إن إبراز أهمية الحقل الثقافي ودوره الحيوي لا يعني إغفال ضرورةِ إعادة بناء الحقل السياسي الوطني على أسس تمثيلية وديمقراطية جديدة. وعلينا أن نتعلم من النقائص والقصور التي شابت الحقل السياسي المغربي وأن نتجاوزها ونتوقف عن إضاعة الجهد والوقت والموارد في ترميم حقل سياسي تفكك واندثر. وعلينا كذلك أن نتخلى عن مفاهيم وممارسات دحضتها التجربة الوطنية، من قبيل المركزية المفرطة، إذ يجب أن تكون السياسة من شأن جموع الناس.
وعلينا أن نحمي ثقافتنا الوطنية من المفاهيم والمقاربات التي تستعبد العقل، وتشل التفكير والإرادة، وتربي التزمت، وتقدس الجهل، وتعلي شأن الخرافة والأسطورة. وينبغي لنا أن نتشبث بقيم التحرر الوطني، السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وبقيم الحرية والمساواة والعدالة.
نحن بحاجة إلى فهم جديد للعمل السياسي مغايرٍ تمامًا لما هو سائد. ويمكن لمح مؤشرات أولية عن الفهم الجديد المطلوب في ثنايا اللغة الآخذة في التبلور بين القوى الشبابية وفي العلاقة بين مغاربة العالم داخل المنظومة. وهي لغة تشير إلى تعمق الوعي بتنزيل لفصول الدستور..
في صلب الوعي السياسي الناشئ تكمن ضرورة مشاركة مغاربة العالم، كحقٍ وواجب، في مناقشة السياسات الوطنية وصياغتها وإقرارها للكل.. ومن الضرورة بمكان أيضًا أن ندرك حقَّ كل تجمع منفرد في تقرير إستراتيجيته إزاء القضايا الخاصة به، وفي المشاركة في تقرير مصير مجمل الشعب المغربي.
قد يرى البعض في هذا ضربًا من اليوتوبيا والمثالية، ولكننا أحوج ما نكون لها أمام الفوضى المجنونة والفئوية المفرطة في قصر نظرها ونحن نملك تاريخًا عريقًا في العمل السياسي والإبداع الثقافي بوسعنا أن ننهل منه وتنهل منه الأجيال الصاعدة.
إنّ ماضي كل أمة هو جزء مهمٌّ في تشكيل حاضرها ومستقبلها، ويكمُن الاهتمام بالماضي في رعاية الموروث التاريخي وبطولات المقاومين والمحافظة عليه.
إنه مكون أساسي من مكونات الهوية الوطنية والشخصية المغربية عبر أحقاب طويلة من الزمن وإيصالها للأجيال الجديدة من خلال تنظيم ندوات ولقاءات وإعطائها مكانة بارزة وليس من خلال تنظيم حفلات غنائية راقصة كلما كانت مناسبة وطنية لا فهذه الحفلات الراقصة لن تساهم في بناء شخصية الإنسان المغربي بل في تمسيخه وتجهيله.
هذه الندوات الهادفة حول تاريخ المغرب ستذكره بمبادئ الإنسان المغربي بغرض زرع حب الموروث الثقافي والتاريخي في أجيال اليوم والغد.
إذهبوا مرة واحدة الى مقابر الشهداء ستجدون أبناء المغرب قد سقطوا دفاعا عن وطنهم متيممين بتراب وطنهم المغربي وهناك من سقط في عدد من دول العالم دفاعا على حريتهم من النازية والفاشية.
يسعى المسؤولون إلى إغراق المواطن بكل ما يلهيه، وكل ما يشتت تركيز الناس ويمنعهم من التفكير بواقعهم، فيتحول الوطن إلى مناسبات لا تنتهي، ومهرجانات غنائية. وتمنح الامتيازات للجهلة والسفهاء الذين يتصدرون المشهد الإعلامي سياسياً وثقافياً واجتماعياً، وعلى الأصعدة الأخرى المتعددة، بينما صوت المثقفين والعلماء يتم طمسه.