بعد حلول شهرين من دخول المرسوم الجديد المنظم للصفقات العمومية اختلفت الآراء بين من يراه مثاليا و يجسد الرغبة الجامحة للدفاع عن المقاولة الصغرى والمتوسطة وتنزيلا للنموذج التمنوي الجديد و بين من يراه أكثر تعقيدا وأقل نجاعة.
بين هذين التيارين سنسعى جاهدين الى محاولة حصر نقاط القوة والضعف مع التأكيد أن مدة تنزيله هي عمليا جد وجيزة ولا يمكن إعتبار هذه المحاولة تقييما شاملا، لكن وبالمقابل فيمكن القول أن هذه القراءة تسعى لتدارك بعض الهفوات التي تم رصدها أو في أحسن الأحوال دعوة الى رفع اللبس في بعض النقاط المحددة.
سندات الطلب:
أكدت المادة 91 كون إيداع البيانات التنافسية يتم ورقيا و أضافت أنه يمكن، على سبيل الجواز لا الالزام، إيداعها الكترونيا في حين أن قرار وزيرة الاقتصاد والمالية قد ألغى ضمنيا الطريقة الورقية من نظام المعلوميات المرتبط ببوابة الصفقات العمومية.
إن إعتماد نظام معلوماتي لتلقي وترتيب العروض المالية هو أمر جيد جدا، لكن ما يعاب عليه كونه لا يتعامل مع الايداع الورقي للعروض ولا يؤطر ضوابط ساعات العمل القانونية مما يجعله سهل التلاعب عند البعض.
إن حصر التنافس بين خمسة عروض لا يستند الى أي منطق سليم و يصعب فهمه.
إن إعتماد الاقل ثمنا في سندات الطلب هو أمر غير عملي خاصة في غياب ضمانات حول جدية العروض المقدمة وهنا نتسائل لماذا لم يتم إعتماد نفس المبدأ " أي العرض الأحسن مقارنة مع الثمن المرجعي".
كما أن لفظ الضمانات المنصوص عليه في المادة 91 يبقى مبهما وغير واضح، فهل يمكن الجزم بأنها مالية أو أخرى قد تبقى صورية ؟!.
فكممارسة عملية أصبحت الادارات لا ترى حرجا في إعلان مسطرة تفويت سندات الطلب دون جدوى وذالك لغياب آلية موضوعية للإقصاء باستثناء العرض الاقل ثمنا ثم لعدم إلزام الإدارة باستكمال المسطرة.
لا يمكن للبوابة أن تقوم مقام صاحب المشروع فالمادة 91 من المرسوم جعلت مهام حصرية لصاحب المشروع و لم تلزم الإدارة بتشكيل لجنة مختصة لفتح الاظرفة في حين أن قرار وزيرة الاقتصاد والمالية جعله حصرا للبوابة.
غياب تحديد و وصف لجان افتحاص العروض المقدمة و حدود صلاحيتها.
غياب أية إشارة حول الآجال الممنوحة للإدارة لفتح الأظرفة وحصر حالات الاقصاء ومدة صلاحية العروض المقدمة.
خلاصة الكلام في هذا الاطار أن المشرع و لئن كان يسعى الى تبسيط المساطر والإجراءات الإدارية المتعلقة بسندات الطلب إلا أنه ضمنيا يتجه نحو تكريس مفهوم حالة الاستعجال في سندات الطلب وهو ما يخالف روح التشريع المنظم للطلبيات العمومية وكذا آراء اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية ذات الصلة. فالفرق بين التيسير والاستعجال يتجلى في تخفيف عبء المقاول والإدارة عند التنافس لا اختصار واختزال المدد وإن بشكل غير واقعي.
من أروع ما ابتدعه المشرع مفهوم طلب العروض المفتوح المبسط بل ويمكن الجزم أنه سيكون البديل الوحيد عن الشكل القديم لسندات الطلب مع ضمان الجودة و الفعالية ، لكن و بالمقابل نتسائل:
ما مدى أهمية نشر الإعلان في جريدة وطنية في ظل وجود بوابة الصفقات العمومية والتي يمكن لنا أن نفتخر بفعاليتها اليوم.
مقابل عدم اشتراط تقديم الشواهد المرجعية لم يقدم المشروع اي توضيح بخصوص شواهد التصنيف و التأهيل التي تقوم مقامها.
بالرغم من تقليص مدة النشر بالنسبة لهذا النوع من طلبات العروض إلا أن المدد التي ترافقه كمدة زيارة أماكن الورش ومدة إرسال التوضيحات و الإجابة عنها لم تكن متناسقة بتاتا مع فترة النشر.
لا بد من التأكيد أن تقليص مدة نشر طلب عروض مفتوح مبسط من شأنه المس بقواعد و شروط التعاقد عبر ملحق لأثمان إضافية، بمعنى آخر فإن المادة 55 المتعلق بالاشغال الإضافية من المرسوم الذي يعتبر بمثابة دفتر التحملات الإدارية العامة لصفقات الأشغال تشترط في فقرتها الأولى " أنه يمكن إبرام ملحق اذا كان من المفيد بالنظر إلى أجل التنفيذ " لذالك وعمليا فإن سبب مدة النشر و المصادقة على الصفقة أصبح غير ذي معنى الى حد كبير.
إن حصر الصفقات العمومية المتعلقة بحراسة المباني الإدارية أو تنظيفها و صيانة المساحات الخضراء في شكل طلب عروض " بزيادة" من شأنه أن يحد من " تكسير الأثمان" لكنه طرح سطحي سيجعل جميع العروض المالية متساوية طبعا في حدود 0,01% لا أقل ولا أكثر مما يفقد معه معنى المنافسة الشريفة في هذا النوع الخدماتي. كما أن حصره في هذه الخدمات دون غيرها غير مفهوم.
أكدت المادة 27 من المرسوم أن من بين الشروط المطلوبة من المتنافسين أن يزاولوا إحدى الأنشطة المطابقة لموضوع الصفقة لكنها لم توضح آلية الفحص و لا طبيعة الوثيقة أو الوثائق المعتمدة للحسم في قرار الإقصاء.
إن حشو توضيحات حول حدود اشتراط الشواهد المرجعية من شأنه أن يعطي انطباعا مخالفا للمراد منها فالتعريف واضح لا يسلتزم تفصيلا أكثر.
أضاف المشرع مفهوما جديدا حول " مخطط التحمل" وجعله تصريحا يقدمه المتنافس عند الاقتضاء، لكن للأسف لم يقدم أية آلية لافتحاص هذه الوثيقة بل و حتى الجدوى منها مما سيجعلها عديمة الأثر الفعلي خاصة أنها تتعلق فقط بالصفقات العمومية دونا عن الخاصة.
إن التفريق بين العينات والوثائق الوصفية من شأنه أن يلبس الأمر خاصة أن طريقة التعامل مع كلتا الحالتين مختلفة تماما لذالك لا بد من توصيف دقيق للحالات التي يمكن فيها اللجوء احد هاذين العنصرين.
رغم ما سعى المرسوم الجديد إليه من إضافة أنماط جديدة كالعرض التلقائي أو الحوار التنافسي فإن الممارسات اليومية من شأنها إضعاف هذه المفاهيم وجعلها حبرا على ورق كغيرها من الطرق كالشراء الجماعي أو المناقصة الالكترونية المعكوسة والتي يسعى المشرع الى إنعاشها بين الفينة و الأخرى.
لحدود الساعة لم يتم نشر أية معطيات حول المرصد المغربي للطلبيات العمومية، والذي بالمناسبة لا أعلم سبب تسميته " بالمغربي" و لا أعلم طبيعة أعضائه و إن كنت آمل أن يطغى على تركيبته أصحاب المشاريع والمقاولات أكثر من المراقبة المالية ضمانا لتجويد المشترى وكفاءة المدبيرين العموميين أكثر من احترام شكليات الطلبيات العمومية.
رغم المحاولات المستميتة للدفاع عن نزع الصفة المادية عن الصفقات العمومية إلا أن المرسوم لم يأتي بآلية جديدة تلزم من خلالها الادارات نشر بعض المعطيات وكذا الجزاءات الزجرية المرافقة لها.
ياسين نجاحي/ خبير في الصفقات العمومية