نعتقد أن هناك في الحكومات السابقة إشكالات كبيرة بخصوص الإثراء غير المشروع في المغرب. ليس كقانون فقط، وإنما كممارسة على مستويات متعدّدة، وذلك عندما أتت الحكومة الحالية وسحبت المشروع لم يكن مفاجئا، قيل بأن هناك حاجة إلى نضج وإنضاج النقاش القانوني والواقعي المرتبط بهذا القانون. في نظري، أن مكافحة الإثراء غير المشروع هو منظومة وليس قانون، وإنما يرتبط بإيجاد صيغة قانونية أو تركيبة قانونية. فإما أن يكون موجودا بأدوات وتركيبات التنزيل قانونية وزجرية مناسبة، أو يوجد بأدوات هلامية فضفاضة يثير الكثير من التأويلات.
لذلك، فالإثراء غير المشروع يجب أن يكون منظومة داخل الدولة، وإنما فالقانون نتيجة وليست أداة للمكافحة. والدّولة صارت تعي بأنه حان الوقت لتغيير النّمطيات المتعددة، ولاسيما الجوانب المرتبطة بما هو اقتصادي. وتغيير ذلك يحتاج إلى زمن ووقت، لكنه يحتاج إلى تنزيل آني بالنظر إلى أن هناك التزامات على المستوى الدّولي، وتحويلات في المنظومة القيمية وفي الممارسة السياسية في المغرب. فقد كانت هناك أشكال متعددة للمحاسبة لشخصيات مرموقة في المجالين الاقتصادي والمالي في المغرب، لذلك هي مقدمة لضوابط قانونية لربط المسؤولية بالمحاسبة لما فيها تلجيم الفساد الذي يمكن أن يصل إلى مستويات لا يمكن تصوّرها.
لذلك، أعتقد أن الدّولة إذا استمرت في مكافحتها لهاته المنظومة الرّيعية الفاسدة بأشكالها المتعدّدة سيكون بذلك مقدّمة لوضع إطار قانوني عام ومناسب ولمكافحة كل الظواهر الإجرامية المرتبطة بالمالية، خاصة في المغرب. اليوم، ليست هناك أعذار كثيرة لمن يدافعون عن "تجميده" وضعه في ثلاجة القوانين. اليوم هناك حاجة ملحة لكي يكون هناك اقتصاد تنافسي منفتح قويّ ومندمج مع محيطه العالمي والإقليمي.
ولن يكون هناك أيّ نموذج بهذه الطريقة إلا إذا كان هناك نموذج يعاكس كل الأساليب الرّيعية وغير المشروعة لاكتساب ومراكمة الأموال. وأعتقد أن المناسبة شرط، فإن إمكانية الدخول في هذا النّسق ستكون مقدّمة لإيجاد القانون، باعتباره تعبيرا لدخول المغرب في نموذج أنساق جديدة في التعامل الاقتصادي والمالي لمكافحة الفساد والإبتزاز المالي بالمغرب.
الدكتور خالد الشّيات، أستاذ القانون الدّولي والعلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة