طافت بذهني بعض التساؤلات والاستفسارات عن فكرة الوطن، وما هو الوطن؟، وهل الوطن عبارة عن فندق؟
سئل المفكر الفرنسي جان جاك روسو: ما هو الوطن؟
فقال: "الوطن هو ألا يبلغ مواطن درجة من الثراء ما يجعله قادرا على شراء مواطن آخر، وألا يبلغ مواطن درجة من الفقر ما يجعله مضطرا لبيع نفسه".
والوطن مصطلح يحمل الكثير من الدلالات والمعاني.
البعض يعتبره الأرض، والآخر يحسبه التاريخ ومسقط الرأس وثالث يختزله في الخيرات والامتيازات والمصالح.
ربما تكون بعض هذه التوصيفات صحيحة، لكن ما هو أهم منها هو أن الوطن ليس مجرد قطعة أرض بل هو انتماء وشعور وعطاء وإيمان، فالإنسان بلا وطن كالجسد بلا روح.
ويخطئ من يربط حب الوطن بما يقدمه له من مكاسب مادية وامتيازات أيا كان نوعها، ويخطئ الكثير من المربين حين يتساهلون في غرس قيم المواطنة والوطن في نفوس الأجيال.. بحيث تكون هذه القيمة في قمة الهشاشة في نفوسهم حين يطرأ أمر ما على الامتيازات التي اعتادوا عليها! فيغادرون الوطن وبعضهم يعادونه، ومن الخارج يلعنوه ويشتمونه بمن فيه من أهل وحكام.
الوطن ليس فندقا نسكن فيه ثم نغادره عندما تسوء الظروف والأحوال، أو تضيع الامتيازات والمناصب والمصالح الأنانية أوحين تغضب من إحدى خدماته تطلب من النادل أن يعمل لك إجراءات الدفع "Check out" ثم تغادر! والوطن ليس سهما خاضعا للارتفاع والهبوط في سوق الأسهم حسب العرض والطلب وتحليل الخبراء! الوطن هو انتماء وهوية وثقافة وتاريخ.
كما أن الوطن ليس بقرة حلوبا يتسابق البعض على امتصاصها ويتعامل معها بلغة الصياد والفريسة، بعضهم يتقنون الصيد والتهديف فهم يعشقون الوطن حينما يكون صيده وفيرا وثمينا، وينفرون منه حينما تجف خيراته وتضرب مصالحهم فيها.
مثل هؤلاء لا يرون الوطن سوى بقرة حلوب وساحة تنافس وصراع للاستئثار بالمكاسب والخيرات والمناصب. وبعبارة أخرى الوطن بالنسبة لهم شركة تجارية تخدم مصالحهم التجارية الضيقة، وهموم الناس مجرد أسهم ومؤشر يقيسون به ربحهم دون أدنى شعور بحس المسؤولية الاجتماعية.
إذن الوطن ليس فندقا ولا بقرة حلوب، وبالتأكيد أيضا الوطن ليس سوقا ونحن عبيدا نباع ونشترى على حساب لقمة العيش وحبة الدواء.
المطلوب اليوم قبل غد أن نكون أكثر واقعية تجاه قضايا الوطن، وأن نحاول زراعة الأمل رغم كل الظلام المحيط بنا، فلا خيار لنا سوى أن نصمد في مواجهة الفساد والانتهازية فهما وجهان لعملة واحدة. ثم أنه على الحكومات أن تكون خادمة لجميع مكونات المجتمع على قدم المساواة، وأن تقدم حلولا واقعية عادلة وتعرضها بشفافية على الشعب بعيدا عن استنزاف الجيوب.
يقول الروائي الروسي والأديب العالمي ليو تولستوي: "لا ينبغي لنا أن نحب الوطن حبا أعمى، فلا نرى عيوبه ولا نسعى لإصلاحها أو مواجهتها في الواقع". وتلك دائرة مهمة، تحتاج منا البدء بمعالجة "أنفسنا" أولا، ثم محيطنا ثانيا.