رصدت جريدة "أنفاس بريس" خلال العقد الأخير، بصمة الأطر الشبابية خريجي المعهد الملكي لتكوين أطر الشباب والرياضة "الناظور والدار البيضاء وبنسليمان"، خصوصا تلك الأطر التي اختارت الاشتغال بمراكز حماية الطفولة رغم الإكراهات والتحديات ذات الصلة بالبنية التحتية والإمكانيات التي تعترض تنفيذ برامجهم الواعدة، وتتجلى هذه البصمة المتميزة في التحول والتغيير الملموس على مستوى إعداد البرامج الموجهة لهذه الفئة من اليافعين والأطفال القاصرين، حيث بدأ جني ثمارها.
لقد استطاعت بعض مراكز حماية الطفولة بالمغرب، بقدرة العقلية المتفتحة لأطرها الشبابية وإرادتهم وتفانيهم في العمل، فضلا عن إيمانهم بثقافة حقوق الإنسان والوعي بأهمية إدماج المستفيدات والمستفيدين من الخدامات النبيلة على المستوى الاجتماعي والثقافي والفني والرياضية في المجتمع، وذلك من خلال إعداد برامج هادفة تروم صقل المواهب.
النموذج المتألق من مراكز حماية الطفولة الذي سلطت عليه جريدة "أنفاس بريس" كشافات الضوء، يوجد موطنه بمدينة بنسليمان، على اعتبار أنه حقق التميز هذه السنة، بعد أن تمكن بفضل مجهودات وعمل أطره الشابة أن يصبح محط أنظار مؤسسات وطنية تفاعلت مع حقله الذي سينتج المزيد من جواهر طفولية بعد أن أينعت أزهار بستانه.
من مركز حماية الطفولة بسليمان إلى أكاديمية محمد السادس لكرة القدم
من شغاف قلب مركز حماية الطفولة بنسليمان تألقت جوهرة رياضية فريدة من نوعها، بعد أن تم اختيار موهبة كروية ضمن المنتخب المغربي أقل من خمسة عشر سنة "U15". وقد تم إشعار الطفل الموهبة الكروية للإلتحاق بمعسكر تدريبي تربصي خلال الفترة الممتدة من 28 يناير إلى 1 فبراير من السنة الجارية.
إن اختيار الطفل الموهبة من مركز حماية الطفولة بمدينة بنسليمان لإدماجه في منتخب كرة القدم أقل من 15 سنة، وهو الذي كان يداعب "الجلدة" بقدميه الفتيتين مع اللاعبين من أقرانه بفريق الجيش الملكي، يُمثل مرحلة مهمة وفارقة في حياة هذا اللاعب الصغير، حيث يتجلى فيها الجهد والاجتهاد الذين بذلهما لتحقيق هذا الإنجاز الرائع.
هي تجربة رياضية تمثل لحظة لا تُنسى، بل تمثل لحظة فارقة ومنعطف جميل في حياته، تمتزج فيها الموهبة والاجتهاد والصبر والتفاني ليكتب قصته من وسط مركز حماية الطفولة بنسليمان، إنها قصة نجاح فريدة.
في اعتقادنا الشخصي يعد هذا الاختيار لحظة استثنائية تُعزّز طموحات هذا الطفل المستقبلية، ويترجم كفاحه اليومي ليشكل صورة جديدة عن شخصيته ومحيطه الاجتماعي، وهي لحظة تفتح أفقًا جديدًا أمامه وأمام أقرانه.
طبعا وهذا إحساسنا جميعا، أنه بعد توصل الطفل الموهبة بدعوة الإلتحاق بأكاديمية محمد السادس لكرة القدم سيكون شعوره ممزوجا بالفرح والفخر…شعوره بالفخر الكبير لأنه مغربي ينتمي لتربة أرض هذا الوطن الرائع الذي سيمثله كسفير رياضي يحمل علمه في قلبه وسط ساحات وميادين المنافسة الوطنية والدولية والقارية.
إن المبادرة التي أقدمت عليها الجامعية الملكية المغربية لكرة القدم وهي تقتحم مركز حماية الطفولة بنسليمان دليل كبير على أن هذا الوطن يتسع للجميع، هي رسالة تؤكد أن عين الجامعة تلتقط كل كبيرة وصغيرة في مجال تخصصها الرياضي، ولا تفرق بين الغني والفقير، ولا بين المحظوظين ومن قدر لهم الله أن يعيشوا وضعيات اجتماعية صعبة.
من المؤكد أن تحقيق حلم لعب كرة القدم باسم المنتخب المغربي يعزز الروح الرياضية والانتماء الوطني لهذا الطفل الموهبة، بل أن تحقيق هذا الحلم هو رسالة لأقرانه بمراكز حماية الطفولة بالمغرب ليبرهنوا على علو كعبهم. هي رسالة مجتمعية مفادها أننا مطالبون اليوم بالعمل على صقل مواهب شخصية أطفالنا وننمي فيهم روح الوطنية وقيم التحدي والإصرار والصبر.
طبعا ستبقى هذه اللحظة الرائعة المفعمة بحب الانتماء للوطن محفورة في ذاكرة هذا الطفل الموهبة ونبراسا وقادا يضيء طريق أقرانه، كشعلة تسطع في مسيرته الكروية المبهرة. وتعكس لا محالة كل المجهودات التي يقوم بها أطر مراكز حماية الطفولة بالمغرب.
من مركز حماية الطفولة إلى برلمان الطفل
في نفس السياق ومن وسط نفس المركز، انطلقت تجربة أخرى واعدة، تتمثل في إعداد الأطفال لتدبير الشأن الوطني، حيث تمكن أحد الأطفال من مركز حماية الطفولة بنسليمان من اقتحام تجربة برلمان الطفل يوم 23 يناير 2024، بعد أن اختاره المرصد الوطني لحقوق الطفل ليمثل أقرانه، والترافع باسمهم في قضايا مجتمعية.
على سبيل الختم:
أكيد أن هناك تجارب جميلة ورائعة يقوم بها أطر مراكز حماية الطفولة عبر ربوع الوطن، على اعتبار أننا تابعنا في جريدة "أنفاس بريس" برامجها وأنشطتها الواعدة رغم الإكراهات والتحديات ذات الصلة بالنهوض بالبنية الإستقبالية والتجهيزات والدعم المادي واللوجستيكي، لكن الأهم أن نتدارك ذلك وأن نلتفت لهذه التجارب الخلاقة التي تشتغل في صمت.