هدية السيد الغنوشي إلى المرأة التونسية في 13 غشت تمثّلت في دعوة الرجال إلى الزواج من المطلّقات والعوانس. وتساءلت: في أيّ سياق أضع هذا التصريح؟ هل آخذه مأخذ الجدّ فأعرضه على التحليل والتمحيص بحثا عن تطوّر في مقالة الغنوشي؟
أم أعتبره شطحة صوفية أملاها ظرف احتفالي؟ لكن، كيف يُقبل مثل هذا السلوك من زعيم حزب يرى نفسه الأقوى والكاسح في بلاد عدد نسائها يساوي عدد رجالها ، لأنّ الطبيعة أنصفت المرأة من حيث أرادوا إهانتها.
عفوا يا سادتي، لا أستطيع أن أترك هذه الحادثة تمرّ من غير تعليق، لأنّ الظرف الذي نعيش بصفة خاصّة يقتضي منّا أن نحاسب كلّ شخص على مواقفه، وأن نحدّد المسؤوليات. فنحن على أبواب حملة انتخابية، والرجل واع بما يقول ومدرك أنّ كلّ إشارة يجب أن تذهب مباشرة إلى مقصدها: سألت نفسي، وهل تجدين فرقا بين أن تبيع داعش 700 امرأة يزيدية وأن ينزل الغنوشي بنساء تونس المطلّقات والعوانس إلى سوق «الدلالة»؟ ألا نحمل مثل هذه التصريحات محمل العنف المسلّط على المرأة؟ خاصّة وأنّ مجلسنا الموقّر بصدد النظر في قوانين تحمي المرأة من العنف. من أيّ باب تسلّل الغنوشي حتى يعطي لنفسه شرعية الحديث باسم المرأة؟ هل أخبروك يا سي الغنوشي أنّ المرأة التونسية ليست الشرقية المتردّدة؟ هل أعلموك أنّ التونسية صارت منذ ما يزيد عن نصف قرن مكلّفة بالمعنى الفقهي؟
هل أخبروك أنّ المرأة في بلادي هي أيضا ولية على الرّجل؟ تشتغل وتأتي بالقوت لتعوله أبا كان أو أخا أو زوجا، هل شاهدت مرّة واحدة المرأة التونسية وهي في الحقل تأمر ذاك الرجل الذي تتودّد إليه لتقوّم أخطاءه؟ هل نظرت مرّة واحدة إلى المرأة التونسية بعقلك لا بغريزتك وهي تناقشك وتفحمك؟
فيق يا سي الغنوشي، فقد ذهب عهد الوَلاية، ولن يعود، وأنت سيد العارفين أنّها لن الزمخشرية. أتدري لماذا لأنّ المرأة التونسية أُشربت بإنسانيتها، وصارت حيّة بالفطرة، وتركتك أنت ومن وافقك من أهل ملّتك تعيش في أضغاث أحقاب ليس لها من حياة سوى في ذاكرتكم، المرأة التونسية هي امرأة القرن الواحد والعشرين. فيق، فما زلت تعيش زمنا يعتبر أنّ السلطان هو وليّ من لا وليّ لها، وتنصّب نفسك، دونما حرج، سلطانا عليها. وقد ذهب في ظنّك «أنّ البلاد خلات فأقمت فيها الآذان». لقد أكّدت بتصريحك أنّ الداء الأصلي الذي يعوق المرأة التونسية هو مواقفك التي تفرضها على الإرادة السياسية في البلاد ولم لا على سياسة الحكومة.
نقطة أخرى استوقفتني في هذا التصريح: تحدّثت عن المطلّقات والعوانس فما هو مصير «الهجاجل» أي الأرامل؟ آه نسيت فأنت تنضوي إلى المسلّمات العرفية التي أكل عليها الزمن ولم يشرب بعد، مسلّمات لا تشجّع الرجال على الزواج من التي يتوفى عنها زوجها، والسبب يرجع في «أنّها تبقى تحنّ إلى زوجها الأوّل ولا تستطيع نسيانه»، إذن، ما هو رأيك لو أحييت العادة الهندية القديمة التي تدفن المرأة حية مع زوجها المتوفّى في بئر؟ واعتبارها ملكا له يخرج عن قسمة التركة؟
نقطة أخيرة لا أفوّتها: هل تدرج هذا الموقف في نطاق حملة انتخابية؟ تشتري ودّ المطلّقات والعوانس؟ إذن يمكن أن تكرّس حلولا ابتدعها أهل ملّتك في الدعوة إلى تعدد الزوجات والزواج العرفي والمسيار وزواج المتعة... وذلك حتى تضمن «إحصانهنّ» جميعا، لأنّك مثل أتباعك لا أحد يتصوّر المرأة بتاتا حرّة طليقة لا يحكمها وليّ، وقد شبّهها القدامى «بالدابة السائبة».
انزع عنك هذه العقلية التي تقول إنّ نسبة العنوسة هي الأقوى في بلادنا وكذلك نسبة الطلاق، لأنّ السعودية، مثلا، وهي التي تطبّق تعدد الزوجات والزواج العرفي... تعاني من العنوسة والطلاق أضعاف ما نعيشه، تخلّص من المسلّمة القائلة بأنّ الرجال لا يعانون من العنوسة أيضا ومن نسب المطلّقين، واترك المجتمع بنسائه ورجاله يعيش أوضاعه الراهنة بحسب ما تمليه أوضاعه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ولا يغرّنّك انتصارك في الانتخابات، فقد توفّق مرّة أو مرّتين... لكن، حذار، لن تستطيع البتّة أن تنتصر على التاريخ وأن تحوّل حركته وتدفعه إلى الوراء.
فأولوياتنا يا سي الغنوشي ليست في الجري وراء اللذة الجنسية بقدر ما نحن نجهد أنفسنا في سبيل العيش الكريم. ارفعوا أعينكم إلى رؤوسنا وعقولنا تسلمُوا، ولتكن لكم القدرة على تجاوز المسافة بين السرّة والركبتين.
(عن "يومية المغرب" التونسية، وباتفاق مع الكاتبة)