قبل عقود من الزمن، كنا ونحن أطفال نسمع عن اعتقال أشخاص في حينا يتعاطون تدخين ”السبسي” المعبئ بالكيف. كانوا أناسا بسطاء يشترون كمية من ”النعناع” المعروف بالعشبة ذات التأثير المهدئ الخفيف. هؤلاء كانوا يتقنون عمليات تحضير ذلك الخليط بين التبغ والكيف إلى جانب إتقانهم ”لتشحير” الشاي في البراد.
كانوا يقدمون خدمات للأسر التي لم تكن لها الوسائل لمقاومة الألم الذي يشعر به الرضع عبر استنشاق ما تبقى في”السبسي” من مخدر الكيف. بعد هذه الفترة تكلفت إحدى المجموعات، التي كانت تخضع لسيطرة بعض شباب الأحياء المجاورة لحي الزاوية العباسية بمراكش إلى جانب الكثير من الأحياء التاريخية للمدينة، باستيراد النبيذ الأحمر من الحي ”الأوروبي جيليز” إبان الإستعمار إلى الأحياء القديمة. الأمر أصبح كبيرا.
ارتفعت الأحجام المستوردة عبر ”السقاءين” الذين كانوا يستعملون دراجات هوائية ثم دراجات نارية. ثم توالت حركة الاستيراد ليتم استعمال شاحنات تصل إلى الجوانب من سور المدينة الذي يمكن من تسويق كميات أكبر خلال الأعياد. وقبل هذا وجبت الإشارة إلى أن سلطات الاستعمار "ناضلت" من أجل إدخال السيجارة الأوروبية القاتلة للمغرب. وفي هذه الفترة كانت الوكالة التي أوكل إليها بيع التبغ تحمل اسم ”وكالة التبغ والكيف". لكن هذه التسمية لم تصمد أمام لوبي السيجارة الفرنسية لفترة طويلة. وهكذا تم تجريم تدخين الكيف رغم أنه أقل فتكا بالصحة من السجائر المسمومة. واستمرت ظاهرة الاتجار في الخمور عبر شبكة شعبية ظلت محفوفة بالمخاطر في كل الأحياء الشعبية. كل هذا في وقت لم تتحول فيه العمليات إلى صناعة الحشيش التي أبدعها الغرب الأوروبي في بداية السبعينيات. لم يكن أحد من مستهلكي الكيف كعشبة على علم بدخول المواد الكيماوية إلى عادة كانت بعيدة مما ستعرفه أشكال تحول سوق المخدرات الخفيفة إلى مستوى تصنيع سموم ضارة بالجسد و بالعقل. كانت الدولة بكل أجهزتها تحارب هذه الظاهرة. لكن حجم الأموال المتداولة في هذه السوق أصبح كبيرا.
وكبرت معه وسائل اغتناء سريع لبعض البارونات و خصوصا في شمال المغرب. آلاف الدراهم تحولت كدخل إلى الملايين ثم الملايير. وكل هذه الأرقام انعكست على مستوى الودائع البنكية وعلى سوق العقار وزيادة أشكال الإستثمار في المطاعم والمقاهي وحتى في سوق الانتخابات. ثم ظهرت سموم بيضاء أكثر فتكا بالعقول وبالمال ولكنها عابرة للقارات.
”الغبرة” استهدفت أبناء الأغنياء وبعض أبناء الطبقات المتوسطة وحطمت مستقبل الكثير منهم. وتدفقت الأموال على بعض البارونات ومعها أشكال جديدة للإجرام المافيوزي الذي وصل أوجه إلى مستوى تدخل مجرمي أمريكا اللاتينية الذين قتلوا، عن طريق الخطأ ، طالبا في الطب بمراكش ظنا منهم أنه أحد المطلوبين للمافيا، وهو المالك لمقهى كبير بالحي الشتوي بمراكش لا زال مغلقا إلى اليوم. كشفت الاعتقالات التي تمت بسرعة مهنية إلى شبكة دولية لتبييض الأموال. قد تكون بعض العقارات الراقية شاهدة على فعل المال المرتبط بالمخدرات لا زالت تذر دخلا على بعض الاباطرة.
وتدفقت الأموال وأثرت على حجم الكتلة النقدية وسكتت آليات الرقابة على الأبناك حتى دخلنا إلى المنطقة الرمادية في مجال مقاييس مجموعة العمل المالية المعروفة بإسم ”الكافي” (بتضخيم الكاف). المشكل معروف ويكشفه حجم المال الورقي المتداول في أسواقنا والذي تجاوز 370 مليار درهم عند متم 2022. ولا أدري إن كانت منظومتنا البنكية تلتزم بدورها في مجال شفافية متابعة حسابات العملاء.
تزايدت شبكة الأموال ذات المصدر المشكوك فيه. واستطاع كثير ممن راكموا ثروات دون مسببات تتعلق بنشاط اقتصادي مشروع من الاقتراب من مجال ممارسة السياسة. لم يجدوا عقبات في طريقهم وأصبح منهم البرلماني ورئيس المجلس البلدي والإقليمي والجهوي والمتحكم في القرارات المتعلقة بالتعمير والعقار. تم غض الطرف على الاغتناء المفاجئ لكائنات لم تكن لها علاقة لا مع السوق ولا مع الإستثمار. وبسرعة تحول المشهد السياسي إلى حضانة لأصحاب المال المشبوه.
زاد حجمهم ولم ينفعهم المال في فهم السياسة ومبادىء المواطنة. أصبحوا ذوي بأس شديد و كثيري الحضور في ميدان القرار والتأثير. و تراجع أولي النهى والعقل ومحبي الوطن والذين يخافون ألله ويخافون على بلادهم وعلى فلذات أكبادهم.
هل كان قياديو الأحزاب على عدم معرفة بمصدر ثروات من طلبوا تزكيات للتقدم للانتخابات. بالطبع لا وألف لا وللنتيجة أن المناضل المؤمن بمبادئ حزبه أحس بطعم خديعة دفعت بالمؤمنين بنبل العمل السياسي إلى إعلان طلاق بينهم و بينه. وبين ماض جميل بني على الإيمان بالمبادىء والولاء التام للوطن وللمؤسسات، دخل أصحاب المال المشكوك في مصدره إلى البرلمان وإلى كافة المجالس وأصبحوا قوة تصعب مقاومتها. وهذا لا يعني أن الشرفاء لا يوجدون من ضمن من يسيرون الشأن العام بكثير من الإلتزام و الوفاء للوطن وللمواطنين.
أصبحت سوق التزكيات مربحة وبعيدة عن المراقبة النضالية. والأمر هان بعد أن عم حتى لدى يمين ويسار و وسط وكل الدكاكين ذات الأسماء الغريبة والمسماة، مجازا، أحزابا مغربية.
أصبح المواطن يتخذ من أفلام الثلاثاء والأربعاء، التي تبث من داخل البرلمان فرجة على مهازل أبطالها، في غالبيتهم غير متعلمين وذوى مستويات دنيا، لا يفقهون إلا في سبل الاغتناء السريع ومناصرة أعداء الممارسة السياسية التي تريد بناء أركان الوطن في زمن التحولات الإجتماعية والإقتصادية والبيئية والسياسية. وأصبحت فلتات اللسان، حسب تعريف فرويد، معبرة عن حالات نفسية هي التي كانت مصدر للتشريع لأكثر من عقدين من الزمن. وبعض الهؤلاء وقعوا في قبضة العدالة ولا زال بعضهم ينتظر نتائج البحث الذي تقوم به الأجهزة الأمنية المختصة تحت إشراف النيابة العامة.
هل يجهل المواطن المغربي المحب لوطنه كيف وصل أشباه سياسيين إلى ما هم عليه من جاه و غنى و”سنطيحة” في المجالس وتمكنوا، رغم ضعفهم المعرفي، من مركز قرار في التدبير المجالي والإداري. المواطن يكاد يتأكد بأن اللعبة تكاد تستفيد من تواطؤات كبرى على عدة مستويات قابلة للتواطؤ في أشكاله العابثة بمستقبل الوطن. ولكن بزوغ فجر جديد. بإرادة عليا، بدأ يبشر بتحولات قادمة. نعم يجب أن تستمر مؤسسات المجتمع المدني والسياسي في تقديم شكايات ضد كل من ظهرت ضده شبهات بالاغتناء غير المشروع رغم أنف وزير العدل الذي له رأي آخر. ولكن المغاربة ومؤسساتهم التليدة لهم الرأي السديد. لن تكون مواطنا فاعلا إذا لم تكن من أؤلئك الذين يحاربون المنكر بفعلهم أو بلسانهم أو بقلبهم وذلك أضعف الإيمان.
مؤسستنا القضائية تعطي إشارات إيجابية في يومنا لكل المواطنين مهما كانت درجتهم وثروتهم ومواقعهم. الوطن قوي بمؤسساته في هذا اليوم و دفي الغد وبعده. ولقد خاطب عاهل البلاد كافة المسؤولين عن ثروة المغاربة وقال بصريح العبارة ” أين هي الثروة ؟”. وفي هذه الأيام يتابع المغاربة بكثير من الإهتمام قضية مطروحة أمام محكمة الاستئناف بالدار البيضاء. مجموعة من المتهمين توجد رهن الاعتقال بتهم كبيرة.
وينتظر أن تتسع دائرة المتهمين خلال الأيام و الشهور المقبلة. أصبح الوطن والمواطن لا يتحمل من يسيطرون على خيراته وقراره ممن لا يخلقون ثروات ولا يدبرون سياسات ذات مردود ويتفننون في السيطرة على القرار بعنجهية وفي غياب أي قدرة على التغيير البناء. هؤلاء يعبدون الطريق لكي يجتاح كل الانتهازيين كل الميادين و يقتلون كل ما تبقى من وفاء لقيم الانتماء للوطن.
ماذا يمكن أن يتوقع المغربي الذي ينتظر الخير لوطنه ومن وطنه حين يشاهد على التلفاز من يعتبره عدوا لكل قيم هذا الوطن. لا أنكر أنني أحب أن أرى الشباب والكهول و النساء يجلسون في كراسي المؤسسة التشريعية، ولكنني أجد نفسي، كغيري من المغاربة غير راض عن مشهد بلادي، حين أرى كثيرا من المشتبه في ثرواتهم و بعض المعروفين بسلوكياتهم غير اللائقة حاضرين بقوة في مؤسسات بلادي. صنع الفساد اصناما تكاد تصبح ذوات تترفع عن مجال المحاسبة. بعضها يمضي في الهجوم على حرمة المواطن و لا يبالي. وكل ما يقوم به أبطال هذا الزمن من استيلاء على الثروات دون محاسبة يهدد ثقة المواطن في مؤسسات البلاد.
يكاد الكثير من أعداء بلادنا الذين يعيشون بيننا أن يحسبوا أنفسهم في منأى عن المحاسبة. ولكن انتظارات الوطن والمواطنين تزداد زخما و مطالبة على مستوى السياسة و المجتمع. وهذا الوضع يزيد من حدة ومن تطور العوامل الموضوعية المؤدية لانفجار الأزمات وتأجيج الصراعات. حين يصبح الفاقد للمشروعية جاثما على الصدور ومتمسكا بالقدرة على الحضور في البرلمان والمجالس المنتخبة، فأعلم أن الاستفزاز قد بلغ الأوج. كل هذا يحصل في بلادنا التي اختارت النهج الدمقراطي دون أن تتحصن ضد فعل الفاسدين. كثيرهم صرح بالممتلكات في ظرف مغلق وضع لدى المجلس الأعلى للحسابات، ولكن لا وجود للمحاسبات. وهكذا كفر المواطن بالانتخابات وبالمجالس وبالأحزاب وبالنقابات و بكل الأشكال المؤسساتية للوساطة السياسية.
يعتقد الكثيرون من المتفائلين أننا على أبواب مرحلة حاسمة في ميدان الحكامة ببلادنا. قد يكون الغد مرحلة تنزيل مبادىء المحاسبة و إعطاء مدلول فعلي للشفافية التي نص عليها الدستور. فجر المغرب الذي يريده المغاربة هو ذلك الموعد بين إرادة ملك وشعب لتنظيف الممارسة السياسية والإدارية والإقتصادية من كل العوامل السلبية التي تعبث بعلاقة المواطن بمؤسسات بلاده. نعم لفتح ملفات الفساد في إحترام تام للقانون ولحقوق الإنسان ولاستقلال القضاء. والنصر والعزة للمغرب الحر الأبي الواحد الموحد من طنجة إلى لكويرة. الذل كل الذل على من يتاجرون بإسم الوطن والثقافة والرياضة والفلاحة والتعليم والدين والأخلاق.. كل هؤلاء تجار مخدرات وصناع سوق الابتزاز الجنسي والسياسي كما كان الحال عليه في زمن الكوميسير ثابت. المهم هو حماية الوطن من كل أفعال من يعادونه. والأهم هو أن تتم محاسبتهم بالقانون وليس بعقلية تصفية حسابات أو بغريزة الإنتقام. ولكن الوطن، في هذا الزمن الصعب، ماض إلى مستقر ثابت ومستجيب لإنتظارات المواطنين.
كانوا يقدمون خدمات للأسر التي لم تكن لها الوسائل لمقاومة الألم الذي يشعر به الرضع عبر استنشاق ما تبقى في”السبسي” من مخدر الكيف. بعد هذه الفترة تكلفت إحدى المجموعات، التي كانت تخضع لسيطرة بعض شباب الأحياء المجاورة لحي الزاوية العباسية بمراكش إلى جانب الكثير من الأحياء التاريخية للمدينة، باستيراد النبيذ الأحمر من الحي ”الأوروبي جيليز” إبان الإستعمار إلى الأحياء القديمة. الأمر أصبح كبيرا.
ارتفعت الأحجام المستوردة عبر ”السقاءين” الذين كانوا يستعملون دراجات هوائية ثم دراجات نارية. ثم توالت حركة الاستيراد ليتم استعمال شاحنات تصل إلى الجوانب من سور المدينة الذي يمكن من تسويق كميات أكبر خلال الأعياد. وقبل هذا وجبت الإشارة إلى أن سلطات الاستعمار "ناضلت" من أجل إدخال السيجارة الأوروبية القاتلة للمغرب. وفي هذه الفترة كانت الوكالة التي أوكل إليها بيع التبغ تحمل اسم ”وكالة التبغ والكيف". لكن هذه التسمية لم تصمد أمام لوبي السيجارة الفرنسية لفترة طويلة. وهكذا تم تجريم تدخين الكيف رغم أنه أقل فتكا بالصحة من السجائر المسمومة. واستمرت ظاهرة الاتجار في الخمور عبر شبكة شعبية ظلت محفوفة بالمخاطر في كل الأحياء الشعبية. كل هذا في وقت لم تتحول فيه العمليات إلى صناعة الحشيش التي أبدعها الغرب الأوروبي في بداية السبعينيات. لم يكن أحد من مستهلكي الكيف كعشبة على علم بدخول المواد الكيماوية إلى عادة كانت بعيدة مما ستعرفه أشكال تحول سوق المخدرات الخفيفة إلى مستوى تصنيع سموم ضارة بالجسد و بالعقل. كانت الدولة بكل أجهزتها تحارب هذه الظاهرة. لكن حجم الأموال المتداولة في هذه السوق أصبح كبيرا.
وكبرت معه وسائل اغتناء سريع لبعض البارونات و خصوصا في شمال المغرب. آلاف الدراهم تحولت كدخل إلى الملايين ثم الملايير. وكل هذه الأرقام انعكست على مستوى الودائع البنكية وعلى سوق العقار وزيادة أشكال الإستثمار في المطاعم والمقاهي وحتى في سوق الانتخابات. ثم ظهرت سموم بيضاء أكثر فتكا بالعقول وبالمال ولكنها عابرة للقارات.
”الغبرة” استهدفت أبناء الأغنياء وبعض أبناء الطبقات المتوسطة وحطمت مستقبل الكثير منهم. وتدفقت الأموال على بعض البارونات ومعها أشكال جديدة للإجرام المافيوزي الذي وصل أوجه إلى مستوى تدخل مجرمي أمريكا اللاتينية الذين قتلوا، عن طريق الخطأ ، طالبا في الطب بمراكش ظنا منهم أنه أحد المطلوبين للمافيا، وهو المالك لمقهى كبير بالحي الشتوي بمراكش لا زال مغلقا إلى اليوم. كشفت الاعتقالات التي تمت بسرعة مهنية إلى شبكة دولية لتبييض الأموال. قد تكون بعض العقارات الراقية شاهدة على فعل المال المرتبط بالمخدرات لا زالت تذر دخلا على بعض الاباطرة.
وتدفقت الأموال وأثرت على حجم الكتلة النقدية وسكتت آليات الرقابة على الأبناك حتى دخلنا إلى المنطقة الرمادية في مجال مقاييس مجموعة العمل المالية المعروفة بإسم ”الكافي” (بتضخيم الكاف). المشكل معروف ويكشفه حجم المال الورقي المتداول في أسواقنا والذي تجاوز 370 مليار درهم عند متم 2022. ولا أدري إن كانت منظومتنا البنكية تلتزم بدورها في مجال شفافية متابعة حسابات العملاء.
تزايدت شبكة الأموال ذات المصدر المشكوك فيه. واستطاع كثير ممن راكموا ثروات دون مسببات تتعلق بنشاط اقتصادي مشروع من الاقتراب من مجال ممارسة السياسة. لم يجدوا عقبات في طريقهم وأصبح منهم البرلماني ورئيس المجلس البلدي والإقليمي والجهوي والمتحكم في القرارات المتعلقة بالتعمير والعقار. تم غض الطرف على الاغتناء المفاجئ لكائنات لم تكن لها علاقة لا مع السوق ولا مع الإستثمار. وبسرعة تحول المشهد السياسي إلى حضانة لأصحاب المال المشبوه.
زاد حجمهم ولم ينفعهم المال في فهم السياسة ومبادىء المواطنة. أصبحوا ذوي بأس شديد و كثيري الحضور في ميدان القرار والتأثير. و تراجع أولي النهى والعقل ومحبي الوطن والذين يخافون ألله ويخافون على بلادهم وعلى فلذات أكبادهم.
هل كان قياديو الأحزاب على عدم معرفة بمصدر ثروات من طلبوا تزكيات للتقدم للانتخابات. بالطبع لا وألف لا وللنتيجة أن المناضل المؤمن بمبادئ حزبه أحس بطعم خديعة دفعت بالمؤمنين بنبل العمل السياسي إلى إعلان طلاق بينهم و بينه. وبين ماض جميل بني على الإيمان بالمبادىء والولاء التام للوطن وللمؤسسات، دخل أصحاب المال المشكوك في مصدره إلى البرلمان وإلى كافة المجالس وأصبحوا قوة تصعب مقاومتها. وهذا لا يعني أن الشرفاء لا يوجدون من ضمن من يسيرون الشأن العام بكثير من الإلتزام و الوفاء للوطن وللمواطنين.
أصبحت سوق التزكيات مربحة وبعيدة عن المراقبة النضالية. والأمر هان بعد أن عم حتى لدى يمين ويسار و وسط وكل الدكاكين ذات الأسماء الغريبة والمسماة، مجازا، أحزابا مغربية.
أصبح المواطن يتخذ من أفلام الثلاثاء والأربعاء، التي تبث من داخل البرلمان فرجة على مهازل أبطالها، في غالبيتهم غير متعلمين وذوى مستويات دنيا، لا يفقهون إلا في سبل الاغتناء السريع ومناصرة أعداء الممارسة السياسية التي تريد بناء أركان الوطن في زمن التحولات الإجتماعية والإقتصادية والبيئية والسياسية. وأصبحت فلتات اللسان، حسب تعريف فرويد، معبرة عن حالات نفسية هي التي كانت مصدر للتشريع لأكثر من عقدين من الزمن. وبعض الهؤلاء وقعوا في قبضة العدالة ولا زال بعضهم ينتظر نتائج البحث الذي تقوم به الأجهزة الأمنية المختصة تحت إشراف النيابة العامة.
هل يجهل المواطن المغربي المحب لوطنه كيف وصل أشباه سياسيين إلى ما هم عليه من جاه و غنى و”سنطيحة” في المجالس وتمكنوا، رغم ضعفهم المعرفي، من مركز قرار في التدبير المجالي والإداري. المواطن يكاد يتأكد بأن اللعبة تكاد تستفيد من تواطؤات كبرى على عدة مستويات قابلة للتواطؤ في أشكاله العابثة بمستقبل الوطن. ولكن بزوغ فجر جديد. بإرادة عليا، بدأ يبشر بتحولات قادمة. نعم يجب أن تستمر مؤسسات المجتمع المدني والسياسي في تقديم شكايات ضد كل من ظهرت ضده شبهات بالاغتناء غير المشروع رغم أنف وزير العدل الذي له رأي آخر. ولكن المغاربة ومؤسساتهم التليدة لهم الرأي السديد. لن تكون مواطنا فاعلا إذا لم تكن من أؤلئك الذين يحاربون المنكر بفعلهم أو بلسانهم أو بقلبهم وذلك أضعف الإيمان.
مؤسستنا القضائية تعطي إشارات إيجابية في يومنا لكل المواطنين مهما كانت درجتهم وثروتهم ومواقعهم. الوطن قوي بمؤسساته في هذا اليوم و دفي الغد وبعده. ولقد خاطب عاهل البلاد كافة المسؤولين عن ثروة المغاربة وقال بصريح العبارة ” أين هي الثروة ؟”. وفي هذه الأيام يتابع المغاربة بكثير من الإهتمام قضية مطروحة أمام محكمة الاستئناف بالدار البيضاء. مجموعة من المتهمين توجد رهن الاعتقال بتهم كبيرة.
وينتظر أن تتسع دائرة المتهمين خلال الأيام و الشهور المقبلة. أصبح الوطن والمواطن لا يتحمل من يسيطرون على خيراته وقراره ممن لا يخلقون ثروات ولا يدبرون سياسات ذات مردود ويتفننون في السيطرة على القرار بعنجهية وفي غياب أي قدرة على التغيير البناء. هؤلاء يعبدون الطريق لكي يجتاح كل الانتهازيين كل الميادين و يقتلون كل ما تبقى من وفاء لقيم الانتماء للوطن.
ماذا يمكن أن يتوقع المغربي الذي ينتظر الخير لوطنه ومن وطنه حين يشاهد على التلفاز من يعتبره عدوا لكل قيم هذا الوطن. لا أنكر أنني أحب أن أرى الشباب والكهول و النساء يجلسون في كراسي المؤسسة التشريعية، ولكنني أجد نفسي، كغيري من المغاربة غير راض عن مشهد بلادي، حين أرى كثيرا من المشتبه في ثرواتهم و بعض المعروفين بسلوكياتهم غير اللائقة حاضرين بقوة في مؤسسات بلادي. صنع الفساد اصناما تكاد تصبح ذوات تترفع عن مجال المحاسبة. بعضها يمضي في الهجوم على حرمة المواطن و لا يبالي. وكل ما يقوم به أبطال هذا الزمن من استيلاء على الثروات دون محاسبة يهدد ثقة المواطن في مؤسسات البلاد.
يكاد الكثير من أعداء بلادنا الذين يعيشون بيننا أن يحسبوا أنفسهم في منأى عن المحاسبة. ولكن انتظارات الوطن والمواطنين تزداد زخما و مطالبة على مستوى السياسة و المجتمع. وهذا الوضع يزيد من حدة ومن تطور العوامل الموضوعية المؤدية لانفجار الأزمات وتأجيج الصراعات. حين يصبح الفاقد للمشروعية جاثما على الصدور ومتمسكا بالقدرة على الحضور في البرلمان والمجالس المنتخبة، فأعلم أن الاستفزاز قد بلغ الأوج. كل هذا يحصل في بلادنا التي اختارت النهج الدمقراطي دون أن تتحصن ضد فعل الفاسدين. كثيرهم صرح بالممتلكات في ظرف مغلق وضع لدى المجلس الأعلى للحسابات، ولكن لا وجود للمحاسبات. وهكذا كفر المواطن بالانتخابات وبالمجالس وبالأحزاب وبالنقابات و بكل الأشكال المؤسساتية للوساطة السياسية.
يعتقد الكثيرون من المتفائلين أننا على أبواب مرحلة حاسمة في ميدان الحكامة ببلادنا. قد يكون الغد مرحلة تنزيل مبادىء المحاسبة و إعطاء مدلول فعلي للشفافية التي نص عليها الدستور. فجر المغرب الذي يريده المغاربة هو ذلك الموعد بين إرادة ملك وشعب لتنظيف الممارسة السياسية والإدارية والإقتصادية من كل العوامل السلبية التي تعبث بعلاقة المواطن بمؤسسات بلاده. نعم لفتح ملفات الفساد في إحترام تام للقانون ولحقوق الإنسان ولاستقلال القضاء. والنصر والعزة للمغرب الحر الأبي الواحد الموحد من طنجة إلى لكويرة. الذل كل الذل على من يتاجرون بإسم الوطن والثقافة والرياضة والفلاحة والتعليم والدين والأخلاق.. كل هؤلاء تجار مخدرات وصناع سوق الابتزاز الجنسي والسياسي كما كان الحال عليه في زمن الكوميسير ثابت. المهم هو حماية الوطن من كل أفعال من يعادونه. والأهم هو أن تتم محاسبتهم بالقانون وليس بعقلية تصفية حسابات أو بغريزة الإنتقام. ولكن الوطن، في هذا الزمن الصعب، ماض إلى مستقر ثابت ومستجيب لإنتظارات المواطنين.