إن نشر كتاب أبيض حول الصحراء المغربية في 50 صفحة يشكل تحديا. هذا هو التمرين الذي قام به المعهد الملكي للدراسات الإستراتيجية. وقد نجح فعلا في هذا الرهان. يتتبع هذا الكتاب الأبيض جذور النزاع المتعلق بالصحراء المغربية، ويذكِّر بأسس سيادة المغرب على هذه المنطقة (التي تعتبر جزء من أقاليمه الجنوبية)، ويعرض الوضعية الراهنة للسكان الذين يعيشون هناك، ويسلط الضوء على التقدم المحرز في مجال التنمية. وذلك بفضل الجهود التي يبذلها المغرب والتي تتناقض بشكل كبير مع الظروف المعيشية المأساوية بمخيمات تندوف الواقعة تحت مسؤولية الجزائر. تم تطوير الوثيقة بأسلوب بسيط، حيث تنتقل مباشرة إلى صلب الموضوع دون أي انعطافات غير ضرورية قد تؤدي إلى فقدان القارئ للخيط الناظم والهدف المنشود. ولا يتم تقديم إيضاحات تاريخية إلا لتسليط الضوء على الوضع الحالي.
وكما نعلم، فإن استعمار المغرب تم بطريقة تدريجية وخاصة من خلال “تمزيق” أراضيه وتقسيمها بين القوتين الاستعماريتين: فرنسا وإسبانيا. يعود الكتاب الأبيض إلى جذور الاستعمار، وبالتحديد إلى نهاية حروب الاسترداد سنة 1492. حيث غزت إسبانيا مناطق استراتيجية من أجل مراقبة البحر الأبيض المتوسط ومنع عودة المسلمين إلى شبه الجزيرة الإيبيرية: مليلية في سنة 1497، وجزيرة بادس ما بين 1508 و1522 وفي سنة 1564، سبتة في 1580، جزر الحسيمة في سنة 1673، إفني ما بين 1476 و1524 وفي سنة 1860، وأخيرا الجزر الجعفرية في سنة 1844. ثم صار استمرار حروب الاسترداد استعمارا منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
في نهاية القرن التاسع عشر، امتد المغرب، الذي كان يشار إليه أحيانا باسم الإمبراطورية الشريفة، إلى الرأس الأبيض، جنوب مدينة الكويرة، التي تشمل أيضا الصحراء الشرقية. هذه المنطقة الغنية بالمحروقات، انتزعتها فرنسا من المغرب وضمتها إلى “الجزائر الفرنسية”. ثم "ورثتها" الجزائر المستقلة رغم تشبث سكان هذه المنطقة بمغربيتهم وإعلانهم ذلك.
بعد استعادة استقلاله جزئيا سنة 1956 ثم استرجاع منطقة سيدي إفني، لم يتوقف المغرب أبدا عن المطالبة بمغربية أراضيه المنهوبة. وتوجت هذه الجهود بالنداء الذي وجهته الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى محكمة العدل الدولية لطلب رأيها. وهو ما تم بالفعل في 16 أكتوبر 1975، حيث أصدرت المحكمة رأيها الاستشاري الذي أقرت فيه أن قبائل "الصحراء الغربية" مرتبطة بسلاطين المغرب بروابط ولاء قانونية (البيعة).
واعتبرت المملكة بعد ذلك أن لها الحق في استعادة صحرائها، بتنظيم المسيرة الخضراء السلمية في 6 نونبر 1975. وأبرمت مع إسبانيا وموريتانيا، في 14 نونبر، اتفاق مدريد (إعلان المبادئ حول "الصحراء الغربية") الذي حدد شروط انسحاب إسبانيا وتقسيم الإقليم بين البلدين المغاربيين. وتم تسجيل الإعلان في 9 دجنبر 1975 ونشر في سلسلة معاهدات الأمم المتحدة.
إن الأقاليم الجنوبية مندمجة تماما مع بقية البلاد إلى حد، كما يخبرنا التقرير، أنه من المستحيل التمييز بين سكان الصحراء وبقية سكان المغرب، باستثناء استخدام اللغة الحسانية .
ويستعرض الكتاب الأبيض أبرز محطات تطور قضيتنا الوطنية. ومن ضمنها إعلان الملك الراحل الحسن الثاني في نيروبي سنة 1981 عن تنظيم استفتاء لتقرير المصير. وقد تم إحباط هذه المبادرة من خلال مناورات دبرها النظام الجزائري من خلال مطالبة المغرب بالدخول في مفاوضات مباشرة مع جبهة البوليساريو من أجل استقلال الصحراء. وفي سنة 1991، شهدنا إحداث بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في “الصحراء الغربية” (بعثة المينورسو)، والتي يوجد مقرها في مدينة العيون.
وبعد فشل الاستفتاء، بدأ المغرب يفكر في سبل إعادة إطلاق عملية التسوية السياسية للنزاع. إذ قام بإعداد مبادرة الحكم الذاتي وقدم خطته إلى الأمم المتحدة في سنة 2007. وقد لقيت هذه الأخيرة استحسان المجتمع الدولي، واعتبرها ذات مصداقية والحل السياسي الوحيد الموثوق به. ويحظى بدعم العديد من الدول حول العالم. فبالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي اعترفت بمغربية الصحراء في 20 دجنبر 2020، أبدت العديد من الدول الأوروبية دعمها لمبادرة الحكم الذاتي الموسع. وتشمل هذه الدول على وجه الخصوص، كلا من ألمانيا وبلجيكا وإسبانيا وفرنسا والمجر وهولندا والبرتغال ورومانيا وصربيا... وقد افتتحت حوالي 30 دولة تمثيلية دبلوماسية لها في الداخلة أو العيون.
وفي غضون ذلك، شهدت المنطقة تحولات كبيرة في أعقاب الاستثمارات الهائلة التي استُثمرت فيها: 120 مليار درهم بين 1975 و2013 خصصت أساسا لتطوير البنية التحتية الأساسية. وإطلاق نموذج تنموي جديد سنة 2013 بقيمة 77 مليار درهم خصص للمشاريع المهيكلة. إن النتائج واضحة وقابلة للقياس ومرئية للعين المجردة.
وعلى العكس من ذلك، يعيش السكان المحتجزون في مخيمات تندوف في ظروف لا إنسانية ويتعرضون لانتهاكات متعددة تصل إلى حد العبودية التي نددت بها المنظمات الدولية لحقوق الإنسان. ويصف الكتاب الأبيض، المستند إلى شهادات موثوقة من الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، بالتفصيل الوضع السائد في هذه المعسكرات والبؤس الذي يعيش فيه هؤلاء السكان، والبؤس الذي تفاقم بسبب تحويل المساعدات الدولية لفائدة ما يسمى بحركة التحرير، التي تحول أعضاؤها إلى امتهان التهريب. علاوة على ذلك، فإن هذه المجموعة الصغيرة التي لم تكن يوما ممثلة شرعية للسكان الصحراويين، أصبحت عاملا مساعدا في زعزعة استقرار منطقة الساحل والصحراء. إذ أن صلاتها المؤكدة بتنظيم داعش والجماعات الإرهابية الأخرى لا تخفى على أحد.
وبطبيعة الحال، خلْف جبهة البوليساريو، هناك الجزائر التي هي صاحبة مصلحة في الصراع كما ذكَّرنا مؤخرا تقرير الأمين العام للأمم المتحدة. والجزائر هي التي تحتضن هذه الحركة وتمولها وتشرف عليها وتوجهها بهدف إضعاف جارتها المغرب. بالإضافة إلى ذلك، فهي منخرطة بشكل مباشر في هيئات الأمم المتحدة لإحباط الحقوق المشروعة للمغرب ومقترحاته بخصوص الحكم الذاتي الموسع لإغلاق هذا النزاع بشكل نهائي، وتعزيز التكامل الإقليمي في إطار المغرب الكبير.
وفي انتظار أن يعود جيراننا الشرقيون إلى رشدهم ويدركوا أن حقبة الحرب الباردة قد انتهت وأن العالم تغير على حسابهم، يواصل المغرب مسيرته السلمية ويعزز كذلك موقعه في أقاليمه الصحراوية المسترجعة. إنه خيار لا رجعة فيه!
لا شك أن وثيقة المعهد الملكي للدراسات الإستراتيجية، التي يجري حاليا نشرها بعدة لغات، بما في ذلك اللغة الأمازيغية، ستكون ذات فائدة كبيرة للسلك الدبلوماسي والبرلمانيين ومجموعات الصداقة، ولجميع المغاربة الذين يحتاجون إلى معلومات دقيقة وموثقة تساعدهم على الدفاع بشكل أفضل عن قضية وحدتنا الترابية. وعلى هذا النحو، فإن الكتاب الأبيض الذي يعد "دليلًا" حقيقيًا يستحق التحديث بانتظام ولماذا لا يتم تدريسه في المدارس.
ترجمه للعربية: عبد العزيز بودرة