الأربعاء 27 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

عبد الرفيع حمضي: الجالية.. لعبة الأرقام

عبد الرفيع حمضي: الجالية.. لعبة الأرقام عبد الرفيع حمضي
كنت دائما أعتقد أن هناك صعوبة موضوعية لحصرعدد أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج وذلك للأسباب التالية على الأقل:
1 - أن عدد المسجلين بالقنصليات المغربية هو جد محدود مقارنة مع واقع الحال .
2 - المغربي المقيم بالخارج لا يسجل نفسه وأسرته بديهيا بالقنصلية بمجرد التحاقه ببلد الإقامة كما هو مرغوب فيه. فهو لا يقوم بذالك إلا إذا كان في حاجة إلى وثيقة إدارية ولعل هذا الفتور في العلاقة له ما يبرره ثقافيا. مع الإشارة أن المجهود الذي تم القيام به بالقنصليات يستحق التنويه به، لا على مستوى البنايات،ولا على مستوى الاستقبال أو المساطر المعتمدة .
3 - أن القنصليات لازالت لا تغطي كل المناطق التي تتواجد بها الجالية المغربية المقيمة بالخارج، وبالتالي يتطلب الانتقال من منطقة العمل أو الدراسة إلى مقر القنصلية العامة  أو مصلحة قنصلية  بالسفارة، إلى الكثير من التفكير لتدبير الوقت وفي بعض الأحيان الكثير من  الإمكانيات. 
4 - أن عدد المسجلين بمكاتب الهجرة بدول الاستقبال لا يشمل إلا الذين هم في وضعية نظامية، في حين أن الذين في وضعية غير نظامية وما أكثرهم ، لا يستطيعون الاقتراب من مكاتب الهجرة خوفا من شحنهم في أول طائرة ليلية .
كما أن هذه المكاتب بكل الدول تسقط من الإحصاء كل من اكتسب جنسية بلد الإقامة، لكونه أصبح مواطنا لذلك البلد، وما أكثرهم كذلك،  خاصة بعدما تم رفع المانع  النفسي والثقافي الذي كان يكبل الجيل الأول  للهجرة من اجل التجنيس في حين تحرر منه بشكل مطلق الجيل الثاني  والثالث. بل الأدهى من ذالك  فقد برز نوع جديد من الهجرة  يشمل  الأثرياء حتى لا أقول رجال الأعمال من جهة والأطر العليا من جهة أخرى، ومن بين غايات هذا النوع من الحركية  هو الحصول على الباسبور الأحم  وما أدراك ما الباسبور الأحمر أو الأزرق …لأن الأخضر "حدو طنجة" .
ويمكن أن نطلق عليها بدون تردد "هجرة الباسبور الأحمر "

 
ولهذا فلا يمكن اعتماد أي رقم حتى ذلك الذي تعلن عنه الوزارة المعنية لكونها هي نفسها ليست قطعية، وهي تعلن عن رقم معين  فهو يتغير بتغير المنبر والمناسبة وظروف التصريح. وشخصيا استمعت في اجتماعات اللجنة الوزارية الخاصة بالهجرة وشؤون الجالية المغربية إلى رقم وفي البرلمان بمناسبة تقديم الميزانية إلى رقم آخر وعند تقديم تقرير المغرب أمام لجنة الأمم المتحدة المعنية بحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأسرهم عند تقديم التقرير الثاني للمغرب بجنيف رقم جديد .
وهكذا فأقل رقم ذكر هو ثلاثة ملايين ونصف، وأكبره هو ستة ملايين ونيف .أي ما بين 10%و20% من الساكنة على قاعدة آخر إحصاء عام للسكان لسنة  2014  قامت به المندوبية السامية للتخطيط.

قد يتساءل البعض وماذا بعد؟ وماذا سيغير من الواقع هذا الرقم أو ذاك.؟
أكيد أن ضبط الأرقام ليس هدفا في حد ذاته ولكنه الممر الطبيعي والوحيد لكل سياسة عمومية جادة ومسؤولة .
رئيس الحكومة في برنامجه الانتخابي تحدث عن الجالية باعتبارها الجهة 13 وهي فكرة جيدة، لكن ما هي المعطيات الرقمية لهذه الجهة؟ لقد صدق من قال "إن ما لا يمكن قياسه لا يمكن تدبيره"، ولعله لهذا السبب بالذات فهذا القطاع لم يعرف أي استقرار مؤسساتي  منذ زمان .

 
فمن وزير قائم الذات  أيام رفيق الحداوي، إلى نائب كاتب الدولة مع الوردي، إلى وزيرة منتدبة بوزارة الخارجية والتعاون لاحقا أيام نزهة الشقروني، إلى محمد عامر وعبد اللطيف معزوز منتدبين لدى رئيس الحكومة،فوزير كامل مع أنيس بيرو مع إضافة الهجرة. فالعودة إلى منتدب لدى وزارة الخارجية  مع كل من بنعتيق والوافي وبعدهما الفراغ .
 
وتعليقا على هذه الفسيفساء يصنف صديق عزيز لي ومتابع جيد لهذا القطاع، أن هؤلاء المسؤولين كان منهم le missionnaire أي الوزير السياسي الذي له رؤية استراتيجية وينجز مهمة محددة الأهداف. ومنهم le fonctionnaire الذي كان موظفا بدرجة وزير يجول هنا وهناك بالطائرة ويرحب بالجالية عند العودة  بالميناء .
ومنهم le démissionnaire وهذه العينة دخلت إلى هذا المجال عن طريق الغلط ولم يتم تداركه حتى انتهت الولاية .

 
وكما هي القاعدة ببلادنا فليس هناك لا امتحان إداري ولا تقييم سياسي عند نهاية الولاية . مادام أن تقلد المناصب السياسية  تتم  ‏par convocation et pas par vocation 
 
إن المعروف في علم الإحصاء إن الرقم المجرد والمعزول عن بنيته لا يعتبر مؤشراً. فلابد للرقم أن يكون مسنودا، فعندما نقول أن عدد افرد الجالية الذين زاروا المغرب هذه السنة هو ثلاثة ملايين، فدلالته تتغير إن كان عدد المقيمين بالخارج هو 3,5 ملايين أو سبعة ملايين. وعندما نعلم أن هناك حوالي 60 قنصلية مغربية في الخارج، فمن يستطيع أن يقول هل هي كافية أم لا في غياب رقم مرجعي .
 
أعتقد أنه آن الأوان للخروج  من المنطقة الرمادية، فالإدارة المغربية  لها من الخبرة والدراية الكافية لقراءة كل المتغيرات في هذه المعادلة للخروج برقم يصور الواقع كما هو، آو على الأقل قريب منه ،مع تخويل المندوبية السامية للتخطيط وحدها ضبط الأرقام واحتكار الإعلان عنها.
 
أعلم أن الأمر ليس بهذه البساطة ،كما أعتقد أني أعلم بعض ما يخفي هذا الأمر، لكني أفضل أن أكون بطيء الفهم على أن أكون  سيء الظن.