الأربعاء 27 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: أيديولوجية اليمين المتطرف تنتصر بفرنسا

يوسف لهلالي: أيديولوجية اليمين المتطرف تنتصر بفرنسا يوسف لهلالي
يبدو ان الطبقة السياسية في فرنسا سقطت في فخ اليمين المتطرف وايديولوجيته وأصبح الجميع في الأغلبية واليمين الجمهوري يتسابق لتطبيق أفكاره وترضية ناخبيه، اشغال اللجنة التي انتهت مساء يوم الاثنين، وهي لجنة مشتركة بين الغرفتين من أجل انقاذ مشروع القانون حول الهجرة منذ الاثنين الماضي في لجنة تضم 14 عضوا من المجلسين: سبعة نواب من الغرفة الأولى وسبعة أعضاء من مجلس الشيوخ. افرجت عن مشروع متشدد يشكل تراجعا في حقوق المهاجرين لم تشهده فرنسا منذ 40 سنة الأخيرة كما تقول المعارضة. هذا القانون اعتبرته زعيمة اليمين المتطرف انتصارا أيديولوجيا لتيارها السياسي"، وقالت أخيرا" أصبحت الطبقة السياسية تتجاوب مع مطالبها". وقررت التصويت لصالح قانون الأغلبية حول الهجرة.
هذا التراجع جعل زعيم المعارضة اليسارية جون ليك ميلونشون يعتبر ان هذا المشروع يشوه وجه فرنسا"، بل ان البرلمانية اندري اوطاريا من نفس الحزب اعتبرت ان هذا القانون "المقترح عنصري"، اما ممثل الحزب الشيوعي اندري شاصان فاعتبر ان هذا القانون هو قانون "العار".
هذا المشروع الجديد يعد انتصارا لليميين المتطرف الفرنسي حيث ان نص القانون او مشروع القانون هو متشدد وكان بمثابة تجاوب مع مطالب اليمين الجمهوري ومع زعيمه أريك سيوتي الذي يقتسم عددا كبيرا من الأفكار مع اليمين المتطرف بفرنسا.
هذا القانون اثار ليس فقط غضب المعارضة اليسارية بل جزء من الأغلبية الرئاسية حيث هدد 6 وزراء بالاستقالة في حالة التصويت على هذا القانون.
اليمين المتطرف الفرنسي بزعامة مارين لوبين يشعر بالغبن جراء الاستحواذ على أفكاره من طرف جزء من الأغلبية الرئاسية وكذلك من طرف اليمين الجمهوري، كل مطالبه تم التجاوب معها في مشروع القانون الجديد للهجرة الذي أصبح الاكثر تشددا في تاريخ الجمهورية الخامسة. وتم تبني اغلب مطالب حزب مارين لوبين حول عدم اصدار قانون لتسوية وضعية المهاجرين بدون إقامة في المهن المطلوبة، وتسريع وثيرة الطرد، وسحب المساعدة الطبية لدولة عن المهاجرين بدون إقامة، وعدم السماح بالحصول على المساعدات للأجانب في وضعية قانونية الا بعد 5 سنوات منى الإقامة. وفرض ضمانة على الطلبة المغاربة بمبلغ سبعة الاف يورو وهي كلها قوانين تمس بحقوق الأجانب وتتعارض مع الدستور الفرنسي الذي يقر بالمساوات بين مختلف المقيمين بفرنسا بدون تمييز.
طبعا اليمين المتطرف الذي يطمح للوصول الى الحكم في الانتخابات المقبلة، يشعر ان الطبقة السياسية الفرنسية الحاكمة وحتى في المعارضة تستولي على أفكاره ومشاريعه وتعمل على التصويت عليها حتى قبل وصوله الى سدة الحكم. بمعنى سيطبق جزء من برنامجه السياسي حتى قبل وصوله الى الحكم.
هذا التحول في المشهد السياسي الفرنسي تم بفضل الاستراتيجية التي نهجها وزير الداخلية جيرار درمنان مند 18 شهرا، واراد استعمال هذا القانون لتقسيم واستمالة اليمين واليمين المتطرف من خلال استعمال سياسة العصا والجزرة خاصة مع نواب الحزب الجمهوري وهي المقاربة التي نجحت مع الغرفة الثانية. لكن "انقلب السحر على الساحر" كما تقول الحكمة الشعبية، وأصبح هو من يخضع لهذا التيار السياسي من اجل تمرير قانون الهجرة الجديد. وهو ما تعكسه المفاوضات الشائكة التي تتم مند يوم الاثنين.
هذه المفاوضات التي تشرف عليها رئيسة الحكومة اليزابيت بورن وذلك بطلب من رئيس مجموعة الجمهوريين ايرك سيوتي الذي يسعى من خلال هذا السلوك الى اضعاف غريمه جيرار درمنان وحتى التخلص منه سياسيا، وفي هذا الإطار تم عرض المشروع على لجنة مشتركة بين الغرفتين من اجل انقاذ مشروع القانون حول الهجرة منذ الاثنين الماضي في لجنة تضم 14 عضوا من المجلسين: سبعة نواب من الغرفة الأولى وسبعة أعضاء من مجلس الشيوخ.
هذه اللجنة قررت تشديد هذا القانون حول الهجرة، والخضوع الى مطالب اليمين المتشدد وهو الامر الذي يمكن ان يثير حفيظة بعض نواب النهضة أي يسار الأغلبية الرئاسية ويهدد بإسقاط هذا القانون بعد عودته امام مجلس النواب.
الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أعلن ان حكومته لن تلجأ الى بند 49.3 كما فعلت مع قانون التقاعد خوفا من الانعكاسات السياسية لهذا الاختيار الذي سوف يفتح الأبواب لنجاح اليمين المتطرف في الانتخابات المقبلة. وطالب النواب " بتسوية ذكية" من اجل تمرير قانون الهجرة.لكن حاليا بعد تهديد 6 وزراء من حكومته بالاستقالة يجد نفسه في وضعية سياسية صعبة وأزمة سياسية حقيقية.
هذه الازمة السياسية التي تسبب فيها مشروع قانون الهجرة بدأت يوم 11 ديسمبر بعد تبني البرلمان لاقتراح الرفض والذي نتج عنه رفض مناقشة هذا القانون داخل الجمعية العامة. وهو امر لا أحد كان يتوقعه، خاصة التحالف الغير الطبيعي سياسيا والذي تم بين اليسار بمختلف اطيافه وبين اليمين واليمين المتطرف من اجل اسقاط هذا المشروع وذلك لأسباب مختلفة حسب الانتماء السياسي. اليسار المكون من الخضر، وفرنسا الابية والاشتراكيين والشيوعيين أسقط هذا القانون بعد ان اعتبره غير عادل تجاه المهاجرين ويزيد من التضييق على الأجانب المقيمين بفرنسا، في حين ان اليمين واليمين المتطرف أسقط هذا القانون واعتبره ليس صارما بما يكفي ويمكن بعض العمال بدون إقامة من تسوية وضعيتهم. وهنا تكمن الطامة الكبرى وهذه التحالفات الغير الطبيعية التي أصبحت تمس المشهد السياسي الفرنسي، وكيف يصبح هذا المشهد غير عقلاني عندما يتعلق الامر بالهجرة يقول بونوا حامو أحد الوزراء السابقين في الحكومة الاشتراكية. "فكل ما يتعلق بالهجرة يثير العاطفة والردود العاطفية بالمجتمع الفرنسي وهي ظاهرة لم تعد تقتصر على فرنسا بل تشمل كل البلدان الاوربية". وهو ما يعكسه تصاعد اليمين المتطرف ووصوله الى الحكم بالعديد من البلدان الاوربية.
القانون الذي تأجل سنتين تقريبا يحرم بعض المقاولات الفرنسية التي تطالب بتسوية وضعية العمال الذين ليست لهم إقامة من اجل الحد من الخصاص في عدد كبير من القطاعات سواء البناء والاشغال العمومية، قطاع السياحة والفندقة والمقاهي والمطاعم. وهو خصاص يصل الى عدة مئات من الالاف، في الوقت التي يوجد بفرنسا حوالي 700 ألف مهاجر بدون إقامة قانونية حسب الدوائر الرسمية. لكن الجدل السياسي واستعمال الهجرة في هذا الجدل لن يسهل عمل المقاولات وهو ما تترتب عنه مضاعفات على المستوى الاقتصادي وكذا على المستوى الاجتماعي حيث ان عددا كبيرا من المهاجرون يقطنون فرنسا لسنوات طويلة دون الحصول على الإقامة وعلى حقوقهم الاجتماعية. او ان فرنسا سوف تنهج سياسة جورجيا ميلوني، زعيمة اليمين المتطرف الإيطالي ورئيسة الوزراء، التي تردد خطابا معاديا للهجرة وتسوي وضعية المهاجرين بدون إقامة) تمت تسوية 123 ألف حالة سنة 2023) لحاجة اقتصاد بلادها لهم. فهل يأخذ الفرنسيون بسياسة الواقعية والتي تنهجها حكومة التي يتزعمها اليمين المتطرف بإيطاليا.