا تنمر لنا خطاب حول مكافحة الفساد هو الأكثر قوةً بالمنطقة العربية حسب الأستاذ المصباحي.
أين الخلل إذن ؟ صحيح أن الرشوة أوالفساد عندما تنتقل من العرضي إلى النسقي تتكون عندها مناعة جينية تقتضي منهجية متماسكة على المدى المتوسط والبعيد فالفساد لم يعد مرتبطا بالإدارة العمومية فحسب بل امتدت إلى الخواص من مقاولات وأبناك وأفراد وأيضا إلى الأحزاب والنقابات وجمعيات المجتمع المدني وحتى الزوايا اعتقد انه آن الأوان لوقفة شجاعة لمواجهة هذا الوحش الذي يكبر ويتضخم أمام أعين الجميع حتى لا يلتهم الأخضر واليابس، والمرتشي قبل الراشي والشاهد بعد المشارك ولن ينفع حينها لا هياط ولا مياط ولا شفاعة من قريش .
وهكذا أدلى كل واحد برأيه مع العلم أن الحاضرين موظفون سامون وأطرعليا بالإدارة المغربية .
وبدوري بسطت رأيي وقلت :إن الدستور الجديد أعطى لرئيس الحكومة مناسبة الجلسة الشهرية بالبرلمان لمخاطبة ممثلي الأمة ومناقشتهم،وكذلك فرصة للتواصل مع الرأي العام وبالتالي عليه أن ينصرف إلى العمل وبذلك سيقلل من مناوشات الخصوم السياسيين ومواقع التواصل الاجتماعي،لأن دور رئيس الحكومة هو العمل والإنجاز ودور المعارضة هو النقد من اجل التقويم والتجويد أحيانا والمزايدة السياسية أحيانا أخرى.
أما الاقتراح الثاني قلت على رئيس الحكومة أن يختار بعناية كلماته ومصطلحاته، عندما يتحدث عن الفساد والرشوة والريع. وبالتالي فعوض الحديث على القضاء على الفساد ومحاربته، يستحسن التواضع والحديث على تجويد النزاهة وذلك لأن الفساد اكبر من أن يُقضى عليه في ولاية انتخابية واحدة أو اثنين وذلك تجنبا لخلق تدمر frustration عند المواطنين.
في نهاية الولاية طلب مني هذا الصديق أن ابعث له المقترحين بالبريد الإلكتروني لتقديمهما لمن يهمه الأمرولا زلت احتفظ بالنص.
مع الأسف اتخذت تلك التجربة مسارا آخر وارتفع منسوب التصريحات والمناوشات والردود طيلة الأسبوع وطيلة الولاية مع رفع السقف عاليا بشعارات كبيرة لاجتثاث الفساد لكن السيد الرئيس غادر الحكومة دون أن يقضي لا على الرشوة ولا على الفساد.
مناسبة هذا الكلام هو التصنيف الأخير لبلادنا في المرتبة 97 من أصل 180 دولة من طرف منظمة transparency الدولية وحصوله على نقطة 38 على 100 حسب "مؤشر إدراك الرشوة" (Indice de Perception de la Corruption )
الذي تعتمده هذه المنظمة الدولية في قياسها السنوي والنقطة المحصل عليها تجعل منها رشوة نسقية systémique وليست رشوة عرضية .
وكما يعلم الجميع أن الفرق بينهما شاسع وخطير صحيح أن مؤشر إدراك الرشوة الذي تعتمده تراسبرنسي لا هو لا بالمثالي ولا هو بالفريد . وأن هناك مؤشرات أخرى للقياس كمؤشر الحكامة العالمية الذي يعتمده البنك الدولي،أو مؤشر إبراهيم للحكامة بإفريقيا،أو مؤشر الباروميتر العالمي. لكن يبقى أنها كلها تعتبر أن النقطة المحصل عليها تحرم الاقتصاد الوطني من 2,5 % من نسبة النمو وهي نسبة رهيبة ترهن مستقبل التنمية وتهدد الاستقرار في مدلوله العام وانتهاك لحق الإنسان في التنمية .
خلال شهر فبراير لسنة 1983 صرح وزير المالية المغربي آنذاك عبد اللطيف الجواهري لجريدة Le Matin du Sahara -التي كان يديرها زميله في الحكومة مولاي أحمد العلوي رحمه الله -أن محاربة الرشوة بالمغرب تتميز بضعف الإرادة وبعدم فعالية الإجراءات المتخذة.
وبعد أربعين سنة هاهو نفسه سي عبد اللطيف وهذه المرة واليا لبنك المغرب يقول في تقرير أعدته مؤسسته حول الوضعية الاقتصادية والنقدية لسنة 2022 أن "التقدم في محاربة الرشوة يظل ضعيفا"وأن "الأمر يستدعي إعادة النظر في المقاربات المعتمدة إلى الآن وبالخصوص اتخاذ تدابير أكثر قوة وحزما،مع العلم أننا الآن يحكمنا دستور 2011 الذي افرد في بابه 12 الثاني عشر 17 مادة خاصة بالحكامة، كما أننا اعتمدنا الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد سنة 2015، ولنا الهيئة الوطنية للوقاية من الرشوة ومحاربتها .
كما أننا وبدون منازع ولا تنمر لنا خطاب حول مكافحة الفساد هو الأكثر قوةً بالمنطقة العربية حسب الأستاذ المصباحي.
أين الخلل إذن ؟ صحيح أن الرشوة أوالفساد عندما تنتقل من العرضي إلى النسقي تتكون عندها مناعة جينية تقتضي منهجية متماسكة على المدى المتوسط والبعيد فالفساد لم يعد مرتبطا بالإدارة العمومية فحسب بل امتدت إلى الخواص من مقاولات وأبناك وأفراد وأيضا إلى الأحزاب والنقابات وجمعيات المجتمع المدني وحتى الزوايا اعتقد انه آن الأوان لوقفة شجاعة لمواجهة هذا الوحش الذي يكبر ويتضخم أمام أعين الجميع حتى لا يلتهم الأخضر واليابس، والمرتشي قبل الراشي والشاهد بعد المشارك ولن ينفع حينها لا هياط ولا مياط ولا شفاعة من قريش .